منظور الشرير - الفصل 179
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
قلعة الظلمات .. الصرح العظيم الذي وقف شامخا غير آبه لويلات الزمن محميا بحاجز قديم لم ينكسر إطلاقا .
القلعة إحتضنت زوارها بعدما ظلت فارغة لسنين طويلة بانتظار اليوم الموعود.
المهندس الذي حمل فراي بيد واحدة معانقا إياه ، و آنغري الذي دخل هو الآخر بعدما جر كل من سنو و غوست خلفه.
منذ البداية ، لم تكن لهم أي فرصة للإنتصار .. ليس ضده على الأقل .
التمثال الغاضب ترك أجساد خصومه ترقد عند مدخل الغرفة بينما شق طريقه ناحية المهندس .
بمجرد بلوغه إياه .. آنغري ركع على الفور أمام ازرق العينين ..
أعين التمثال الغاضب البنفسجية قد حدقت بفراي رافضة أن تنظر إلى أي مكان آخر .
بدون وعي ، مد التمثال يده نحو البشري الفاني ..
لم تكن هنالك من طريقة لمعرفة ما فكر بها التمثال ، لكن المهندس فهمه بوضوح .
“لا داعي للقلق ، إنه بخير .. ”
المهندس بابتسامة غير معهودة أظهر وجها جديدا تماما عندما تعلق الامر بصديق قديم ..
“آسف لجعلك تهاجمه هكذا ، أعلم كم الأمر مؤلم لك و للبقية .. لكنه ضروري ”
“…”
التمثال الغاضب لم يعطي أي رد فعل يذكر .. بل لم يستطع حتى بما أنه لا يستطيع التكلم من الأساس .
لكن خلف تلك القطعة الحديدية الباردة ، تواجد كيان له مشاعره هو الآخر لدرجة أن أعينه لم تبرح فراي حتى بوجود المهندس الازرق العينين بنفسه أمامه .
هذا الأخير رفع رأسه إلى الاعلى متعبا بعدما نال منه الزمن .
“أعذر وقاحتي يا صديقي القديم ، لكنني سأحتاج لإستعارة قوتك لمرة أخيرة فضيف غير مدعوا قد طرق بابنا ”
المهندس و بكل عناية قد سلم فراي رفقة القناع نحو آنغري الذي أومأ له ..
توهج جسد التمثال الغاضب بشدة مظهرا قوة أقوى بعدة مرات من تلك التي استعملها ضد فراي و أصدقائه .
قوته مرت بسرعة مذهلة إلى داخل جسد المهندس الذي شفطها حتى آخر قطرة .
بإماءة ثقيلة توهج جسد المهندس قبل أن يختفي تماما من داخل الغرفة تاركا آنغري رفقة فراي و من معه .
بأقل من لحظة واحدة ، ظهر أزرق العينين فوق القلعة المظلمة يحلق بالهواء و أعينه تركز عاليا في السماء .
سماء لوندور التي لطالما كانت حمراء مظلمة .. قد أضاءت بشدة و كأن الشمس بنفسها قد إخترقت مجالها .
ضوء ساطع شديد البياض و النقاء قد نزل من السماء معلنا وصول ضيف ثقيل لم يكن متوقعا .
شيء مبجل و مهيب قد أرسل ضغطا جنونيا جعل الفراغ نفسه يرتعش .
المهندس قد وقف أمام ذلك الوجود المشع بصدر مرفوع وجها لوجه معه .
الكيان قد خفف من شدة الإشعاع المنبعث منه شيئا فشيئا مظهرا وجوده ..
وجود قوة عظمى وقفت بقمة العالم رفقة بقية العظماء .
متسلحا بدرع مهيب ذهبي إمتلك هالة ساطعة من حوله ، رفقة شعر ابيض طويل و أعين ذهبية برموز و نقوش ذهبية هي الأخرى غطت وجهه و جسده ..
“أنت بعيد جدا عن جحرك هذه المرة يا حامل الضوء ”
المهندس كان المبادر بالحديث مع ضيفه ..
حامل الضوء العظيم لم يكن سعيدا بكلمات نظيره على ما يبدو .. فرغم أن قبضتاهم لم تتقاطع ، إلى أن تلك الهالات المتفجرة التي إحتكت ببعضها البعض باستمرار قد أثبتت أن الصراع قد بدأ بالفعل.
