السجل البدائي - الفصل 1949

الفصل 1949: كسر قفص الزمن

طوال الوقت الذي تحدث فيه نوكتيس، لم تتحرك سوى عينيه وفمه. ظل وجهه ملتفاً نحو روان بينما جسده يواجه المِصهر. ظل ساكناً كتمثال، مما جعل روان يتساءل عما إذا كان الشخص الذي يتحدث إليه مجرد تجسيد لهذا المعبد، وليس كائناً منفرداً.

من الغريب أن الأعضاء الثمانية الباقين هنا ظلوا متجمدين، رغم حضور روان، ولم يبادروا بأي حركة للكشف عن أنفسهم، ومع العبائات التي تغطي أجسادهم، لم يستطع روان معرفة ما هل هم مستيقظون أم موتى.

ظل روان صامتاً عندما تحدث نوكتيس عن أشياء كثيرة لا يعرفها؛ فهو يميز الفخ الواضح عندما يراه. كانت كلمات نوكتيس تفتقر تماماً للحساسية؛ بدا الأمر يشبه لوم شخص مشلول منذ الولادة لأنه لا يستطيع الركض.

ومع ذلك، فإن الوجود غير عادل بطبيعته، وقد استمتع روان بالكثير من مزايا ذلك الظلم. السبب الوحيد الذي جعله يقف فوق الحشود ويمتلك عدداً قليلاً نسبياً من الأعداء هو أن الوجود يمكنه استيعاب كائن مثله، كائن يتجاوز حضوره الكثير من القواعد.

انتظر نوكتيس لعدة دقائق، واكتفى روان بمراقبته، وعيناه تتوهجان بأضواء غريبة بينما تولى إيوس مباشرة زمام رؤيته وبدأ في فحص الشذوذ الذي أمامه.

تلاشت الابتسامة الغريبة على وجه نوكتيس ببطء، وكشر قائلاً: “لن يكون من السهل العمل معك”.

رد روان: “تقصد لن يكون من السهل التلاعب بي… إذن لا، لن أكون فريستك. لدي حرب قائمة، وليس لدي وقت لألعاب كهذه. لا أحتاج إلى كل الإجابات إذا كنت أملك العصا الأكبر”.

ابتسم نوكتيس: “وهل… تملك العصا الأكبر؟”

نظر روان حوله: “هذا المكان غريب، الزمن لا يوجد هنا، وهذه ميزة، لكنها أيضاً عيب”.

مثل دمية يتحكم بها محرك خفي، ارتفعت ذراعا نوكتيس وأشار إلى المعبد من حوله: “هذا المكان قاوم جوع البدائيين لمدة خمسة وستين عصراً كونياً؛ فأي اختبار أفضل يمكن أن يوجد؟”

ابتسم روان: “اختباري هو…”

اهتز الفضاء المحيط بهم بالكامل لثانية وجيزة، وتصلب نوكتيس: “ما هذا…”

“فرووووووم!”

دوى رنين عميق هز الهواء مع انفجار شدة اهتزاز المعبد، وصرخ نوكتيس: “أوقف ما تفعله فوراً، وإلا ستدمر آخر فرصة للوجود في النجاة”.

استمر الاهتزاز، وزمجر نوكتيس كحيوان مسعور: “لا مزيد من الألعاب يا روان. سأخبرك بكل ما تحتاج لمعرفته”.

أشار روان بيده فتوقف الاهتزاز، وقال: “نوكتيس، لا تعبث معي، لقد تجاوزت حدود صبري على الألعاب منذ زمن طويل”.

بعد دقائق من توقف الاهتزاز، ظل نوكتيس يبدو متوتراً، ونظر إلى روان بعمق: “هذا المكان يجب أن يكون مقدساً، ومجرى الزمن هنا يجب أن يكون غير قابل للانتهاك. بدون إذننا، لا ينبغي لأي شيء أن يغير هذه القاعدة… هذا هو أساس هذا المعبد!”

هز روان كتفيه: “ذلك التوقف الزمني، نعم، شعرت به. في اللحظة التي دخلت فيها هذا المكان، قد تظن أن جميع تجسداتي الموجودة في الخارج ستسقط في مجرى زمن هذا المعبد، ولست مخطئاً. لا يمكنني كسر قاعدة هذا المعبد… عليّ فقط أن أتفوق عليها سرعةً”.

تمتم نوكتيس: “هذا مستحيل”.

اكتفى روان بالابتسام.

كان لدى إيوس ثلاثة تجسدات في الميدان، ليس لأنه يعجز عن صنع تريليون تجسد إذا أراد، بل لأنه لم يرغب في تشتيت انتباهه كثيراً، لأن قدراً كبيراً من قوة وعيه كانت موجهة نحو فهم قوة “الشكل النهائي”، والتي عرف الآن أنها تسمى “النهاية”.

ومع ذلك، فإن امتلاك ثلاثة تجسدات فقط بدلاً من الآلاف التي اعتاد عليها في كل لحظة جاء بمزايا وعيوب. بصفته إيوس، بإمكانه رؤية كل ما يحدث داخل واقع إيوسا وفي نطاقه، لكنه لم يستطع الحصول على كل التفاصيل الصغيرة التي يسهل تفويتها، إلا إذا أصبح حاضراً شخصياً.

