السجل البدائي - الفصل 1814
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم مترجم لزيادة تنزيل رواية The Primordial Record
الفصل 1814: كيف تحتفظ بكل الواقع في عقلك
انفتحت بوابة قصر الزمن في صمت، ودخل فيراك. تقدم بضع خطوات، ورغم أنه لم يسمع صوتًا ولم يشعر بنسيم، إلا أنه أدرك أن البوابة خلفه قد أُغلقت بإحكام.
في البداية، فقط الظلام أحاط به. شهق فيراك عندما انفجر نصل ضوء القمر الأحمر بإشعاع، وانهار سامي التنين على ركبتيه بينما تدفقت أمامه معلومات من المفترض أن تمزق روحه إلى لا شيء.
لقد أصبح وعيه مكتوما إلى حد الإبرة، وأدرك بشكل خافت أنه إذا لم يكن النصل في يده يرشح كل المعلومات التي يتلقاها، فإنه يجب أن يكون ميتا.
لم يكن فيراك يعلم كم من الوقت ظل راكعًا على ركبتيه في هذا المكان؛ لم يكن يبدو أن للزمن أي معنى، ومات جزء منه بصمت عندما أدرك داخل وعيه أنه ظل راكعًا على ركبتيه لتريليونات السنين؛ ومع ذلك، ظل الزمن متجمدًا.
تدفق الدفء من النصل في يده، واستطاع فيراك أن يشعر باتصاله بالنصل يزداد عمقًا؛ كان الأمر كما لو أن جزءًا من السلاح لم يُسمح له به من قبل قد انفتح أمامه، مما منحه عيونًا جديدة.
شهق وهو يدرك أنه راكع على أصداء الأمس المتجمدة. كان هذا الفهم غريبًا على وعيه، لكنه ظل مألوفًا عندما نظر إلى محيطه من خلال النصل، مستخدمًا إياه كعينيه.
ارتفعت أعمدة بلورية ضخمة حوله، وفي أعماقها تدور صور شبحية لإمبراطوريات ترتفع وتسقط، ونجوم تولد وتزفر ضوئها الأخير في مساحة من نبضة قلب واحدة.
كان الهواء ينبض بسمفونية صامتة، همسة جماعية لكل لحظة وجدت على الإطلاق، كل نغمة هي حياة، قرار، نقطة تحول في الشبكة العملاقة التي تتحدى كل تفسير.
شعر فيراك بسحب النصل، كما لو أن شيئًا ما في أعماق القصر يستدعي ذلك. أدرك سامي التنين في تلك اللحظة أنه يستطيع ترك النصل، وأن مهمته قد أُنجزت، لكن من المستحيل أن يترك شريكه ويتركه يواجه أي تحديات تنتظره.
“لقد أخذتني إلى الموت من قبل، وبالتأكيد يمكنك أن تأخذني إلى الجنون.”
دفع نفسه للوقوف، وبدأ فيراك بالسير عبر القصر حيث لا ينبغي لأحد أن يمشي هناك.
تنقّل بين أروقة اللحظات المتجمدة. هنا، دمعة واحدة معلقة في الهواء ككرة مثالية تحوي حزن الكون. هناك، ضحكة سامي منسيّ تردد صداها في حلقة، فرحتها الآن بلا معنى بالتكرار.
شهد فيراك مكتباتٍ امتلأت رفوفها، لا بالكتب، بل بتجارب الكائنات نفسها، مُغلّفة بجلدٍ بدا كأنه ذاكرةٌ حية. لمسُها يعني عيشَ حياةٍ كاملةٍ في ثانية.
كانت هناك همسات تخرج من هذه المكتبة، وأدرم أن هذه الهمسات أصوات العصور، مضغوطة من بداية هذا الواقع إلى نهايته.
بدأ ثقل هذا التاريخ، وكل هذا الوجود المتراكم، يضغط على روحه. بدت عشرة آلاف سنة من عمره كحبة رمل واحدة على شاطئ ممتد إلى ما لا نهاية.
أدرك أنه إذا بقي في هذه المكتبة وتعلم، فإن مدى نموه سيصل إلى ارتفاعات لم يكن يستطيع تصورها، ولكن لا يزال هناك المزيد ليكتشفه.