رغم ذلك ، هالة الضوء النقية قد كانت اشد بكثير من تلك الزرقاء الخاصة بأزرق العينين ..
“بقايا النايملس .. أنتم مرة أخرى”
بصوت عميق زمجر المحارب الفخور بوجه المهندس .
“لا تعتقد و لو للحظة أن أولئك من هم بالأعلى لم ينتبهوا لما تفعله ”
تلك كانت كلماته بينما طار ببطء بهالة مهددة زادت بالتدريج .
“في الحقيقة ، أنا لا أهتم بلعبتك الصغيرة التي تلعبها رفقة رفاقك التافهين .. لكنك تجاوزت الحد هذه المرة ”
قال حامل الضوء ، اما المهندس فقد إبتسم بسخرية هو الآخر .
“تجاوزت الحد ؟ و من وضع رسم الحد ؟ هل هو أنت ؟”
المهندس لم يظهر أي علامة على الخضوع لخصمه الذي كان أقوى منه بكل وضوح .
“سمعت أنهم ينادونك بحاكم الضوء هناك بالأعلى ، يبجلونك على أنك نوع ما من السَّامِيّن أو الملوك .. لكن لا تنسى حقيقتك يا أورستيد ”
نطق المهندس باسم خصمه مواصلا الضغط .
“لا تنسى انك أحنيت رأسك كما فعل غيرك ذات يوم .. ثم ما فائدة إدعاء القوة الآن ؟”
رغم إستفزازات المهندس ، إلا أن حاكم الضوء لم يظهر أي تغيير على تعابير وجهه .
“هل واثق من أن هذا ما تريده ؟”
قال بهدوء قبل أن يطلق المدى الكامل لقوته الهائلة التي هزت الأرض و السماوات على حد سواء ..
أورستيد حدق بالمهندس قبل أن يلقي بنظرة من حوله ..
بالقرب و من اماكن متفرقة محاصرا اياه .. إستشعر العديد من الهالات القوية التي تستعد للإنقضاض بأي لحظة .
“مابك توقفت ؟ ” سٱل المهندس بينما اجابه حاكم الضوء على الفور .
“أتظن هذا كافيا ؟”
جميع تلك الهالات قد بلغت الفئة SSS بكل وضوح .. لكن ذلك لم يعني شيئا له .
رافعا يده عاليا نحو السماء .. تشكلت اورا حاكم الضوء فوق بعضها البعض بشكل متفجر مكونة سيفا عظيما هائل الحجم لدرجة أنه حجب القلعة المظلمة باكملها رفقة الحجاج من حولها .
سيف بحجم نيزك .. شديد السطوع مهددا كل ما قبع تحته .
أعين حاكم الضوء الذهبية قد توهجت بشدة ..
“أستطيع قتلك رفقة ذلك الشاب الذي تحوم من حوله قبل أن يقوم رفاقك باتخاذ خطوة حتى ..”
تهديد صريح من حاكم الضوء ، لكن المهندس لم يتراجع قط رافعا يده هو الآخر مستعملا آخر قطرات قوته المتبقية ..
من العدم ، ظهرت حلقات دائرية حول يده .. حلقات دائرية بعقارب ساعة تحركت ببطء داخلها .
مثل تلك الحلقات قد ظهر محيطة بالسيف العظيم بالاعلى بينما توقفت عقارب الساعة عن المضي قدما .
حاكم الضوء بعبوس حدق بالسيف الذي تجمد تماما رافضا التحرك طوعا لامره و كأن الزمن قد تخلى عنه .
أما المهندس ، بابتسامته الساخرة نفسها لم يتراجع قط .
“تستطيع قتلي .. أنا مدرك لذلك بالفعل فما أنا إلا شبح لما كنت عليه ذات يوم ”
توقف ازرق العينين لثانية قبل أن يكمل .
“لكن الا تظن انك قد دخلت هذه المعركة مانحا لخصمك الافضلية ؟”
كلمات المهندس جعلت حاكم الضوء يضيق أعينه ..
“مالذي تعرفه بالضبط ؟”
“لا أعلم الكثير ، لكن ما أعلمه أنك تهتم كثيرا لطفلك المدلل الذي أبرحناه ضربا أليس هو سبب قدومك من الأساس ؟”
إبتسامة المهندس قابلها العبوس من اورستيد حاكم الضوء بعدما تم إمساكه من نقطة ضعفه ..
