السجل البدائي - الفصل 1917

الفصل 1917: نقل السلطة (النهاية)

تكهّن روان بأن السجل البدائي أعظم بكثير من أي تفرد، وأن أهميته قد تتجاوز ما قد يستوعبه في مستوى أدنى من الأبعاد. قد يحمل هذا التفرد مفتاح الخلود، وعندما شقّ روان مسار الخلود، كان كل ذلك يقوده إلى رؤيته النهائية للسيطرة الكاملة على قوى الخلود.

ربما لا يكون أفضل من يتحكم في الوجود بأكمله، لكن القائمين عليه هم الأسوأ، وأي شيء أو أي شخص آخر سيكون أفضل منهم. في وجودٍ ذي إمكانيات لا حصر لها، تطلّب الأمر نوعًا خاصًا من عدم الكفائة أو الشر الحقيقي لتلويث وإفساد الطبيعة بأكملها.

كان روان يؤمن بأن التدمير الشامل للواقع وكل كائن قوي من الأبعاد العليا لم يكن مجرد أحداث عشوائية من قبل مجموعة من الوحوش القوية التي لعنها الجنون والجوع اللامتناهي، بالأن كل شيء مصمم لجمع كل القوة الموجودة في مكان واحد.

لماذا يرغب أحدٌ في ادعاء السيادة على الوجود بأكمله؟ الأمر بسيطٌ جدًا، لأنه يمنحه القدرة على فعل ما يشاء، ليصبح المسيطر على كل شيء.

لو أن هذا صحيح، فإن تصرفات البدائيين، وعلى الأرجح أخنوخ، تسير بالطريقة الأكثر كسلاً، ولكن يمكن أيضًا اعتبارها الطريقة الأكثر كفائة.

لم يكونوا يسعون إلى إخضاع الوجود لسلطتهم أو إقناع الأقوياء بتغيير ولائهم لهم، كما فعل روان مع هذا الواقع وجميع البدائيين الجدد. بل قرروا القضاء على كل شيء واكتناز كل ثمار مذبحتهم، وعندما ينتهي الأمر، ستكون كل هذه القوة ملكًا لهم.

رأى روان رؤيا من الماضي، حيث كان البدائيون، قبل انحدارهم إلى الجنون، على وشك قتل تنين الشعلة، الوحش البدائي، وقد حذّرهم من أنهم سيتعرضون للخيانة. لم يفهم معنى ذلك، لكنه ظن أن الخائن هو أخنوخ، الذي ربما لم يُخبرهم أن أكل هذا الكمّ من الواقعات سيؤدي إلى الجنون، أو ربما يكون السجل البدائي جزءًا من تلك الخيانة.

كان هناك حزبان يتقاتلان من أجل الحق في السيطرة على القوة المخزنة داخل السجل البدائي، وكان روان في المركز الذي يحمل التفرد، وعلى الرغم من حياته، لم يستطع معرفة السبب الذي سمح له بالفرصة للسيطرة على هذه القوة في المقام الأول.

هل من الممكن أن تكون علاقته بالسجل البدائي أعمق مما يعتقد، وبالتالي لم يتمكن البدائيون وحتى أخنوخ من الاستيلاء عليه فحسب، بل عليهم استخدامه كوسيط؟

كان لدى روان أسبابٌ كثيرةٌ للاعتقاد بأن هذا لا بد أن يكون الحقيقة، لأن الحادثة نفسها تكررت مرارًا وتكرارًا على مر السنين. سعى البدائيون وأخنوخ جاهدين لإخفاء ما يعرفه والحقائق المتاحة له، وبذلوا جهودًا مضنية لضمان ألا يكتشف روان حقيقة أصوله أو ما هو قادر عليه، مما أدى إلى خسائر فادحة له على مر السنين، ومع الكارثة الأخيرة، استنفد روان كل طاقته.

كان الجواب الذي يحتاجه موجودًا داخل السجل البدائي، ولن يتمكن من السيطرة الكاملة على هذت التفرد أو اكتساب قواه لو أنه لا يزال في مستوى البعد الثامن.

عليه أن يكون بدائيًا ليجد الحقيقة.

ومع ذلك، لم يكن الطريق إلى المستوى البدائي سهلاً عليه. كان جسده الرئيسي، إيوس، قويًا للغاية، ويراهن روان على أنه منذ بداية الوجود، لم يكن هناك أي قديم أقوى منه في مستوى البعد الثامن. كان جوهره وحده في البعد الثامن يضم العديد من البدائيين، ولم يكن قد بلغ كامل نضجه بعد.

إذا استمر هذا الوضع، ففي ذروة إمكاناته على مستوى البعع الثامن، تكهن روان بأنه سيتمكن من استيعاب ألف كيان من المستوى البدائي داخل مملكته. كان هذا عددًا هائلاً بالفعل، ومجرد تقدير متحفظ يظهر أنه لن يُرهق جوهره وقدراته على تجديد الطاقة.

