السجل البدائي - الفصل 1946
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم مترجم لزيادة تنزيل رواية The Primordial Record
الفصل 1946: لا ترى شراً… لا تقل شراً
شعر روان بموجة لا تلين من القلق تنبعث من مهد أخنوخ في الأفق، وتسائل إن كان هذا نابعاً من التهديد الذي وجهه أخنوخ لجسده الرئيسي، أم أنه يشعر بقوة وحش الحتمية، حارسة المهد، وهي قوة يبدو أن حتى البدائيين يخشونها.
كان الغموض الذي يكتنف هذا الوحش مجهولاً، لكن روان استطاع رؤية صلة بين وحش الحتمية، التي تحمي آخر نطاقات الحياة المعروفة، ووحش الراحة النهائية، الذي يمتلك قوة الموت.
لم يتطلب الأمر عبقرية لإدراك وجود رابط بين هذين المخلوقين، ولعل السبب في مهاجمة البدائيين لوحش الراحة النهائية هو عجزهم عن مهاجمة وحش الحتمية، على الأقل ليس بعد.
السبب الذي جعله يصل إلى هذا الاستنتاج مرتبط بالقوة التي امتلكها عندما استخدم شكله النهائي. كان روان وجسده الرئيسي يفككان قواعد هذه القوة ببطء، وبدئا يلمحان أثرها غريزياً من حولهما وفي مواقف معينة.
ومع ذلك، قد يكون مخطئاً، لكن روان بات واثقاً في قلبه أن البدائيين لا يمكنهم لمس مهد أخنوخ، ما لم يدمروا الموت أولاً.
رغم ذلك، كانت الطريقة الوحيدة للتأكد من صحة نظرياته هي مواجهة هذا الخوف الذي يملأ قلبه والعثور على الحقيقة في المهد؛ فهذا الجسد قابل للتضحية، والحقيقة هي الأهم.
لم تكن حسابات المسافة بينه وبين المهد دقيقة، لكنه رأى أنه خلال ألف خفقة جناح، سيصل أخيراً إلى وجهته.
تبعه المراقبون في صمت طوال الرحلة، باستثناء لحظات سمع فيها صوت خربشة خافت بينما يسجلون طبيعة ليمبو داخل نطاقاتهم. كانت هذه الظلال العشرة الشفافة تنجرف عند حافة رؤيته مثل سراب الحرارة فوق قبر.
ورغم أن روان يتحرك في خط مستقيم، إلا أن الأرتشاي الذين معه هم مجرد ظلال للمراقبين، أما أجسادهم الرئيسية فهي تجوب المسافات من حوله، وتسجل أكبر قدر ممكن من المعلومات عن ليمبو… لم يكن يعرف المستقبل، واحتمالية عدم قدرته على دخول ليمبو بهذه الصفة مرة أخرى جد واردة، لذا لو أتيحت الفرصة، فسيجمع المراقبون أكبر قدر من المعلومات.
ما جربه روان لم يكن سوى جزء صغير من إجمالي المعلومات التي جمعها المراقبون وأرسلوها إلى إيوس. لم يكن روان مهتماً كثيراً بما وجدوه حتى لفتوا انتباهه إليه.
بصوت يشبه الهمس، تحدث إليه أحد المراقبين: “إيوس يطلب منك التحقق من اكتشاف توصلنا إليه”.
لم يكد المراقب ينهي كلامه حتى دخل انفجار هائل من المعلومات إلى عقل روان من إيوس. تصفحها، وأصبحت عيناه باردتين. ألقى نظرة على مهد أخنوخ في البعيد، ثم انعطف روان نحو “اليسار”. هذا الانحراف لن يستغرق وقتاً طويلاً، وقد يتبين أنه بالغ الأهمية.
في بضع خفقات جناح، أصبح عند وجهته… معبد معلق في الفراغ.
كان قديماً بشكل لا يصدق، أقدم من أي هيكل رآه حتى الآن داخل ليمبو. معمارُه لم ينتمِ إلى أي واقع صنفه روان.
أعمدة من الكريستال الأسود ترتفع وتنخفض في آن واحد، كأنها رئات تتنفس. السقف هو صفيحة واحدة من الليل المتجمد في منتصف تموجه، وبدا قديماً بطريقة ما.