“أعلم جيدا مدى أهمية سنو ليونهارت لحاملي الضوء .. لذلك دعني أسألك هذا يا حاكم الضوء العظيم ”
قد يكونون باطراف مختلفة هذه المرة ، لكن كلاهما وضع آمال كثيرة على مجرد بشر ..
“أعلم كم أنت قوي فلست أحد القوى السبع العظمى من فراغ ، لكن هل قوتك هذه كافية لهزيمتي أنا و رفاقي ثم الاعتناء برفيقي بالأسفل قبل أن يقتل طفلك المدلل ؟”
سؤال المهندس .. قابله صمت طويل من حاكم الضوء .. لكن الخفوت بهالته قد أثبت أنه لم يكن قادرا على تحقيق ذلك .
لقد كان واثقا من هزيمة المهندس و من معه ، لكن مسألة انقاذ سنو قبل فوات الاوان أمر شبه مستحيل .
“نحن لسنا بأعداء يا حاكم الضوء”
قال المهندس بجدية .
“مثلما تضعون الكثير من الآمال على ذلك الشاب المشرق .. نحن اخترنا نظيره المظلم ..قد تتضارب مصالحنا .. لكن عدونا واحد ”
المهندس كان مستعدا للقتال لو تطلب الأمر ، لكنه فضل إنهاء الأمر دون خسائر لو كان ممكنا .
معركة طاحنة ضد حاكم الضوء لن تسبب سوى الخسائر .. خسائر قد لا يتحملونها ابدا .
لحسن الحظ ، اورستيد كان متفهما بما فيه الكفاية ليستوعب ذلك .
“جيد جدا ”
اختفت الهالة القمعية لاورستيد مبددا ذلك السيف الهائل بينما فعل المهندس المثل متنفسا الصعداء .
“الزمن يتغير .. يا تابع النايملس ”
قال حاكم الضوء بوجه هادئ.
“أجهل ما تحاول تحقيقه ، لكن ما أنتم سوى أشباح .. نسخ باهتة لما كنتم عليه ذات يوم لذلك من الأفضل لك أن تتوارى عن الانظار هناك بالأسفل ”
“…”
“الزمن يتغير ، لكن آغاروث يبقى ثابتا مهما مرت العصور .. بل يصبح أقوى حتى ”
لعن أورستيد بينما توهج جسده مديرا ظهره للمهندس .
هذا الأخير لم يظهر أي رد فعل على كلمات حاكم الضوء .
“إلى أين أنت ذاهب ؟”
سأل ازرق العينين قبل أن يجيبه أورستيد.
” شعرت بهالة مظلمة تتفجر بعيدا .. افترض انه احد المقاعد البغضاء ”
تكلم اورستيد قبل ان يؤكد بابتسامة .
“سأذهب لأصطاده ”
“أشك أنك ستجده ، فمثلما شعرت بوجود هو فعل المثل على الارجح ”
“لا بأس فأنا سريع جدا !”
تدفق الضوء داخل جسد اورستيد قبل أن ينطلق ممزقا السماء بسرعة خيالية ..
لم تتبقى سوى كلماته الاخيرة للمهندس ..
“حاجز جميل بالمناسبة”
كانت تلك طريقة غريبة للوداع .. لكن المهندس لم يعطي الكثير من الاهتمام لكمات حاكم الضوء .
هو تنهد منزعجا بينما حدق بيده المتشققة ..
ما عاد جسده قادرا على تحمل معارك من هذا العيار بعد الآن .
وجهه الفارغ ذاك لم يظهر الحقيقة ، لكن وعاءه المحطم قد روى الكثير .
متعبا ، محطما .. بلغ اشده .
لكنه لم يتوقف قط .. مكملا المهمة التي عاش من اجلها حتى الآن .
أعينه الزرقاء حدقت بالقلعة أسفله .. المكان الذي رقد بداخله فراي ستارلايت ..
هذا الأخير غادر الواقع تماما غارقا بعالم آخر ..
عالم فتحه له القناع الذي ملأ عقله بذكريات لم تكن ملكه قط ..
