عبد الظل - الفصل 2257
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2257 : رحمة الظل
‘يجب ألا يُعرف أبدًا. يجب ألا يُحب أبدًا. يجب ألا يُعبد أبدًا.’
حدّق صني في أنفيل، دون أن يظهر أي إنفعالٍ على وجهه.
فأنتشرت ظلمةٌ دامسة لا محدودة في عينيه.
وأعلاهم، ومن حولهم، همست سيوفٌ طائرة لا حصر لها أثناء تجمّعها ببطء لتشكّل قبةً عملاقة…
رفع صني بصره، ثم تنهد بعمق.
‘…من حسن الحظ أنني أصبحت بلا قدر، إذًا.’
فالعالم قد نسيه، في النهاية.
لا أحد يستطيع أن يحبه…
لأنه لا أحد يستطيع أن يعرفه.
لكن ليس حقًا، على أي حال.
ومع استقرار ثقل هذا الإدراك على قلبه، رفع رأسه ونظر إلى الأفق. هناك، حيث ألتهمت ألسنة اللهب وعاء الملكة العملاق.
أنار بريقُ اللهب الأبيض المذهل وجهه، لكنه فشل في تبديد الظل الغارق في عينيه.
بقي صني بلا حراك لبضعة لحظات، ثم خفض بصره نحو الأرض.
‘ومن حسن الحظ أنني لطالما تجنبتُ نور الشهرة.’
لقد دُفع إلى إخفاء مدى قوته الكاملة بسبب طبيعة جانبه ذاته، فبقي في الظلال، متجنبًا أن يكون موضع ملاحظة، فضلًا عن أن يكون معروفًا. على عكس السيف المكسور، الذي كان أشهر وأعظم محاربي البشرية، كان يُنظر إلى صني على أنه مجرد شخصية ثانوية في قصة شخص آخر.
وكأن القدر كان يوجهه إلى هذه اللحظة منذ اليوم الأول. فقد قاده إلى النسب المحرّم لويفر، ومنحه الأدوات اللازمة للهروب من لعنته.
حتى دون معرفة سبب تحريم النسيج، تمكن صني في الغالب من تجنب دفع الثمن مقابل نيله نِعَمه العظيمة.
كسبَ اسمًا حقيقيًا في الكابوس الأول، وامتلك جانبًا ساميًا، عثر على ذكرى النسب، وحقق كل إنجازاته المذهلة… كان أي شخص آخر ليصبح بطلاً موقرًا للبشرية، لكنَ صني قد أخفى نفسه جيدًا. فهو يمقت فكرة أن يُدعى بطلًا على أي حال، لذا كان البقاء في الظلال أكثر ملاءمة له. يمكن لنيفيس أن تبقى تحت أنوار الشهرة بدلاً عنه.
لكن هناك مشكلة صغيرة…
كان صني جيدًا في الماضي، لكنه حاليًا لم يكن يقوم بعمل رائع في البقاء غير ملحوظ. في الواقع، لقد أفسد الأمر تمامًا.
كان كل من النائم بلا شمس، والمستيقظ بلا شمس، والسيد بلا شمس مجرد شخصيات غامضة وبلا أهمية تُذكر.
أما لورد الظلال، فكان شخصية سيئة السمعة. والأسوأ من ذلك، أنه كان على وشك أن يصبح سياديًا. سيتفجر صيته وينتشر في كلا العالمين، متجاوزًا حتى السيف المكسور…
لأن السيف المكسور، رغم كل إنجازاته، كان يُنظر إليه على أنه مجرد قديس في أعين العامة – أول وأعظم قديسي البشر آنذاك، لكنه لا يزال مجرد متسامٍ. أما صني، فقد أصبح نصف سَامٍ الآن.
بل لم يكن نصف سَامٍ فحسب، بل كان أيضًا النظير الوحيد لنيفيس، النجمة الساطعة للبشرية. نظيرها، أقوى حليف لها، وعشيقها المشاع أيضًا.
بعبارة أخرى، لقد صعد إلى المسرح – وإلى دائرة النور – بطريقة يستحيل إخفاؤها. وبمجرد انتهاء الحرب، سيعرفه المليارات، وحتى لو كان من المشكوك فيه أن يحبه الكثيرون، فسيكون بالتأكيد موضع خوف، وإجلال، وعبادة من الجميع.