من الجدير بالذكر أن الكثير من تجسداته تفتقر إلى الأجساد. لقد وصل إيوس إلى نقطة في حياته حيث لم يعد لديه مفترسون طبيعيون أو خارقون، وأعداؤه هم أعظم الرجسات في الوجود، لذا أصبحت الحاجة لامتلاك أجساد متعددة للتعامل مع المشكلات غير موجودة، بما أنه يستطيع ببساطة محو المشكلات بإرادته.

أدى ذلك إلى اتباعه استراتيجية مختلفة لتجسداته، حيث لم يعد يمنحها أجساداً؛ بل يزرعها في قلوب أفراد معينين وحتى في الأسلحة.

وعند الحاجة، يمكن لهذه التجسدات التواصل أو تولي القيادة، وبهذه الطريقة، استطاع إيوس مراقبة الحياة بأسلوب لم يكن ليراه أبداً لو استخدم إطاره المرجعي الخاص.

في الواقع، كل حياة منفردة داخل واقع إيوسا وأرض الأصل الخاصة به تملك القدرة على توليد تجسداته في أي لحظة، لذا إذا أراد روان كوادريليون تجسد في لمح البصر، فسيحصل عليهم.

كل هذا، بالطبع، كان مرتبطاً بأكبر عامل مساهم، وهو قوة وعيه.

قد ينظر الكثيرون إلى جسده القوي وتقنياته المذهلة، وقد يغفل الكثيرون عن قوة وعيه المذهلة النابعة من روح كشرت عن أنيابها وكسرت كل الحدود.

بدون قوة روحه، ستكون الكثير من قدرات روان بلا فائدة إذ سيستحيل عليه تشغيلها. في الواقع، مع الوضع الراهن، أصبح جسده وقدراته هي التي تتخلف عن قوة روحه، ورغم أن جسده تجاوز قوة روحه لفترة وجيزة عندما أصبح “جبار ذروة كوني”، إلا أن تلك الكفة قد رجحت منذ زمن طويل وظلت روحه في حالة زيادة انفجارية.

ظل إيوس طفلاً في معظم فترات حياته، وأضعف حلقة في الطفل هي وعيه الضعيف. لا أحد يجرؤ على وصف وعيه بالضعيف، لكن إيوس كان طفلاً خلال تلك الفترة. والآن وقد بدأ ينمو، لم يعد جسده في مستوى البعد الثامن قادراً على التفوق على نمو روحه، التي لم تكن عالقة في مستويات الأبعاد الدنيا. ولم يكن إيوس مستعداً لتطوير فئته أو بنيته الجسدية بعد.

بثلاثة تجسدات، استطاع إيوس توجيه الكثير من قوة وعيه الفائضة إلى أجسادهم، ورغم أن أحد تجسداته كان مفقوداً، إلا أن إيوس لا يزال يشعر بمحيط مستقر من قوة الوعي يُخصص له، ولم يقيد هذا التدفق، لأنه آمن بأن تجسده سيحسن استخدام هذه الموارد في أي مكان يوجد فيه، وإيوس لم يكن يخشى خيانة نفسه.

الآن، في معبد مهندسي النهاية، توجد بيئة غريبة حيث لم يعد للزمن وجود، ولكن لا يزال هناك مرور لشيء يعادل الزمن، لكنه لم يكن زمناً حقيقياً؛ ومع ذلك، كان هذا مجالاً مألوفاً لروان، الذي بدأ يتلاعب بأسس الزمان والمكان منذ فترة.

إذا دخل خالد عادي بأجساد متعددة إلى هذا المعبد، فلن تتمكن بقية أجساده من معرفة ما حدث للجسد الذي أرسله للداخل لأن عقولهم لن تستطيع معالجة كيف يظل الزمن ساكناً ومع ذلك يتحرك. بينما يشعر جزء منهم خارجه بالتدفق العام للزمن الذي يقيد ليمبو.

إما أن تنهار روحه، أو لحماية نفسه من هذا الضغط، ستمحو الروح ذكرى هذا المعبد. روان لم يستطع كسر التدفق الراكد للزمن داخل هذا المعبد لأن العديد من المبادئ الكامنة تحتوي على عناصر لم يفهمها بعد، لكنه استطاع كسره بالقوة.

كما ترى، كان تجسد إيوس يختبر الزمن بمعدلات مختلفة، ولكن ذلك حدث لأنه سمح له بالحدوث. إذا أراد، يمكنه إجبار تجسده على إدراك الزمن بنفس الطريقة التي يختبر بها هو الزمن، ففي النهاية، تجسده جزء منه، ومجرد سماحه لتيار الزمن بتحريكه لا يعني أنه إذا أراد التوقف فلن يتمكن من ذلك.

هذا ما يفعله إيوس وأدى إلى اقتراب دمار هذا المعبد؛ كان ببساطة يجبر تجسده على مراقبة الزمن بنفس معدل الجسد الرئيسي، وهذا تسبب في تناقض هائل داخل هذا الفضاء، إذا لم يتم حله، فسيؤدي إلى تمزيق هذا المعبد من مخبئه.

الترجمة : كوكبة