ذكريات تجلت امامه لتصبح واقعا عاشه .
بينما حدث اللقاء الموعود بين اورستيد و المهندس .. كان فراي قد دخل حلما طويلا و مفصلا بشكل مرعب ..
حلم بعنوان .. “نايملس”
…
…
…
متى بدأ الأمر ؟
تساءل فراي بينما شاهد تلك الذكريات القديمة ..
الأرض لم تكن سوى كوكب واحد من بين مئات الآلاف من الكواكب داخل الكون الشاسع .
بعيدا جدا عن الأرض ، تواجد كوكب أكبر نسبيا من بقية الكواكب من حوله .
كوكب بإسم .. “كرات”
تلك الأرض شهدت حضارة بلغت من التطور ما لم يبلغه أحد من قبل ..
و كل الفضل يعود لذلك الجنس النبيل الذي عاش هناك .
كانوا شديدي الذكاء بأشكال ذكية شبيهة جدا بالبشر لكن ببشرة شاحبة جدا و اعين ذات بؤبؤ عين رمادي ..
العلامة الفارقة كانت حقيقة عدم إمتلاكهم لاي مشاعر تذكر ..
بالكاد شعروا بأي شيء جاهلين معنى الحب ، الحزن ، الغضب .. كل تلك كانت مشاعر قد سُلبوا إياها منذ ولادتهم . كل ما إمتلكوه كانت أحاسيس باهتة مثل الألم أو الحر و البرد مثل أي مخلوق حي آخر.
ميزتهم هذه التي كانت نقمة بنفس الوقت جعلتهم أشبه بالآلات جاعلة إياهم يعيشون دوم أي افكار ساذجة أو ملهيات بالحياة ما جعلهم يبلغون من التطور الكثير ..
كل ذلك بالإضافة إلى حقيقة انهم جنس لا يموت فهم لن يكبروا او يشيخوا .. بل سيعيشون إلى الأبد بمجرد بلوغهم لسن معين .. الطريقة الوحيد لكي يموتوا هي أن يتم قتلهم حرفيا ..
كانوا شديدي التركيز و الشغف بما قاموا به كما أنهم لم يمتلكوا ثقافة منح الاسماء فجميعهم كانوا يمتلكون ارقام ترمز اليهم و كأنهم سلع للبيع .
عاش ذلك الجنس حياة مثالية دون أي أوجه قصور ..
من بينهم ، تواجد فرد واحد رمز له بالرقم 4005 .
كان ذلك الفرد مشهورا بين اقرانه و ذلك يعود لسبب واحد فقط ..
فذات يوم ظهر أمام كبار عالمهم مدعيا أنهم سيتعرضون لغزو سيبيدهم عن بكرة ابيهم .. غزو سيخلف حربا ستنتهي بزوال عالمهم .
لكن عندما سؤل عن مصدر كلامه ذاك هو لم يعطي أي اجابة مطلقا ..
مدعيا علم الغيب دون أي دليل لجنس إتبع المنطق .. أصبح ذلك الفرد مشهورا بين بني جنسه بينما تحاشاه الجميع تاركين إياه ضائعا وسط تخيلاته .
مرت السنوات الواحدة تلوا الأخرى .. و لم يتحقق أي من كلام ذلك الفرد .
كل بني جنسه قد ركزوا على تطوير عالمهم بطرقهم الخاصة ، لكنه كان غريبا لم يدرس سوى شيء واحد طيلة حياته ..
و يمكن اختصار ذلك ب “الزمان و المكان”
بعد سنين طويلة تمكن من الوصول لقدرات أتاحت له التلاعب بالفراغ نفسه ما جعله قادرا على الإنتقال آنيا لمسافات مستحيلة باقل من لحظة واحدة .
قدرة مرعبة و هائلة كتلك قد تكون شيئا مذهلا بأي مكان بهذا العالم ، لكن بالنسبة لذلك الجنس بالغ التطور تلك لم تكن سوى مضيعة وقت لكل جهد تلك السنين .
إعتقادهم ذاك استمر طويلا إلى أن جاء اليوم الذي طرقت فيه الشياطين أبوابهم .
و كما كان متوقعا .. وصل ذلك الجنس الخبيث الى أرض كرات بعدما اصبحت هي الهدف التالي لهم .
