عبد الظل - الفصل 1971
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 1971 : مطحنة الشائعات
استيقظت رَين على صوت أبواق الحرب. فتحت عينيها لتواجه ظلاماً دامساً، وتنهدت بينما سحبت قطعة قماش عن وجهها — لم تكن تلك القطعة سوى قميص من قمصانها ملفوف ليبدو كعصابة عين، لتستخدمه في حجب الضوء.
أُجبر كل جندي تقريباً في قبر السَّامِيّ أن يبحث عن الظلام بطريقة أو بأخرى. كان التوهج الأبدي للسماء القاتلة مصدر قلق دائم وخوف مستمر، ولكنه كان مرهقاً بشكل خاص، إذ كان كل شيء مضاءً تقريباً في كل مكان يذهبون إليه، مما جعل النوم صعب المنال. وهكذا تعلموا أساليب مختلفة للتكيف مع هذا الغياب البغيض للظلام والليل.
كانت طريقة رَين بدائية نوعاً ما، ولكنها كانت تسمح لها بالنوم بسلام. وهذا ما جعلها غير راضية للغاية عن استيقاظها بهذه الوقت المبكر جدًا.
‘ما الذي يحدث بحق…’
كانت لتستدعي ذكريات المعركة على عجل سابقاً، ولكن الآن بعد أن كانت الملكة معهم، كان معسكر جيش الأغنية أكثر أماناً. ولم يكن من المحتمل أن يكون هناك خطر وشيك، لذا أخذت وقتها.
تثاءبت، وتمددت، ثم استدعت كفن محرك العرائس وخرجت من خيمتها بمجرد أن غطى القماش الرمادي الناعم بشرتها الشاحبة. وخارجاً، واجهتها موجة من الحرارة، ورأت أن المعسكر الذي كان يعج بنشاط غريب.
كان الجنود يهرعون، وكان العبيد البشعون يُسرجون، وكان الحجاج يتحركون بصمت بين الخيام. وبعيداً في الأفق، كانت الأبواب الرئيسية للمعسكر تفتح ببطء.
درست رَين الفوضى بوجه كئيب.
“صباح الخير.”
عندما استدارت، رأت تمار تقف وذراعاها متقاطعتان على بعد خطوات قليلة. وبجانبها، كان راي وفلور يبدآن بإشعال النار لتحضير الطعام.
رفعت رَين حاجبها.
“هل هو الصباح؟”
هزت الإرث الشابة كتفيها بلا مبالاة.
“ربما يكون كذلك. هل يهمكِ ذلك؟”
لم تستطع رَين كبح تثاؤب آخر وهزت رأسها.
سارت نحو موقد النار وسألت:
“ما الذي يحدث؟”
نظر إليها راي الذي كان يحاول إشعال النار بقطعة صوان بسيطة بدهشة.
“ألم تسمعي؟”
حدقت رَين فيه للحظة، ثم أخذت قطعة الصوان من يديه وأشعلت الحطب من المحاولة الأولى.
“كيف لي أن أسمع أي شيء وأنا نائمة؟”
كان كل شيء على ما يرام بالأمس.
ظهرت ابتسامة بسيطة على جانب فم تمار. وجلست قرب النار ثم استدعت ذاكرة تخزين مكانية… والتي كانت مصدر حسد لا ينتهي بالنسبة لرَين منذ أن حصلت فتاة الإرث عليها من قديس الحزن.
أخرجت تمار المؤن وعلبة من القهوة المطحونة — وهي سلعة فاخرة أخرى — وسلمتها لفلور وقالت:
“وصلت الأخبار إلى المعسكر منذ بضعة ساعات — كان هناك اشتباك آخر مع قوات نطاق السيف. تهانينا. لقد نمتِ أثناء ثاني معركة بشرية في هذه الحرب.”
تجمدت رَين للحظة، وشعرت بقشعريرة باردة تجتاح عمودها الفقري. فسد مزاجها على الفور.
تنهدت.
“أوه، حقاً؟، هل كان في الممر المؤدي إلى أمتداد القص؟”
كان ذلك هو المكان الذي ستقام فيه أول ساحة معركة رئيسية في حرب العوالم، والذي كان الفيلق السابع سيسير نحوه خلال بضعة أيام.
هزت تمار رأسها ببطء، وتحولت ملامحها إلى شيء من القتامة.
“لا. حدث ذلك بالقرب من الممر المؤدي من الذراع الأيمن إلى سهل الترقوة، خلفنا. تعرضت قافلة إمداد للهجوم… من قِبَل لورد الظلال.”
والآن كانت هذه أخبارًا مقلقة.
ألقت رَين نظرة جانبية على ظلها، متسائلة كيف يشعر معلمها بشأن شخص آخر يمتلك سلطة مماثلة يشن هجوماً على جيش الأغنية.
كان هناك الكثير من الحديث حول لورد الظلال في المعسكر هذه الأيام، يصوره وكأنه نوع من الوحوش. حسناً، لم يكن ذلك بلا مبرر — فقد واجه الأميرة ريفل في معركة ونجا ليحكي عن ذلك.
