السجل البدائي - الفصل 1952
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم مترجم لزيادة تنزيل رواية The Primordial Record
الفصل 1952: تحطيم المهد (3)
مهد أخنوخ
لم يعرف أحد كيف بدأ الأمر، ولا حتى وحش الحتمية، التي أرشدت المعقل الأخير للخليقة بعيون لا تغمض في نوم، استطاعت أن تقول كيف بدأ، لكن الارتشاي، وهم كائنات صنعهم إيوس لتسجيل كل الحقائق في الوجود، كانوا في المكان المناسب والوقت المناسب ليروا كيف بدأ كل شيء.
حتى أثناء سفرهم عبر ليمبو، ترك الارتشاي مئات التجسيدات المتعددة لأنفسهم ليتعلموا كل ما في وسعهم عن المهد. وهذا المكان بلا شك أحد أهم المواقع في كل الوجود، والغموض الذي يحتويه كان حاسماً لكل أشكال الحياة.
من أول الأشياء التي لاحظها الارتشاي حول المهد أنه بكر. الواقعات هنا جميعها تمتلك شخصيات، والبرائة إحدى سماتها المميزة. بدا الأمر كما لو أن حالة الوجود الحقيقية قد حُجبت عنهم، ولم يكن عليهم أبداً أن يروا أنهم آخر جزيرة للبرائة في بحر من الدماء.
بالكاد هناك أي خالدين في كل هذه الواقعات، وكان السعي وراء القوة غير مشجع للغاية، حيث رأى الارتشاي أنه بالكاد يُسمح بأي عناصر خارقة للطبيعة داخل هذه الواقعات، والقلة الذين وجدوا الخلود هم عباقرة فائقين أو أولئك الذين قاتلوا القدر والسماوات لحمل مصائرهم.
لم يستطع أي ارتشاي هنا أن يجزم بأن هذا كان شيئاً سيئاً لسكان المهد. فمن ناحية، حُرمت معظم أشكال الحياة هنا من فرصة رؤية كل ما يقدمه الوجود ومعرفة ما يعنيه أن تكون قادراً على حمل الشمس في راحة يدك، ولكن من ناحية أخرى…
كان المهد هو المكان الأخير حيث يمكن للطفل أن يطارد الفراشات المضيئة دون أن يعرف أن هذه الفراشات مصنوعة من نجوم تحتضر، وحيث يمكن للعشاق أن يعدوا بالأبد وهم يقصدون ذلك تقريباً، وحيث الموت لا يزال باباً وليس فماً.
رغم دهشتهم ونقاشهم الداخلي حول المهد، لفتت شخصية واحدة انتباههم فوق كل شيء، وهي حارسته.
تلك المواد ي المرة الأولى للارتشاي وإيوس لرؤية هذه الوحش، وكُشف لهم شكلها الذي ظل مخفياً عن أنظار الجميع.
وبكلمات بسيطة، كانت الوحش سلحفاة ضخمة.
إنها شاسعة وراء كل شساعة، تبلغ مساحتها تقريباً عُشر مساحة المهد، ولو لم يرَ إيوس هيئة الواقع الأول هوندون، ستكون هذه الوحش أكبر كائن حي رآه على الإطلاق.
كانت صدفتها قارة من اليشم الأسود منقوشة بكل قانون استطاع إيوس التعرف عليه وبعض القوانين التي لم يستطع. كانت لديها عيون مثل مجرات مزدوجة، والتي بدت مليئة بالدفء بشكل مفاجئ.
من صدفتها يرتفع ذيل عبارة عن ثعبان أطول من أنهار الزمن؛ حراشفه من ليل حي مع أنياب تقطر بالسم الذي عرف الارتشاي أنه يمكن أن ينهي حياتهم بشكل فوري تقريباً.
راقبوا الوحش عن كثب ووجدوا أنها لا تنام؛ بل تدور حول السطح الداخلي للمهد إلى الأبد، تجدف أرجل السلحفاة عبر الفراغ كما لو كان ماءً، ويتذوق ذيل الثعبان الهواء بحثاً عن رائحة الفساد.
من المفترض أن يكون ذلك كافياً. لم يكن كذلك.
كانت السلحفاة حارسة مثالية تقريباً، وستمنع حتى البدائيين من الوصول إلى المهد دون خوض معركة شرسة، أو إذا لزم الأمر، بإمكانها سحب المهد بأكمله إلى مكان آخر. استطاع إيوس التعرف على بعض الرموز الموجودة على صدفتها، وعرف أنها تمثل السرعة القصوى والقدرة على التكيف، لكنها لم تستطع رؤية السرطان داخل الشيء الذي تحرسه، وكان ذلك عيبها الصارخ.