تسع بوابات تواجه تسعة اتجاهات مستحيلة، وكل بوابة يحرسها تمثال يحمل وجهه هو، باستثناء أن العينين كانت مجوفتين والأفواه مخيطة بخيوط من الزمن المتجمد.
“لا ترى شراً… لا تقل شراً”. كهذه هي الكلمات المحفورة في أسفل البوابات، ومن خطها الخشن غير الدقيق، بدا أنها نُحتت بواسطة شخص آخر في وقت ليس ببعيد.
بين البوابات ينجرف شعار لم يره روان من قبل ومع ذلك تعرف عليه، دائرة مكسورة في تسعة مواضع، كل كسر مختوم برمز بدائي مختلف. هذا الشعار هو اسمه الحقيقي الذي تفتت إلى قطع، ولاكن بعض الكلمات مفقودة… كأن كاتب هذا الشعار لم يعرف اسمه الحقيقي لكنه استطاع بطريقة ما اكتشاف أجزاء منه.
توقف روان عند بوابات هذا المعبد، وشعر بثقل التاريخ الجاثم عليه… تاريخه هو.
لكنه لم يتوقف طويلاً، وسار نحو البوابة الأولى. إذا لم تُمنح له أسرار الماضي، فسيأخذها عنوة.
وكأن هذا المعبد ظل ينتظره منذ بداية الزمان، انفتحت البوابة أمامه بلا صوت، ودخل، غير عالم بما سيشهده.
توقف عندما لاحظ أن الأرتشاي لم يتمكنوا من اتباعه عبر البوابة، وعندما لاحظ أن اتصاله بإيوس لم ينقطع، اندفع للداخل.
بمجرد أن خطا روان خلف البوابة، شعر بالمكان والزمان يتمددان من حوله قبل أن يختفيا تماماً، وتُرك في فضاء غريب يشبه غرفة مصنوعة من الحجر، لكن روان عرف أنه ينظر إلى “ذكرى” ثُبتت في مكانها بقوة جعلتها صلبة حقاً. كانت ذكرياتٍ ترتدي الحجر.
لو استطاع فاني البقاء حياً في هذا الفضاء الذي لا يملك مكاناً أو زماناً، لتمكن من رؤية ولمس هذه الذكرى.
اتسعت عينا روان وهو يتوغل في هذا المعبد ورأى أنه في غرفة دائرية واسعة جدرانها مصنوعة من معارك حية.
حروب خيضت في عصر لا يستطيع التعرف عليه، تضم خالدين وسامين لا يعرفهم، كانت تُعرض في آن واحد على الجدران في حلقات صامتة ومثالية. شيء ما في هذه الذكرى أخبر روان أنه ينظر إلى أولى الحروب التي خيضت عبر واقعات متعددة في ليمبو.
جيوش تصادمت، مدن احترقت، وأطفال اختبأوا تحت طاولات لن تحميهم أبداً. ومع ذلك لم يتسرب أي من العنف إلى الغرفة نفسها. كان مختوماً خلف زجاج مصنوع من المسافة المحضة. لم يعرف روان هل هم لا يزالون أحياء أم أن هذه الذكرى لم تعد سوى قطعة مجردة.
نظر روان إلى هذه الذكرى الحجرية وارتعد؛ شيء ما في تعبيرات المقاتلين علق بذهنه. إنه في عيونهم، تلك النظرة المسكونة التي تقول إن لا شيء سيظل كما هو بعد هذه اللحظة. بعض الطرق لا ينبغي السير فيها أبداً، وبعض المسارات الأفضل تركها مجهولة.
كشر روان ومشى متجاوزاً هذه الذكريات المتجمدة… امتدت المعركة لترليونات لا تحصى من السنين الضوئية، ولكن لأن روان استطاع رؤية نهاية هذه الغرفة، تمكن جسده من عبور المسافة دون عناء.
في نهاية هذه الغرفة، وقف مِصهر لا يشبه أي شيء رآه من قبل.
بدا بارداً. ليس برد الفضاء، بل برد القناعة المطلقة. كان “أصلاً” متجمداً في مكانه، والغرض من ذلك هو من أجل سلاح يطفو فوق المِصهر… مطرقة.
الترجمة : كوكبة
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.