السجل البدائي - الفصل 1798
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم مترجم لزيادة تنزيل رواية The Primordial Record
الفصل 1798: وصية سِيد الأخيرة
باستثناء هجوم العصر الكبير، لم يُشاهد دمار بهذا الحجم من قبل. كان النجاة من ذلك الحدث المدمر معجزة.
لكن المعركة لم تنتهِ. فقد وصل ردّ فعل الشيطان الفاشل لرقصة الصمت النهائي إلى هنا.
موجة من التدمير، صرخة موت الهاوية العظيمة، غمرت المنطقة. توهجت بوابة الشجرة التي كانت تُدعى “سِيد” ببراعة، في تحدٍّ أخير، ثم تحطمت إلى مليون ذرة من الضوء الأخضر، انطفأت على الفور بفعل العدم المتمدد. ثم أضاءت البوابة.
لقد اختفت البذرة. تمامًا. لقد أنقذتهم تضحيته، لكن طريق العودة أصبح مغلقًا إلى الأبد.
كانوا وحيدين في البراري القاحلة: تنين شاحب، وإله فينيق، وخمسة أبناء من إيوس محطمون، وساحران مصابان بصدمة نفسية. خلفهم، حيث وجدت الساحة والهاوية العظيمة، لم يكن هناك سوى سديم فوضوي متعكر من الطاقات المحتضرة – ندبة على وجه الواقع.
لقد شهدوا قوىً تعاملت مع خلودهم كفضولٍ عابر. رأوا اثنين من رفاقهم، قدامى وأقوياء في حد ذاتهم، يُطفآن كالشموع.
لم يتكلموا. لم تكن هناك كلمات. حلَّ رعبٌ باردٌ طاحن محلَّ استقرار فرايغار. تجمدت روح الغضب المتقدة، جمرًا من الصدمة والحزن. انكسر ضوء الإيليثري المتناغم إلى خمس برك منفصلة من الحزن. جلس السحرة في صمتٍ مذهول، وقد تزعزع فهمهم للسحر نهائيًا.
لقد كانوا ناجين، ولكنهم لم يكونوا مسكونين بالأشباح، بل بسبب ضخامة عدم أهميتهم.
ذكرى تلك المعركة – صراعٌ يتجاوز كل إدراك، يتجاوز الأسطورة، يتجاوز السمو – حُفرت في أرواحهم. نجوا بحياتهم، لكنهم فقدوا شيئًا أثمن بكثير: يقينهم. وأدركوا، برعبٍ مُريع، أن موجات الصدمة لتلك المعركة قد بدأت للتو بالانتشار.
آخر جمر من البوابة الخضراء، التضحية الأخيرة بالكائن المسمى “سِيد”، قد تلاشى في اللون الرمادي. إحدى الساحرات، ليلى، حدقت في شيء صغير أملس في يدها: بذرة واحدة متحجرة، داكنة كالسبج، وجدتها مستريحة حيث اختفت البوابة.
بينما تلمسها أصابعها، يملأ همسٌ رقيقٌ جافٌّ كورقةٍ ميتةٍ الصمتَ من حولهم. تصلب الجميع هنا حين شعروا بالصوت يتسلل إلى عقولهم؛ إنه ليس صوتًا، بل فكرةٌ انبعثت من آخر شرارةٍ خافتةٍ في وعي سِيد.
“لقد كنت أعلم دائمًا أن هذا سيحدث، ولم أكن أرغب في ترك أي رسالة خلفي، لكن حياتي كانت طويلة، وإذا إستحقت شيئًا، فربما هو وصية لإرسالي إلى النسيان.”
“أنتم بأمان. حاليًا. هذا هو النصر الوحيد الذي حققه هذا الرجل العجوز. لا أفعل هذا من أجلكم جميعًا، بل من أجل ابنتي وحفيدي. آه، من أخدع نفسي؟ لا أستحق أن أُناديه بذلك.”