لم يكن هذا مكان قوة كما فهمه. كان فيراك قادرًا على فهم القوة الغاشمة للعاصفة أو حرارة النجم المُستهلكة.
إن ما في هذا هو قوة السياق؛ إنه المعرفة العميقة المرعبة بأن كل فعل، مهما أعتبر عظيماً أو تافهاً، بالمجرد غرزة في نسيج نمطه واسع للغاية بحيث يصعب فهمه.
لقد تحطمت غطرسة كيانه، التي قد تعرضت بالفعل لضربة من الساحة، إلى غبار داخل هذه القاعات عندما أدرك أنه لم يكن مجرد لاعب على المسرح؛ بل مجرد وميض من الظل على ألواحه.
كان قوسٌ عظيمٌ، تُحيط به أفاعي السببية والصدفة المتشابكة، يلوح في الأفق. عند المرور به، تلاشى همس العصور، وحل محله صمتٌ عميقٌ مُركّز.
كانت الغرفة خلفها مقببة، بسقفٍ بدا بمثابة نموذجٍ مثاليٍّ دوارٍ متعدد الأبعاد، تدور نجومه التي لا تُحصى ببطءٍ فوق الرؤوس كاليراعات. وفي وسط هذه الغرفة وُضعت طاولة.
لم يكن كبيرًا بقدر ما هو شامل. بدا سطحه مصنوعًا من حجر سبج عميق مصقول، يبدو أنه يمتص الضوء، وعلى الطاولة توجد هناك خريطة محفورة.
لم يكن فيراك متأكدًا، لأن تسمية هذا النقش بالخريطة يعد بمثابة تسمية المحيط بالبركة.
“ها هي… الخريطة هنا!” تسلل صوتٌ غير صوته إلى وعي فيراك، وغمر ذهنه، الذي لا يزال يترنح من أثر الرحلة، بمعرفةٍ لم تكن لديه.
لقد فهم، إنه ينظر إلى الواقع، ليس كمجموعة عوالم أو أبعاد، بل ككيانٍ واحدٍ حيٍّ يتنفس.
كانت الأراضي والمجالات المألوفة هناك، لكنها مجرد قمم مرئية للجبال التي غاصت جذورها في طبقات من الوجود لم يحلم بها أبدًا.
رأى أرض المعجزات، التي تضم شجرة الحياة – مركزًا للوعي الضوئي النابض بالحياة، أو هكذا ظنّ في البداية. لكن هذا المكان أكثر من ذلك؛ إنه جسد بدائي الحياة نفسه.
انفتحت له أبواب السماء عندما رأى المجال السماوي. عالمٌ يعلم أنه يجب عليه بلوغه لينتقم.
المتاهة العظمى، التي عادةً ما تكون مخفية عن الأنظار، يمكن رؤيتها هنا بكل بهائها. شكلها يشبه مثلثًا ذهبيًا مقلوبًا ضخمًا.
رأى الندبة النازفة حيث وجدت سابقا الساحة السماوية والهاوية العظيمة، جرحًا ينبض بطاقة مريضة وغير مستقرة. ورأى، بخفقان قلبه، جمرة الحرم الصغيرة المتلألئة، شرارة يائسة في وجه الظلام الزاحف.
لكن وراء ذلك، كشفت الخريطة حقائق أعمق. رأى خطوط القدر والمصير، خيوطًا سميكة من الاحتمالات تربط العوالم ببعضها. رأى جسد الزمن المكسور مخيطًا عبر الواقع بأكمله، وهذا القصر هو مركزه.
وعلى حواف الخريطة، كجلد الواقع نفسه، رأى نقاط الضغط – حيث تضغط الوجوه السبعة المتجمدة من الفراغ إلى الداخل. هنا، لم تكن الخريطة واضحة. بدت ضبابية، متشققة، كما لو أن مفهوم “الموقع” نفسه ينهار تحت الضغط. شقوق رقيقة، كشبكة العنكبوت، تشع من هذه النقاط، تزحف إلى الداخل كصقيع على زجاج نافذة.
كانت كل هذه المعرفة جديدة ومن المفترض أن تدفعه إلى الجنون، لكن دفئ النصل ظل في وعيه، وأظهر له حقائق لا ينبغي أن يعرفها.