سيرجع جنود الجيشين العظيمين إلى ديارهم حاملين قصصًا عن قوته المرعبة ونصله الذي لا يرحم. سيكونون ممتنين له أيضًا، لأنه أنقذ عددًا لا يحصى من الأرواح.
ولن يتوقف صيته عند هذا الحد.
‘آه. ويا لها من مشكلة.’
لم يكن المستقبل قاتمًا بالكامل، رغم ذلك. كان هناك جانب مشرق أيضًا… وهو أن نطاق صني لم يكن يعتمد على البشر. كل ما كان يحتاجه هو الظلال، والظلال – على عكس البشر – لا تحمل شرارة الرغبة الأصلية في أرواحها. بل إنها لم تكن تملك أرواحًا أصلًا، لذا لن يؤدي تبجيلها له إلى جلب نهاية العالم.
وهكذا، لم يكن على صني أن يضعف قوته إذا أراد تجنب إيقاظ السَامي المنسي، الذي سيبتلع الوجود بأسره إذا استيقظ. وهذا أمر جيد، لأنهم كانوا بحاجة إلى كل القوة التي يمكنهم حشدها.
كان عليه فقط أن يختفي في الظلال مجددًا، بطريقةٍ ما.
“…منافق.”
طاردًا شروده، نظر صني إلى أنفيل بتعبير هادئ وبارد، وقال بنبرة موزونة:
“أنا حقًا أمقت المنافقين أمثالك أكثر من أي شيء، يا أنفيل. أتقول إن السيف المكسور كان يجب أن يُقتل لمنع البشرية من عبادته… ومع ذلك، فأنتم السياديون نجحتم في إخفاء وجودكم لما يقارب العقدين، وكل ذلك من أجل احتواء أستيريون. فلماذا كان بإمكانكم أن تختبئوا، لكن وجب على السيف المكسور أن يموت؟”
هز رأسه بازدراء.
“لا… فقط اعترف بذلك. كن صادقًا لمرة واحدة. لقد قتلته لأنك كرهته. ببساطةٍ تامة.”
ابتسم أنفيل ببرود بينما رفع صني يده، بعدما أبعدها عن مقبض أوداتشيه.
“…وماذا تعرف عن الكراهية يا فتى؟”
وبتلك الكلمات، انفجر حضوره بسلطةٍ طاغية، وتجمدت عاصفة السيوف من حولهم، حيث تجمعت نصالٌ لا حصر لها لتشكل رونياتٍ عملاقة. أنارت الرونيات بتوهج قرمزي، وفجأة، وجد صني نفسه محاطًا بوهج أحمر كالدم.
تحركت يد أنفيل، فسقط نصلٌ مروع واحد من السماء، وبدا أن السماء نفسها تبعته. تصاعد إعصارٌ، وارتفع العواء المدوي للرياح وهي تدور حولهما، ومع سقوط السيف من الأعالي، بدت حدته المرعبة تزداد أضعافًا مضاعفة مع كل حلقة متوهجة من الرونيات يخترقها…
حتى بدا أنه حاد بما يكفي ليقطع سهل العظام المتصدع، ويفصل أرض التجاويف المشتعلة، ويشق بحر الرماد أدناه.
…ولكن أولًا، كان عليه أن يخترق صني.
رفع صني بصره، وأمسك بالذكرى التي استدعاها قبل لحظات، ثم رفع يده عاليًا.
سقط السيف القاطع عليه وسط زوبعة هائجة من الرياح. رفعت العاصفة القوية سحابةً من الرماد إلى الهواء، وبحلول الوقت الذي استقر فيه الرماد…
كان صني لا يزال واقفًا في نفس المكان، دون أن يتحرك، ودون أن يصاب بأي أذى.
مع تواجد فانوسٍ حجري صغير في يده، وبابه مفتوحٌ على مصراعيه.
خفضه ببطء، ثم أغلق بابه بإبهامه.
اتسعت عينا أنفيل.
“كيف… صمدتَ أمام هذا الهجوم؟”
فوقهم، فقدت الرونيات وهجها، وانهارت السيوف الطائرة التي لا حصر لها إلى نهر من الشرر القرمزي.
ابتسم صني.
