عبد الظل - الفصل 2266
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
الفصل 2266 : نفاذ الوقت
صمت صني برهة، ثم أومأ برأسه.
“أعتقد أن هذا كل شيء. قد أكون نسيت شيئًا ما، لكن بصورة عامة، هكذا يختلف كوني فائقًا عن كوني قديسًا. أستطيع القول، بشكل عام… أشعر وكأنني نصف سَامي. في الحقيقة، أشعر وكأنني سَامٍ. لأن مرجعي هو كوني بشريًا عاديًا، لا كائنًا ساميًا حقيقيًا. من وجهة نظر بشري فانٍ، قوتي لا تختلف عن قوة السَامي. أما من وجهة نظر السَامي الحقيقي، فأنا أبدو على الأرجح كطفل.”
نظر نحو الأفق.
“لكن الأمر… مختلف. الكيفية التي أصبحت بها. بسبب جبروت إرادتي، أصبح العالم يبدو أكثر قابلية للتشكّل مما كان عليه. وأشعر بهم جميعًا، في كل لحظة من لحظات اليقظة… ظلالي. صلتي بهم خفية، لكنها دائمة. كما لو أن عشرات الآلاف من الأصوات تهمس في أذنيّ بهدوء. أستطيع أن أشعر بهم جميعًا – يتحركون، يقاتلون، يقتلون. وكأن لدي عشرات الآلاف من الأجساد ومئات الآلاف من العيون. إنه أمر كفيل بأن يدفع الإنسان إلى الجنون، إن أردنا الصراحة.”
أصبح تعبير صني قاتمًا.
“وهو أسوأ حتى بالنسبة لنيفيس، التي يشمل نطاقها مليارات من البشر. الشوق، والرغبات، تجتاحها كمحيط، ورغم أنها نادرًا ما تتحدث عنه، فأنا أعلم أنها أحيانًا تكافح كي لا تغرق في ذلك المحيط.”
تنهد.
“أحيانًا، أتساءل… إلى أي مدى سنتغير مع مرور الزمن.”
حدق فيه يوريس لفترة، ثم أصدر طقطقة من فكه.
“آه، لكن هذه لعنة الكائن نصف السَامي، يا فتى. فأنت لم تعد فانياً تمامًا، لكنك لست سَاميًا بعد. وهذه هي الكلفة التي يتحملها كل بشري فائق. أو ربما هي نعمة – لأن هذا العبء سيجعلك تدريجيًا أقل فأقل بشرية.”
عقد صني حاجبيه، ثم حدّق فيه بعينين قاتمتين:
“أقل فأقل بشرية؟ ماذا تعني؟ كيف تكون هذه نعمة؟”
أطلق الهيكل العظمي القديم ضحكة مكتومة.
“حسنًا، ألم تسألني عن التبجل؟ خطوة التحول إلى كائن روحي – إلى كائن مقدس، إن صح التعبير؟ لقد وصفت كيف أن كونك فائقًا يختلف عن كونك متساميًا، لكن يا فتى… الكائن المقدس هو حالة وجودية مختلفة كليًا. التبجل هو فعل التحوّل إلى كيان سامٍ… إلى سَامٍ. سَامٍ أدنى وكيان سامي صغير، نعم، لكنه مع ذلك شيء يختلف جوهريًا عن الفاني. يتعلق الأمر بقدر وعيك وقدرتك على احتواء شساعة كل شيء، تمامًا كما يتعلق بجودة روحك وقوتك.”
هز يوريس جمجمته.
“الفائق هو من يوسّع روحه لتُخضع جزءًا من العالم. أما الروح، فهو من تقدر روحه على احتواء العالم بأسره. ومن البديهي أن عقل الإنسان، وذاته، لا يمكنهما احتمال ذلك. ولهذا، فإن تحوّلك إلى كائن أقل إنسانية قد يكون نعمة للفائق – لأنه يغيّرك تدريجيًا، ويحوّلك ببطء إلى كائن قادر على محاولة التبجل. قلة قليلة فقط تنجح في تلك المحاولة، بالطبع.”
صمت صني لبرهة، محاولًا استيعاب ما سمعه للتو.
‘التحول إلى كائن أقل إنسانية…’
سرت قشعريرة في عموده الفقري.
كان صني يعتز بإنسانيته كثيرًا. بل أكثر من ذلك، فإن فقدانها بدا مرعبًا – لأنها جزء لا يتجزأ من كيانه. أن يفقد شيئًا من بشريته، لا يختلف عن أن يفقد نفسه.
وفقدان نفسه لا يختلف عن الموت.