إنه ينظر إلى نقطة تفرد. لم تكن هذه الخريطة أداةً للسلطة، بل التعبير الأسمى عن المعرفة. امتلاك هذه الخريطة يعني امتلاك الواقع في ذهنك.
غارقًا في رعب هذا المشهد، لم يسمع فيراك اقترابه. لم يكن هناك وقع أقدام، ولا انزياح للهواء.
صوتٌ هادئ، يملأ الصمتَ الدامس، ينطق من الظلال المتجمعة على حافة الغرفة. كان صوت تعبٍ عميق، صوتٍ يحصي سقوط كل ورقةٍ في كل خريفٍ منذ الفجر الأول.
“إلى متى ستبقى في الظل يا روان؟”
لم يكن الصوت موجهًا إليه. تجمد فيراك، وجسده مشدود. نبض سيف ضوء القمر الأحمر بجانبه نبضًا خفيفًا، يكاد يكون غير محسوس، اعترافًا.
من بركة ظلام أعمق، ظله، انبثقت شخصية. لم يخطُ خطوة، بل انحسرت الظلال عن فيراك، مانحةً إياه حضورًا.
غمرت فكرة التعرّف عقل فيراك، إنه نفس الرجل من الساحة، لو أنه لا يزال بإمكانك تسميته رجلاً.
كان روان، قاتل البدائيين، واقفا في قلب عالم الزمن.
عيناه، اللتان تتوهجان بنور النجوم المحتضرة أثناء حديثه، أصبحت تحملان الآن ظلمة الفراغ العميقة والصبورة بينهما. لقد نظر إلى ما وراء فيراك، نحو مصدر الصوت الأول.
انفصلت الشخصية عن الظلام قرب المائدة الكبيرة. كان هذا مختلفًا. فبينما روان هو نهر من الإمكانات، فإن هذا الكائن بحيرةً ساكنةً عميقة. بدا شكله غامضًا، مُغطىً بأردية بلون شفقٍ منسي. انبعث منه جوٌ من سكونٍ عميقٍ مُقلق، كصمت قرارٍ مُؤجلٍ إلى الأبد.
زيريس، بدائي الزمن، الصامت.
“مثل أختك، أصبحت أقدر المنظر من الظلال، لأنه يوفر منظورًا فريدًا، زيريس،” أجاب روان أخيرًا، بصوت ناعم، خالٍ من المشاعر، قبل أن يلقي نظرة على الخريطة أمامه، “يرى المرء اللوحة بأكملها، ويرى القطع تتحرك.”
بدا بدائي الزمن مندهشًا من كلمات روان؛ ربما يكون ذلك بسبب ألفته في مناداته باسمه. تذكر أنه وروان كانا، للحظة، واحدًا.
ظلت نظرة روان ثابتة. “اللوح يتشقق يا زيريس، القطع تُدرك اللاعبين، الاختباء لن يُصلح الزجاج.”
“وهل يعد دخولك العظيم عونًا؟” أشار زيريس بيده الواهنة، في حركة بدت وكأنها تشمل الخريطة بأكملها. “لقد حطمتَ النظام القديم، ربما يكون تطهيرًا ضروريًا. لكن بدلًا من ذلك، زرعتَ الفوضى والخوف. لقد منحت الشقوق بؤرةً محورية. وجودك بحد ذاته رعشةٌ يمكنهم الآن تتبعها؛ النهاية حتميةٌ في هذه المرحلة.”
قال روان بصوتٍ خافتٍ ونهائي: “سيأتون بكل الأحوال. كان سلام البدائيين الراكد سدًا من العفن والصدأ، لقد بدأ ينهار من تلقاء نفسه. اخترتُ ببساطة طريقة سقوطه.”
“لقد اخترتَ أسلوبًا يُثيرُ الدهشة،” ردّ زيريس بهدوء. أدار رأسه أخيرًا، ووقعت عيناه، بلون الفضة الباهتة، على فيراك. لم يكن فيهما غضبٌ على تدخّل سامي التنين في ملكه، بل فضولٌ خافتٌ وبعيد، كما قد ينظر عالم رياضيات إلى متغيرٍ غير متوقع. “ولقد جلبتَ قطعةً جديدةً إلى الرقعة. قطعةً ذات إرادةٍ خاصة. يا له من… أمرٍ لا يُتوقع.”
الترجمة : كوكبة
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.