غزو الشياطين كان عبارة عن كابوس بحد ذاته .. كرات دافعت بقوة ضدهم بفضل كل التطور الذي بلغوه .
لكن لا وجود لدفاع بهذا العالم يستطيع صده ..
“أغاروث”
ملك الشياطين المتوج حديثا .. بالقوة المطلقة وحدها ..
الكيان الذي كون المقاعد العليا ، الوجود الذي اطاح بدوقية للجحيم و هزم جميع اليورمنغاندر ..
وجود هائل لقب بالوحش الذي يبتلع كل شيء قد سقط اليهم و كأنه كابوس ..
بمجرد ظهوره ، إنتهت الحرب بكارثة لأهل كرات ..
كانت ابادة عرقية شهد فيها العالم زوال جنس بأكمله من اولهم الى آخرهم ..
الشياطين لم ترحمهم قط خوفا من الامكانيات الهائلة التي امتلكها ذلك الجنس ..
جنس لا يموت ، ولا يملك اي مشاعر .. شيء كهذا سيتطور باستمرار لو ترك لوحده.
اهل كرات الذين ركزوا دوما على تنمية انفسهم و بلغوا من التطور الكثير ..ماذا لو ركز جنس كهذا على جعل انفسهم اقوى مسخرين إمكانياتهم للحرب ؟
فكرة مرعبة نتج عنها ابادة شاملة مات فيها الناس بالمليارات ..
جميعهم سقطوا موتى معلنين نهاية عرق كامل .. ما عدا شخص واحد .
الوحيد الذي كان مختلفا .. بعدما سخر وقته كله يدرس موضوعا وصف بعديم الفائدة ..
بعدما بلغ من القوة ما يتيح له التلاعب بالزمان و المكان .. هو تمكن من الانتقال بسهولة آنيا محققا شيئا مذهلا .
بمجرد بدأ الغزو ، انتقل آنيا على الفور الى كوكب آخر بسهولة مستفيدا من معرفته الشاسعة بذلك المجال بينما شاهد إحتراق كوكبه من بعيد و زوال بني جنسه .
في النهاية ، الوحيد الذي كان مختلفا قد نجا بالنهاية .
مات عالمه أمام عينيه .. قتل الجميع .
لكن لشخص مثله لم يمتلك أي مشاعر تذكر .. هو لم يحس بأي شيء ..
لا غضب .. لا حزن ..
فكرة الانتقام بنفسها لم تدخل عقله قط بل لم يفكر بها من الأساس ..
لم يأخذ الأمر منه سوى ثانية واحدة ليدير ظهره لكوكبه متخليا تماما عن إنتمائه لينطلق برحلة جديدة بهدف تغدية شغفه اللامتناهي للتعلم .. و التطور .
بعدما نجا .. و مستفيدا من حقيقة كونه خالدا ..
إنطلق وحيدا برحلة نحو المجهول من أجل التطور .. لشخص مثله لم يملك أي مشاعر كان ذلك هدفه الوحيد من الحياة .
أينما حل و إرتحل ، وجد نفسه مفتونا بجانب جديد من الحياة.
جانب محرم لم يحاول أحد لمسه لانه كان ببساطة امرا لا يمكن لمخلوق فاني أن يدركه .
الحياة و الموت .
عندما كانت الجثث تسقط أمام قدميه ، كثيرا ما وجد نفسه يحدق بها متسائلا .
“لماذا يموت الناس ؟”
بنفس الوقت ..
كثيرا ما رأى الحياة تأتي الى هذا العالم عند ولادة الاطفال . ما جعله يطرح سؤالا معاكسا ..
“لماذا يحيا الناس ؟”
الحياة و الموت كانت من محرمات الدنيا و شيئا لا يد له به .
لكنه وجد نفسه مفتونا به ..
مرت السنين و تعمق ذلك الشغف ليصبح هوسا .. هوس جعله يجن تماما ..
كثيرا ما اصطدم بأطراف عارضوه ما دفعه لقتلهم .. العديد قد ماتوا على يديه ما جعله يكتشف كم كان الموت امرا سهلا ..
“أستطيع التحكم بالموت ”
لكن بالمقابل .. هو لم يستطع منح الحياة .
كم من الارواح سلب .. لكنه لم يمنح أي شيء ..
