السجل البدائي - الفصل 1945
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم مترجم لزيادة تنزيل رواية The Primordial Record
الفصل 1945: الرحلة عبر ليمبو (النهاية)
بينما كان روان يرتحل عبر ليمبو، بدأ جزء منه يصلي لكي تنتهي هذه الرحلة. لقد ظن أنه قد تجاوز نقاط الضعف الفانية المتمثلة في وجود أي حدود لقدرته، ومع ذلك، يبدو أنه قد رأى أخيراً شيئاً لا تستطيع قدرة تحمله اللامتناهية أن تطيقه.
لقد صادفوا مساحة شاسعة من الفراغ. رأى روان أن هذا المكان كان مميزاً للغاية، ليس فقط لأنه متسع بشكل مذهل، بل لأن الهياكل التي استطاع رؤيتها هي من بين الأكثر تعقيداً التي صادفها على الإطلاق، ولو أن هناك وقت، لود لو مشى عبر قاعاتها التي لا تنتهي ورأى كل ازدهار الماضي، ولكن حتى من مسافة بعيدة، كان قد رأى ما يكفي.
أطلق الأرتشاي على هذا النطاق الواسع والمحطم اسم “مكتبة القصص المنتهية”، لأن هذا هو ما هي عليه… مكتبة.
في وقت ما من الماضي، لا بد أن قوة عظمى قد ذهبت إلى أبعد ركن في الوجود تمكنت من الوصول إليه، وجمعت المعرفة من كل تلك الأماكن، وجلبتها إلى هذه المكتبة الضخمة.
كان يمكن اعتبار هذا المكان يوماً ما لامتناهياً. الآن، تم تمزيق كل كتاب إلى نصفين في اللحظة الدقيقة لذروته. الصفحات السائبة تدور حول الحطام مثل خلايا الدم البيضاء التي تحاول إغلاق جرح لا يتوقف عن الانفتاح. لا تزال بعض الصفحات تحمل قراءً يتشبثون بها، شخصيات ضئيلة صُنعت من رماد متبلور بعد أن سُلبت كل حياة وحيوية بداخلهم.
لقد تجمدوا وقدم واحدة في هامش الكتاب الذي اختاروه، على وشك قلب صفحة لم تعد موجودة للأبد. تتبع عيونهم روان. تتحرك أفواههم بصمت تام: “تذكرنا”.
أقر روان بوجودهم؛ سوف يتذكر كل شيء.
بدا أن للبدائيين حساً ساخراً وشريراً. السبب الوحيد الذي جعل كل هذه الأماكن تُترك لتوجد في الحالة التي هي عليها هو لتغذية غرورهم ووضع الشر الذي يستمتعون به في المقدمة.
ترك المكتبة وراره، وبعد فترة، صادف مكاناً آخر هز قلبه. أدرك جزء منه أن هذا المكان، من بين مشاهد الدمار اللامتناهية التي لا تحصى، كان مرتبطاً به.
نظر الأرتشاي إليه، فبالنسبة لهم من الواضح أن هذا يجب أن يكون أحد الأماكن التي بحث فيها البدائيون عن إحدى “نقاط ضعف” روان، لكن هذا لم يمنعهم من إطلاق اسم على هذا المكان لم يبتعد كثيراً عن حسهم الغريب في التسمية.
أطلقوا على هذا المكان اسم “جبل نهوض الأمهات”.
صُنع هذا النطاق من كل أم وقفت يوماً ما بين طفلها والنهاية. كان المشهد صادماً لأنه أظهر التصميم المتعمد للبدائيين، الذين امتدوا عبر الوجود واقتطفوا أمهات لا حصر لهن لإنشاء هذا الجبل الفظيع.
دُمجت أجسادهن في قمة واحدة، الأذرع ممدودة، والوجوه ملتفتة نحو الاتجاه الذي جاء منه البدائيون. كانت عيونهن لا تزال مفتوحة… وأفواههن لا تزال تصرخ.
أصبح الصراخ جيولوجيا، طبقة فوق طبقة من الصوت المتحجر الذي يشكل طبقات صخرية يمكن رؤيتها من مسافة تسعة أبعاد. عند القمة، يوجد هناك مهد واحد مصنوع من تهويدات متحجرة يهتز بفعل ريح لم تهب منذ زمن أطول من الوقت نفسه.
تعثرت أجنحة روان للمرة الأولى، ولاجبرها على الخفقان مرة أخرى. لم يعرف البدائيون الحب، ومن أجل فهمه، قاموا بإجراء تجارب صارمة؛ لأن عليهم التأكد من أن أم هدفهم، أي أمه، قد فعلت كل ما أرادوه منها.
بعد المرور بهذا المكان، أصبح قلب روان مثقلاً، ولم يعد يرغب في رؤية البؤس عن قرب قدر الإمكان. لذا بدأ يطير في مستوى أعلى، حيث أصبح الدمار مجرداً تقريباً.