من المُفارقات أن نقول ذلك، لكنه، حتى بعد أن قتل نفسه مرة من قبل… لا يزال صني يخاف الموت، تمامًا كما يفعل أي إنسان.
لم يستطع إلا أن يتذكّر أنفيل وكي سونغ، الذين كانت لا إنسانيتهما سببًا في كراهيته الشديدة لهما.
لكن رغم ذلك، رغم كل شيء…
لم يكن الأمر وكأنه هو أو نيفيس يملكان خيارًا. عليهما أن يصبحا مُقدّسين. لن يكون بوسعهما النجاة، أو إنقاذ من يحبّان، دون ذلك.
شرب نبيذه الفاخر في صمت قاتم لبعض الوقت، ثم سأل بجدية:
“إذن، كيف يُمكن للمرء أن يُحاول التبجل؟”
حدّق يوريس به قليلاً وتظاهر بإطلاق تنهيدة.
“يؤسفني قول هذا، يا فتى… لكن ليس لديك أي فرصة على الإطلاق لتصبح مقدسًا.”
تفاجأ صني. نظر إلى الهيكل العظمي القديم بحاجبين مرفوعين، ثم عبس.
“هاه؟ ألست تستخفّ بي كثيرًا؟ ظننت أنك تعرف الآن أنني قادر على تحقيق الكثير، طالما وضعت الأمر نُصب عيني.”
لكن هز يوريس جمجمته نافيًا.
“لا، لا. سأكون أول من يعترف بأنك وجود مذهل، يا فتى… موهبةٌ فريدة حتى بمعايير عصري المضطرب. ليس لدي شك في أنك كنتَ ستحظى بفرصة جيدة لتصبح مقدّسًا – أو حتى سَاميًا – في ظروف طبيعية. لكن هذه هي المسألة. ظروفك ليست طبيعية، ألا تظن؟”
ازدادت حِدّة عبوس صني.
“حسنًا، ربما. لكن ما الذي تقصده تحديدًا؟”
حدّق به يوريس قليلاً، ثم تحدّث بنبرة محايدة:
“أعني الزمن، بالطبع. كما ذكرت سابقًا، أن تصبح كائنًا قادرًا على محاولة التبجل هو أمر بطيء وتدريجي. لا توجد طريقة للغش في هذه العملية، ولا حلّ بالقوة الغاشمة. الشيء الوحيد الذي يمكنك فعله هو أن تقضي وقتًا طويلاً في إعداد نفسك، وخوض التجارب، والسعي نحو التنوير، وتعلّم كيفية إدراك الوجود كما يفعل السَامي، لا الفاني. قد يستغرق ذلك آلاف السنين… أو قرونًا على الأقل.”
وأصبحت نبرته حزينة.
“لكنك قلت إن عالمك قد لا يصمد حتى لعقد واحد، صحيح؟ بغض النظر عن مدى عبقريتك، لن تتمكن من تحويل نفسك جذريًا إلى كيان يستحق أن يصبح سَاميًا في عقد تافه من الزمن. ناهيك عن أن تصبح كذلك فعلًا – فهناك الكثير من العقبات المستحيلة على طريق التبجل، بخلاف مسألة الجدارة بمحاولة الوصول إليه. عقبات لا تملك لا الوقت ولا الموارد لتجاوزها. لذا… آسف. سأضطر لإحباطك اليوم.”
راقبه صني لبضعة لحظات، ثم تنهد وأدار نظره بعيدًا.
بقي صامتًا لبرهة، يُنهي نبيذه في هدوء.
وما إن فرغت الزجاجة، حتى هزّ صني رأسه.
“تقول إنه لا توجد طريقة للغش في هذه العملية، لكنك مخطئ. هناك طريقة واحدة.”
كانت هناك تعويذة الكابوس.
لكن هنا يكمنُ الإشكال.
فلم يعد صني، في النهاية، حاملًا لتعويذة الكابوس.
حتى لو أراد خوض الكابوس الخامس، لم يعد بوسعه ذلك. فالتعويذة لن ترسله إلى كابوس، وكل ما سيناله عند اقترابه من بذرة هو جرعة لا تُقاوَم من الفساد.
أطلق صني لعنة، ثم رمى الزجاجة الفارغة في أعماق المتاهة العاجية. ثم تنهد، واختفى من على كرسيه، ليعود بعد ثانية والزجاجة في يده.
سواء كان فائقًا أم لا، فلا عذر للرمي العشوائي للنفايات.
جلس صني مجددًا، عابسًا وهو يحدّق في بريق عاصفة جوهر هائجة في الأفق.
‘كم هذا… مُزعِج.’
أصبح مزاجه معكرًا.
ترجمة آمون