مرت السنين بسرعة مذهلة بينما تعمق بشغفه و بعد كل ذلك الوقت ..
حقق ذلك الفرد انجازا هائلا لا يمكن لغيره تصور الوصول اليه حتى ..
هو لم يستطع أن يمنح الحياة و أن يأتي بها من العدم ، فذلك كان امرا مستحيلا ببساطة .
لكن بلغ من العلم و القوة ما جعله قادرا على فعل شيء سيجده الكثيرون مستحيلا .
“تخزين الارواح ”
مالم يمت الآخرون تماما ، سيقدر دوما على تخزين ارواحهم و حفظها .. شيء كهذا كان ضربا من الجنون .
لكنه اصبح واقعا .
مستعملا كل قدراته بدأ يحاول منح الحياة بطريقته الخاصة .. مخزنا ارواح اولئك الذين ماتوا بالحروب أو المعارك محافظا على ارواحهم .
في البداية هو صنع أوعية بدائية لهم مستعملا اياها كأجساد جديدة.
كانوا بدائيين جدا مصنوعين من معدن اسود بتعابير وجه ثابتة جعلتهم يبدون كالتماثيل .
تلك كانت تجاربه الأولى .
من البداية حتى النهاية ، هو رآهم كتجارب من اجل اشباع ذلك الشغف المتنامي بداخله .
و قد نجحت مساعيه تلك عندما اصبحت الاوعية تتحرك بمفردها محافظة على ذكرياتها بالكامل ..
هو لم يتوقف ، بل واصل المضي قدما .
أصبحت تلك الاوعية أكثر شبها بالمخلوقات الذكية مع مرور الوقت . من تماثيل باردة دون اي دليل للحياة ، إلى مخلوقات كاملة تستطيع الكلام و التعبير عن نفسها بشكل كامل .
هو رآهم جميعا كتجارب .
لكن ماذا عنهم هم ؟
الشخص الذي أنقذهم .
الكيان الذي حقق المستحيل و أعطاهم حياة ثانية ..
وجود بلغ من الحكمة ما لم يروا له مثيلا من قبل .
بعضهم كان ممتنا له .
البعض الآخر كان مفتونا بقوته العجيبة ، و آخرون بحكمته اللامتناهية ..
بين هذا و ذاك.. كلهم قد طوروا مشاعر معقدة تجاه ذلك الكيان عديم المشاعر .
لكن هذا الأخير لم يتوقف ، بل واصل المضي قدما .
إرتحل من كوكب إلى اخر .
من حضارة الى حضارة .
كان يتعلم كل ما يمكن تعلمه من الأرض التي يحط اقدامه فوقها ، ثم يغادر بالنهاية عندما ينتهي من استعاب كل شيء فوق تلك الأرض.
مع مرور السنين .. تكرر المشهد كثيرا ..
“قيل أنه كان قويا جدا ”
مطورا قوته و متعلما كل انواع الفنون القتالية من الاماكن التي زارها .. وصل من القوة ما جعله قادرا على هزيمة أي أحد بسهولة .
“قيل أنه كان غامضا ”
مرتديا درعا اسود غريبا ، و قناعا اغرب .. لم يعرف أحد قط كيف بدا وجهه ذاك .. لم يحدث احدا أو يقترب من أحد .
هو فقط يحط الرحال سالبا الأرض التي زارها كل ما تملك قبل أن يتابع رحلته .
“قيل أن لا إسم له ”
لم يترك إسما خلفه قط ، ولا وجها ليتعرف عليه الناس به .
لذلك هم نادوه ببساطة .. “نايملس” (عديم الاسم)
مع مرور الوقت و السنين ، حط النايملس الرحال فوق كواكب ماتت بسبب الشياطين .
تلك الاراضي كانت عبارة عن ميدان تجارب خصب له ما جعله يواصل ممارسة هوايته المفضلة .
كان يعيدهم الى الحياة مانحا اياهم فرصة ثانية قبل أن يغادر راضيا عن ما حققه .
هو لم يأبه لهم قط .
لكن قبل أن يستوعب ذلك .. أصبح إسمه يحمل من الوزن الكثير .
عندما كان النايملس يدير ظهره ببداية رحلته ، بالكاد كان يجد إثنين أو ثلاثة ممن أعادهم يتبعونه .