لكنه رأى أن هذا لم يجنبه الجنون؛ بل كشف عن طبقة أخرى منه. لقد صاغ البدائيون ليمبو بطريقة تتكشف فيها الأهوال في طبقات. لم يهم مدى ارتفاعك أو إذا قررت المشي في أي من الشوارع داخل هذه الواقعات أو تفقد أي من منازلها، ستجد لمستهم بداخلها.
عند هذا الارتفاع، رأى مجموعة من الواقعات مطوية مثل طيور “الكركي” الورقية ثم فُردت بشكل خاطئ، وانعكست أبعادها بحيث أصبحت من الداخل تنزف إلى الأبد.
هذه الواقعات كانت ميتة، ولكن بطريقة ما، جُعلت تشعر بالألم للأبد.
كان روان يشعر ببعض الشفقة تجاه البدائيين تحت مسار الخلود الخاص به، ولكن الآن تم محو كل تلك الشفقة، حيث بدأ يدرك ببطء أنه ربما من المستحيل على البدائيين أن يكفروا عما فعلوه، لأن حجم المعاناة التي سببوها كان أكثر من اللازم.
ثم صادف واحداً من أكثر المشاهد رعباً وفطراً للقلب مما رآه في حياته.
عرف البدائيون القدامى مفاهيم غريبة غير مرتبطة بالحالة الأساسية للوجود، وكانوا يحتقرونها، ربما لأنها من بين الأشياء التي لا يمكنهم أبداً فهمها أو تجسيدها.
من الارتفاع الذي طار فيه، استطاع روان رؤية أن أحد أصول الوجود، وهو مفهوم تم إيصاله إلى مستوى البعد التاسع، كان محطماً ومصلوباً على صليب مصنوع من نقيضه.
ذلك المفهوم هو “الرحمة”.
اجتمع حول هذا الأصل المصلوب مجمع كامل من السامين والخالدين الذين خُزقوا عند قاعدة الرحمة، وجوههم الصارخة مجبرة على مراقبة ضوئها المتذبذب للأبد.
علم البدائيون أنه حتى لو دمروا مفهوم الرحمة، ففي المستقبل سينهض خالد آخر بهذا المفهوم، وهذا المفهوم المصلوب هو إجابتهم.
القيام بذلك لن يضمن فقط أن مفهوم الرحمة سيصبح تحقيقه أصعب على أي خالد جديد، بل إن الوجود ككل سيصبح أكثر ظلاماً. لا عجب أن ليمبو أصبح مكاناً لا يجوب فيه سوى الشر والجنون.
بالطبع، عرف روان أنه إذا صدق حدسه بأن كل أصل في الوجود قد جُمع داخل السجل البدائي، فإن البدائيين يبدو أنهم لم يرغبوا في مفهوم مثل الرحمة ضمن مجموعتهم.
سرعان ما رأى روان أن تخميناته كانت صحيحة. فكلما اقترب من مهد أخنوخ، استطاع رؤية عدة مفاهيم مصلوبة: الإحسان، الصبر، اللطف، التواضع… هذه هي المفاهيم التي رآها مصلوبة، وكان متأكداً أنه لو استمر في البحث لرأى المزيد.
يجب هذه هي المفاهيم المرفوضة التي اعتبرها البدائيون بلا فائدة. أراد روان التوقف وتحرير كل واحد من هذه المفاهيم؛ فبدونها، أصبح الوجود كئيباً، وعلم أنه لولا أضواؤها المتذبذبة، التي لا تزال تجد طريقاً للمس قلوب كل أشكال الحياة في الوجود، ستكون النهاية قد أتت أسرع بكثير مما يتوقعه أي شخص.
طائرا روان فوق كل ذلك. لم يتوقف، مهما آلمه ترك كل هذه المفاهيم ورائه. لم يهبط لمراقبة قصصهم، ولم يلمس أنوارهم المتلاشية.
لقد شهد ببساطة من مسافة لا نهائية وحميمة في آن واحد، بالطريقة التي تذكر بها الندبة الشفرة دون الحاجة للنزف مرة أخرى.
المهمة التي يحملها أكثر حيوية بينما ينتظره المهد في الأمام، والآن استطاع رؤيته. شابه المهد نقطة ذهبية واحدة لا تزيد حجماً عن دمعة متوازنة على حافة كل ما فُقد يوماً.
عدل روان مساره، وخفقت أجنحته مرة أخرى. سقط الدمار خلفه مثل عبائة لن يُسمح له بخلعها أبداً بينما ظلت الذكرى عالقة في قلبه.
طار نحو الضوء الوحيد المتبقي الذي لم يتعلم بعد كيف يخاف. أو على الأقل أمل أن يكون هذا هو الحال.
الترجمة : كوكبة
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.