كان الارتشاي يعدون عدد الواقعات داخل مهد أخنوخ، ومن المفترض أن تكون هذه المهمة فورية تقريباً، لكن الواقعات هي كيانات من بعد تاسع، وهذا جعل من الصعب تعيين رقم لها، لأن واقعاً واحداً يمكن أن يظهر في تريليون شكل في نفس الوقت، ومع ذلك يوجد ككيان واحد ضخم.
من السهل دائماً نسيان أنه بالنسبة لأي كائنات أقل من البعد التاسع، كان الواقع بالنسبة لهم لامتناهياً حقاً، وحتى لو مُنحوا أعماراً لامتناهية، فلن يتمكنوا أبداً من رؤية نهايته.
ومع ذلك، كان الارتشاي في طريقهم لتعداد ما يقرب من خمسة وتسعين بالمائة من عددهم الإجمالي عندما لاحظوا التغيرات عبر واقعات معينة، وحساب تقريبي سيحدد هذه الأرقام بحوالي ثلث جميع الواقعات داخل المهد.
الارتشاي الذين رأوا الحدث يقع لم يستطيعوا حتى فهم مسبباته، لكن إيوس، الذي يراقب كل شيء من خلال حواسهم، سمع همساً بدا وكأنه يأتي من العدم، وتلك الواقعات التي لم تستطع سماع ذلك الهمس سمحت له بالدخول إلى وعيها.
عبر واقعات لا تحصى، بدأت التغيرات الأولى عند الفجر.
كان لدى إيوس إمكانية الوصول إلى جميع عيون الارتشاي، وبإمكانه معالجة المعلومات بشكل أفضل بكثير مما يمكنهم في هذه المرحلة. في المستقبل قد يتغير ذلك، ولكن في الوقت الحالي، كان منقطع النظير، وهكذا من بين الكم الهائل من البيانات التي عليه فحصها، رأى الحالة الأولى.
كان طفلاً استيقظ ورأى الشمس وهي تشرق في السماء، ذهبية ومثالية، فابتسم، لكن عينيه انجذبتا إلى شجرة واحدة في الحقل لم تكن تعكس الضوء بشكل صحيح تماماً.
مرتبكاً قليلاً مما يشاهده، خرج من المنزل ومشى إلى الشجرة، ولاحظ أن أوراقها بدت أغمق وأغصانها منحنية للداخل، كما لو أنها تستمع لشيء ما داخل جذعها.
مفتوناً بهذه الظاهرة المجهولة، التفت الطفل الفضولي لمناداة والديه، لكنهما كانا لا يزالان نائمين، فمشى إلى الشجرة ولمس لحائها.
ضحك عندما لاحظ أن اللحاء كان دافئاً، شعر تقريباً وكأنه يلمس معدة والدته خلال الأمسيات الباردة، ثم تلاشت الابتسامة ببطء عن وجهه عندما لم يستطع سحب ذراعه بعيداً عن الشجرة، وبدأ اللحاء يزداد دفئاً بسرعة كبيرة وشهق بصدمة وألم عندما بدأ الدخان ورائحة اللحم المشوي يخرجان من تحت راحة يده.
مرت الصدمة، وفتح الصبي فمه ليصرخ، لكن الشجرة انفتحت مثل فكي سمكة قرش، وخرج منها دخان أبيض والتف حول الصبي برقة تماثل القبلة.
ماتت صرخات الصبي في حلقه بينما تحولت عيناه إلى بياض الحليب.
ثم فتح الطفل فمه وتحدث بصوت مختلف بدا ناعماً، ومتسائلاً، وجائعاً. كان إيوس ليتعرف على صوت أخنوخ من أي مكان.
“أريد المزيد.”
ثم انفجرت الشجرة إلى مجسات؛ وما ظهر لم يكن كروماً بل أذرعاً.
مليار ذراع تنبثق من جذع واحد، كل ذراع ينتهي بفم يتذكر كونته زهرة. امتدت نحو السماء، نحو المحيط الزجاجي، نحو الغابات الكريستالية، نحو كل كائن حي لم يعرف المفاجأة أبداً.
في تلك اللحظة، كانت والدة الصبي قد خرجت من المنزل ورأت وحشية عبثية لدرجة أن عقلها تحطم عند رؤيتها وانكسرت روحها إلى قطع. سقطت يداها إلى جانبها وهي تموت واقفة.
وهكذا، بدأ الذبح، وفي البداية، كان رقيقاً تقريباً… تقريباً.
الترجمة : كوكبة
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.