لكن روان أدرك الآن أن هذه القوة فخ. إمتلك البدائيون، وعلى الأرجح أخنوخ، طريقة لرصد السجل البدائي لم يفهمها تمامًا. لقد شجعوه بمهارة على السعي وراء هذه القوة. كان لدى روان أدلة كافية من أفعال نيكسارا، بدائية الروح، مما ضمن له تكبد خسائر فادحة، من والدته إلى أبنائه، تاركًا إياه دون خيار سوى السعي الدائم وراء قدر أكبر من القوة.

في المدى القصير، كان هذا شيئًا جيدًا، وأصبح روان قويًا جدًا لدرجة أن التجسيد قادر على قتال وقتل البدائيين الذين لديهم قوى أصل متعددة مكدسة في أجسادهم؛ ومع ذلك، لو أن الطريق إلى مستوى البعد التاسع عبارة عن سلم خشبي، فقد أصبح روان ثقيلًا جدًا بحيث لا يستطيع تسلقه، وسوف يسحق وزنه كل شيء من حوله.

هذا هو الفخ النهائي؛ لقد تم صنعه ليصبح قويًا حقًا بحيث يصبح طريقه إلى مستوى البعد التاسع صعبًا للغاية لدرجة أنه مستحيل عمليًا، وكيف سيكون قادرًا على الوصول إلى كل القوة المخزنة على مر العصور داخل السجل البدائي إذا لم يكن قادرًا على الوصول إلى مستوى البعد التاسع؟

كان بإمكان روان أن يُخاطر بجسده الرئيسي ويدفعه نحو مستوى البعد التاسع. ففي النهاية، فإن تزويده بهذه القوة الهائلة يعني أيضًا زيادة قدراته الإجمالية. من السهل على البدائيين وأخنوخ أن يقعوا في فخهم عندما أصبح أقوى بكثير مما يستطيعون احتواؤه. مع ذلك، توقع روان أنه في اللحظة التي يحاول فيها التقدم نحو مستوى البعد التاسع، ستكون العوائق التي سيواجهها هائلة.

كانت الحرب مع الموت تشتد، حتى بعد ألف عام من القتال، لكن هذه المعركة ستنتهي في اللحظة التي يمد فيها إيوس يده إلى البعد التاسع، ولن يتفاجأ إذا اختار الموت، وكذلك مهد أخنوخ بأكمله مع وحشهم الحارس، مهاجمته مرة واحدة.

لم يترك روان أي شيء للصدفة؛ فقد أقر أخيرًا بأنه يمتلك الثمن النهائي، وأن كل من يعرف هذا لن يسمح له بالمطالبة به.

ولكنه كان ينوي القيام بذلك على أية حال، ولكي تكون لديه أي فرصة للنجاح، فلا بد من القيام بذلك بطريقة لا يمكن الشك فيها.

بحلول هذا الوقت، كان روان يتوقع أن يشتبه البدائيون في أنه قد يكون يتصالح ببطء مع أهميته، فقد دفعوه عمدًا إلى المقدمة بينما قللوا من قيمة السجل البدائي حتى لا يفهم مقدار القوة التي يمتلكها، ولكن حتى لو انتهى الأمر بروان إلى العثور على الحقيقة، فإن الشيء الوحيد الذي يعرفونه هو أن روان لن يتخلى عنها.

وهذا ما أراد روان أن يفعله.

لقد عرفوا شخصية روان جيدًا؛ لقد عرفوا أنه يفضل القتال من أجل فرصة الفوز بدلاً من التنازل، وأنه سوف ينكسر قبل أن يسمح لنفسه بالانحناء، وحتى لو أنه عرف أهمية السجل البدائي، فقد توقعوا أن روان سوف يفعل الأشياء التي يفعلها في هذه اللحظة…

توقعوا أنه سيصنع بدائيين جدد ويغير حياة من حوله؛ توقعوا أنه سيسعى جاهدًا للوصول إلى مستوى البدائي، حتى مع علمه بأنه سيُقمع. فهذا هو سبيله الوحيد للمضي قدمًا: القتال.

حسنًا، كان روان سيفعل كل ذلك، ولكن مع القليل من التحريف في الأمر برمته وهو ما لم يتوقعه أي شخص آخر، وهذا التحريف الصغير كاد أن يقتله.

كما ترون، كان روان يدفع تجسيده هذا إلى مستوى البعد التاسع، باستخدام إحدى الإرادات العديدة التي يتحكم بها، وقبل الوصول إلى مستوى البعد التاسع، كان قد نقل السجل البدائي إلى هذا الجسد، محولاً إياه من جسده الرئيسي، إيوس، إلى تجسيد روان.

لم يُعجب السجل البدائي بنقله من جسده الرئيسي إلى أحد تجسيداته، لكنه تقبّل هذه الخطوة دون مقاومة شديدة. لم تكن هذه هي الحركة التي كادت أن تودي بحياة روان؛ بل أن إيوس تقطع صلته بالتجسد!

في هذه اللحظة، أصبح تجسيد روان حرًا، وعلى الرغم من أنه لا يزال بإمكانه مشاركة أفكاره وأفعاله مع جسده الرئيسي، إلا أن الأمر لم يعد سلسًا، ولا بد من إرسال طلب، والاعتراف به، قبل استلامه.

الترجمة : كوكبة