“لم أتحملها. ببساطة، أرسلت سيفك إلى عالم الظل. لماذا عليّ أن أتغلب على قوتك العظيمة بينما يمكنني الهروب منها بحيلة صغيرة بدلاً من ذلك؟”
تلاشت الابتسامة ببطء من وجهه.
“والآن، حسنًا…”
انقض الأوداتشي الأسود، غارزًا نفسه في لحم أنفيل.
أصبح تعبير صني قاتمًا ومرعبًا.
“هذا من أجل جنود جيش الإخلاء الأول وسكان فالكون سكوت، الذين تخلّيتم عنهم للموت. سمارا، دورن، بيل… والعدد الذي لا يحصى من الآخرين. تذكر أسمائهم، أيها اللعين.”
تمكن ملك السيوف من تجنب الضربة القاتلة، لكن كان صني بالفعل قد وجه ضربة أخرى. حاول أنفيل صدها بواقي ساعده، لكنه فشل. تدفق الدم الأحمر على العظام البيضاء، وسقطت يدٌ مبتورة على الأرض.
“وهذا من أجل الجنود الذين ماتوا هنا في قبر السَّامِيّ، يقاتلون في حربك العبثية. كل واحد منهم كان بشريًا، يا أنفيل، وليسوا مجرد أرقام. لم يكن على أي منهم أن يموت. رغم أنني أشك في أن مسخًا مثلك قد يهتم بذلك.”
لم يُظهر أنفيل أي رد فعلٍ على فقدان يده، وبدلًا من ذلك، ترنح متراجعًا في محاولة للفرار.
لكن لم يكن هناك مهربٌ من صني.
غاص الأوداتشي الأسود عميقًا في فخذ أنفيل، مخلفًا جرحًا مروعًا عليه. تناثرت المزيد من الدماء على سطح العظام القديمة.
“وهذا من أجل نيفيس، الطفلة التي دمرت طفولتها. أيها البلطخي الفاسد والقاسي… هل استمتعت بتعذيب طفل؟ إذن تذوق بعض العذاب مني.”
صرّ صني على أسنانه، ثم ركل أنفيل في فخذه المصاب، مراقبًا إياه وهو يسقط على ركبتيه.
انهالت أمطارٌ من السيوف من السماء لتدمر صني، لكن تصاعدت موجة عظيمة من الظلال من الأرض، وتحولت إلى جدارٍ منيع منعها من مقاطعته.
أخذ نفسًا عميقًا.
“وهذا… هذا من أجلي. من أجل كل المعاناة التي تحملتها بسببك، وبسبب أمثالك.”
تغيرت أشياءٌ كثيرة فيه، لكن شيئًا واحدًا بقي كما هو. صني… صني لم ينس أبدًا ضغائنه.
نظر إلى الملك الراكع بازدراء بارد، ثم رفع أوداتشيه استعدادًا لتوجيه الضربة الأخيرة.
ولأول مرة، اشتعلت عاطفة واضحة في عيني أنفيل.
غضبٌ… رفضٌ… يأسٌ…
كافح للوقوف، بينما كان الدم ينزف من درعه الممزق.
“أنت… لا يمكنك قتلي… نيفيس، هي من…”
لكن لم ينتظر صني لسماع البقية.
انقض النصل الأسود من أوداتشيه المتعرج عبر رقبة الملك دون أن يواجه مقاومة تذكر، وتدحرج رأسهُ المقطوع على الأرض.
انزلج التاج الحديدي وسقط على العظام الملطخة بالدماء بصوتٍ معدني رتيب.
ترنح جسد أنفيل، ثم هوى بثقلٍ وسط صخب الحديد المتساقط للسيوف.
عاليًا في السماء، تحللت جميع السيوف المتبقية إلى عاصفة من الشرر، وللحظة، بدا وكأن السماء اشتعلت بنورٍ قرمزي.
كان مشهدًا يخطف الأنفاس بحق.
وأثناء تأمله فيه، لم يستطع صني منع نفسه من تذكر النسيج القرمزي لأنوار القطب فوق القارة القطبية الجنوبية.
وحينما اختفت الشرارات، تنهد بعمق وأغلق عينيه.
وبعد بضعة لحظات، تمتم بهدوء:
“جد السلام بداخلي… حتى لو كان أكثر مما تستحق، أيها الوغد.”
كانت هذه رحمةُ الظل.
-المؤلف- فصل واحد اليوم، ثلاثة غدا.
ترجمة آمون