لم يكن أحد ليتفاجأ إذا فعل شخص مثل نجمة التغيير أو مورغان من فالور شيء مماثل، ولكن كان قديساً غير معروف تماماً يُظهر قدرة على مواجهة الأميرة الأولى في المعركة اكتشافاً مقلقاً. ومع السمعة المرعبة والطبيعة الغامضة للورد الظلال، كان من المؤكد أن الشائعات الجامحة عنه تنتشر.
ولم يساعد الحال أمر حقيقة أن قِلة قليلة من الناس في معسكر الأغنية قد رأوه من قبل، مثل أعضاء فوجها.
فجأة، شعرت رَين بالتوتر.
“…كيف تمكن لورد الظلال وجنوده من الوصول إلى خلفيتنا دون أن يُلاحظوا من أحد؟”
ارتجف راي.
“هذا هو الأمر. لم يكن معه أي جنود… هاجم المجنون القافلة وحده.”
بدا الشاب عالقاً بين الرعب والإعجاب.
“ولم يكن هجوماً للتشويش أيضاً. فقد دمر القافلة بأكملها. وحده.”
تجمدت رَين.
كانت قد رأت قوافل الإمدادات هذه عند دخولها إلى المعسكر. لم تكن هدفاً سهلاً… وبل بعيدةً تماماً عن ذلك. كانت كل منها محمية بمئات من المحاربين المستيقظين، وعدة أفواج من الأسياد، وعشرات العبيد الأقوياء — العديد منهم من الرتبة الفاسدة — وبالإضافة إلى حجاج الملكة.
هل استطاع قديس واحد إبادتهم جميعاً؟، كيف كان ذلك ممكناً؟.
…هل لم تكن الشائعات عن لورد الظلال مبالغاً فيها كما كانت تظن؟.
سواءً كانت الشائعات حول قوته المخيفة أو تلك التي تصفه بأنه وحش.
وضعت فلور إبريق القهوة على النار وتنهدت.
“ومع ذلك، هذا ليس الجزء الأغرب.”
نظرت رَين إليها.
“ليس الأغرب؟”
أومأت الفتاة الرقيقة برأسها، وكان يبدو عليها نوع من الراحة الغريبة.
“لم يكتفِ لورد الظلال بتدمير القافلة. لسبب ما، ترك كل البشر الذين كانوا يحرسونها على قيد الحياة. قتل المخلوقات المستعبدة والحجاج، ولكنه أبقى على حياة الجنود.”
اتسعت ابتسامة تمار الرقيقة قليلاً.
“ألا نعرف السبب؟، لقد قال ذلك بنفسه. كان لأن السيدة نجمة التغيير طلبت منه أن يكون رحيماً.”
كانت تبدو مبتهجة على نحو غريب، رغم الصفعة التي وُجهت لجيش الأغنية.
في هذه الأثناء، كانت رَين في حالة من الذهول.
كان بإمكانها أن تصدق أن السيدة نيفيس قد طلبت من هذا القديس المرتزق أن يكون رحيماً. بل وكانت تستطيع حتى أن تصدق أن لورد الظلال سيستجيب لطلبها…
ولكن أن يقهر هذا العدد من المحاربين؟، ألا يقتلهم، بل يهزمهم جميعاً دون أن يُزهق روحاً واحدة؟.
إلى أي درجة يجب أن تكون قوته مرعبة لتحقيق مثل هذا الإنجاز؟.
شعرت بشيء من الاضطراب والارتياح في آنٍ واحد. ارتياح لأن زملاءها الجنود قد نجوا، واضطراب لأن شخصية لورد الظلال الغامضة بدت أكثر رعباً الآن.
ماذا سيحدث في اليوم الذي يقرر فيه العدو عدم منع سيفه؟.
لعن راي بهدوء.
“لقد أخبرتكم جميعًا أنه وغد مخيف. في المرة الأولى التي رأيته فيها… أيها السَّامِيّينَ. قال… حسنًا قررت ألا أقتلك أيها الحالم راي!، وكأن قتلي كان الخيار الافتراضي!، لولا السيدة نيفيس، لكنت ميتاً في تلك اللحظة.”
نظرت إليه فلور بازدراء.
“لكنه أنقذ حياتنا في النهاية. أظهر بعض الامتنان.”
أعطاها راي ابتسامة اعتذارية.
تنهدت تمار، وأخذت فنجان القهوة العطرية الذي قدمته لها فلور، وقالت:
“في كل الأحوال، لا تزال بقايا القافلة على الذراع الأيمن. إنهم أحياء، ولكن العديد منهم جرحى — لذا، سيرسل الجيش قوة إنقاذ لإعادتهم. سنعرف المزيد عندما يصلون إلى المعسكر.”
ثم تغير تعبيرها، ونظرت حولها في حيرة.
“ولكن… ما كان ذاك الضجيج؟”
حكت رَين مؤخرة رأسها، وهي تتناول فنجان قهوتها.
“أي ضجيج؟، لم أسمع شيئاً.”
ومع ذلك، كانت تكذب بالطبع.
فقد سمعته.
‘بحق؟!’
عبست تمار.
“أنا متأكدة أنني سمعت شيئاً. بدا وكأنه… دندنة؟”
ترجمة آمون