هم كانوا مفتونين به ، و ما لم يعترضوا طريقه .. نايملس لم يفعل شيئا لإبعادهم .
منهمكا بشغفه مستفيدا من خلوده و تجرده من المشاعر .. لم يدرك حتى كم من الوقت قد مر .
عندما استدار النايملس مرة أخرى ملقيا بنظرة خلفه .. هو لم يجد شخصين أو ثلاثة بعد الآن .
خلفه سار عدد لا يعد و لا يحصى من الاوعية متبعين اياه مفتونين به تماما ..
اعدادهم كانت كثيرة لدرجة أنه لم يكن لهم نهاية على مد البصر .
كل أرض زارها بحياته قد أصبحت تعرف اسم النايملس .. الكيان الذي بجله و عبده الكثير بصفته ملكهم ..
النايملس لم يعد مجرد اسم .. بل اصبح كيانا بحد ذاته يرمز لعدد لا يعد ولا يحصى من الافراد الذين شكلوا طائفة كاملة .
اخذ الأمر منه آلاف السنين .
لكن نايملس قد بلغ نهاية رحلته اخيرا بعدما لم يترك حضارة الا و زارها متعلما كل ما يمكنه تعلمه منها ..
أتقن كل الفنون القتالية لدرجة أنه طور قدرة عجيبة جعلته مضادة لها جميعا .
قدرة جعلته يبدو و كأنه يرقص داخل ساحة المعركة مثل الظل ..
قوته .. سرعته .. كل شيء قد بلغ ما لم يبلغه أحد قط .
بنهاية تلك الرحلة ، هو ادرك انه حقق اخيرا امكانياته الكاملة .
معلنا أنه الوجود الوحيد الذي فعلها .. و بلغ اقصى ما يمكن بلوغه ..
لم يتبقى شيء لم يتعلمه .. ولا اخر لم يكتسبه .
بتلك المرحلة بالذات .. اصبحت قوته شيئا لا يمكن استعابه اطلاقا .
و في نفس الوقت .. كبرت تلك الطائفة كثيرا لدرجة انها اصبحت تتواجد فوق كل كوكب و كل حضارة..
كيان بهذا الحجم شمل الملايين .. كان من المحتم أن يصطدم به مرة أخرى .
“الشياطين ”
كان ذلك قدرا محتما .
الشياطين بقيادة اغاروث الذي لم يخسر قط .. كيان جلب العالم لقمة اليأس ..
العالم وصل لطريق مسدود ، حاكم الضوء الأول .. الوعاء النقي قد خسر بعدما شطره اغاروث لنصفين ..
حاكم البانثيون الاقوى .. ميدير هو الآخر مني بهزيمة نكراء ضد ملك الشياطين .
جميع جبابرة العالم قد انتهى بهم الامر للهزيمة عندما تعلق الأمر بأغاروث ..
زخم الشياطين لم يتوقف قط .. و قد خسرت الاجناس بشكل مزري أمام الكيان المظلم .
في النهاية ، إصطدمت طائفة النايملس بالشياطين بعدما اصبح ذلك امرا محتما ..
عندما بدأت المواجهة و الحرب .. اغاروث الذي اباد كل ما وقف امامه بساحة المعركة لم يتوقف قط .
لكن العالم بأكمله قد حبس أنفاسه بعدما هزت السماء و زلزلت الأرض عندما نزل نايملس إلى المعركة .
اندهش الجميع من تلك اللحظة التي وقع فيها الصدام و تم صد اغاروث تماما من طرف شخص لا يعرف أحد عنه شيئا .
بل لم يصده فحسب ، بل قاتله بالند للند ..
معركتهم كانت عبارة عن كارثة طبيعية جعلت الأرض نفسها تبكي بينما عم الدمار و الموت بكل مكان ..
اغاروث كان بقمة حماسه منتشيا عندما وجد ذلك الخصم الذي لطالما بحث عنه .. خصم عديم الوجه و الاسم ظهر من العدم ملبيا رغبته تلك مقاتلا اياه حتى الموت.
ظهور كيان قادر على صد اغاروث كان حدثا غير مسبوق بمثابة ضوء امل وسط حفرة اليأس تلك .
بتلك الحقبة المذهلة .. سارعت الاجناس بالتكتل على الفور خلف طائفة النايملس بعدما ظهر الامل اخيرا .
كل تلك الكيانات الجبارة التي قادت العالم قد احنت رؤوسهما له .. النايملس الذي حقق ما رأوه مستحيلا .
و تلك كانت بداية الحرب العظمى التي سيروى عنها لاحقا بالأساطير ..
الشياطين كانوا جنسا باعداد هائلة بالمليارات .. ذلك الجنس الخبيث باكمله ضد طائفة النايملس و كل الاجناس المتكتلة خلفه ..
حرب على مستوى أخر من الدمار و الموت .
كل يوم كان يموت الملايين ..
الدماء انهمرت لدرجة تكوين البحار .. الأرض دمرت باستمرار و دون توقف ، و اصبح الموت امرا طبيعيا مثل التنفس .
الحرب التي غزت السماوات و الاراضي بلغت اوجها بينما تصادم النايملس و اغاروث عدة مرات داخل ساحة المعركة .
قتالاتهم كانت شيئا لا يستوعبه العقل ، لكنهم لم ينهوا معركتهم قط و دوما ما تمت مقاطعتهم عاجزين عن انهاء تلك الندية التي نشأت بينهما .
اغاروث المنتشي بعدما وجد خصما يقاتله بالند للند .
و نايملس الذي بلغ اقصى امكانياته متجاوزا كل المخلوقات الاخرى .
بلغت الحرب طريقا مسدودا بعدما مات الملايير من كلا الجانبين .
على ذلك المنوال ، سينتهي الامر بالفائز بينهم بان يحكم الرماد فقط و هذا ما ادركه اغاروث و النايملس بعدما بلغت الخسائر مقياسا من عالم آخر تماما .
لذلك و على نهاية الحرب .. تم ايقاف المعارك تماما عندما اتفق الطرفان على شيء معين ..
اتفاقهم كان بسيطا ..
معركة واحدة .
معركة نهائية بين أقوى محارب من كل جانب تنهي تلك الحرب الطويلة و الشاقة التي هددت بنهاية العالم .
لو فاز اغاروث ، فلا يوجد من يستطيع ايقافه من جانب الاجناس .
و لو فاز نايملس ، فلا يوجد من يستطيع هزيمته من جانب الشياطين .
معركة واحدة كانت ستحدد مصير العالم بأكمله قد كانت على وشك الاندلاع .
بليلة المعركة ..
التقى نايملس بوعائه المثالي و الافضل على الاطلاق .. وعاء ازرق العينين .
مستخدما قدراته المذهلة .. عرض عليه شيئا يفوق التصور ..
بتلك الليلة .. بكا المهندس لأول واخر مرة بحياته بينما غادر ملكه متجها الى معركته المصيرية ضد اغاروث .
هذا الأخير كان بقمة حماسه متطلعا لتلك المعركة .
و قد كان له ما اراد .
اخيرا و بعد عشرات الصدامات .. تقاتل كلاهما بمعركة حتى الموت لن يرا العالم مثيلا لها مرة أخرى مهما مرت العصور .
معركة جعلت الاقوياء يقفون مبهورين بما رأوه .
في نهاية تلك المعركة التي غيرت مسار الزمن نفسه ..
وسط بركة من الدم ..
لكن .. هنالك قاعدة بهذا العالم ..
تحت السماء .. و فوقها ..
لا يوجد من هو اقوى من آغاروث ..
قاعدة تحققت عندما جلس هذا الأخير وسط بركة من الدم محدقا بجثة النايملس الراقد بين ذراعيه ..
اغاروث مصابا بشدة .. قد رفع رأسه للسماء محدقا بذلك الشيء فوق جسد النايملس ..
الشيء الذي ارسل سلاسل التفت حول روح اغاروث مقيدة اياه ..
وجه اغاروث كان فارغا تماما ..
الرجل بين يديه .
الوحيد الذي بلغ ما بلغه. .
الوحيد الذي قاتله بندية ..
ادرك انه قد مات بالفعل ..
بروحه المقيدة .. اغمض اغاروث اعينه امامه ..
“وداعا .. يا صديقي الوحيد ”
هكذا .. مات نايملس أخيرا تاركا اثرا لن يزول من العالم الذي تغير بسببه مرة . و الى الأبد .
…
…
…