“مع أنني لا أظن ذلك مرجحًا، أود أن أشير إلى أنه لا ينبغي عليكم أن تحزنوا عليّ. فالشجرة لا تحزن على ورقتها التي سقطت لتغذي جذورها. لنهايتي غاية. وستكون نهايتكم كذلك، أنا متأكد، في المستقبل. حسنًا، هذا كل ما لديّ لأقوله… همم، ربما هدية أخيرة. تعلمون أنني رأيت نهاية الهاوية العظيمة، لذا دعوني أخبركم بما شهدت. معرفة كهذه ليست شيئًا ينبغي أن يصادفه أناسٌ أقل شأنًا مثلنا، لذا يسعدني كثيرًا أن أخبركم بها.”
“لم أستطع رؤية المعركة كما ترونها جميعًا، فرؤيتنا مختلفة. لا أرى مثل هذا النور، ولا هذا الغضب. بصري… مختلف. أشعر بالتربة. أشعر بجذور العالم. وما شعرت به… لا بد لي من وصفه، فهو رعبٌ لا بد من تذكره، حتى لو كانت الذكرى سمًا، لكنني شجرة الغضب، وإرادتي قوية.”
“أتمنى لو أستطيع وصف نهاية الهاوية بدقة. هذا المجال البدائي… ببساطة… ذبل. كنبتة قُطعت جذورها. ثقل كل ما حدث هنا – الكبرياء، التاريخ، سبب الصراع نفسه – تلاشى. أصبح شبحًا.”
“شعرتُ بقصة تلك المساحة تتبدد، صفحةً بعد صفحة، حتى لم يبقَ إلا فراغٌ. كان عنفًا مُمارسًا ليس على الجسد، بل على الذاكرة نفسها. أن تجعلَ كائنًا غريبًا في حياته… هذا فنٌّ بارد.”
“يجب أن تعلموا أنهما كانا لا يزالان يتقاتلان، وكنت أشهد انقراضًا في أبعاد سحيقة. ثم… حلّ السكون.”
“عاصفة قتالهما… جمّدت الهواء، والضوء، وحتى إمكانية الصوت… حُبست، كذبابة في كهرمان. في ذلك الصمت المطبق، لم يتحرك إلا شيء واحد. ظل، مثالي في غايته. وكان يصطاد. سمعت ضحكة روان، وارتجفت أعماقي.”
“شعرتُ بالمستقبل في ذلك المكان، ربما لأن الواقع قد تضائل هنا. ما قد يكون، وما قد يكون… استطعتُ أن أرى كل شيء، كحقل من نورٍ متلألئ. وشعرتُ بأن النور ينطفئ. ليس دفعةً واحدة، بل خيطًا خيطًا، كشبكةٍ تُفكّ من النهاية إلى البداية. دروب الإمكانيات، والخيارات التي لم تُتخذ بعد، كانت… مُقلّمة. قُطعت حتى لم يبقَ إلا غصنٌ واحد: غصنٌ ميت، يؤدي إلى جرفٍ فوق لا شيء. لقد كان ذلك قتلًا للأمل. ليس الشعور، بل الشيء نفسه.”
“في تلك اللحظة، ظننتُ أن بدائي الشيطان قد انتصر في معركته المروعة. باتت هذه الفكرة فكرةً مُلحّةً على الواقع نفسه. فكرةً بسيطةً ورهيبةً تقول إن كل شيءٍ بلا جدوى. لم تكن جدلاً. بل كانت… حقيقةً فارغةً لدرجة أنها سخرت من الكفاح والحب والتضحية. لماذا نُبقي بابًا مفتوحًا؟ لماذا نتشبث بالحياة؟ الظلام هو المضيف الحقيقي، ونحن مجرد ضيوفٍ عابرين لا معنى لهم. شعرتُ أن غايتي، وعصوري الطويلة في رعاية غضبي ونموه، تتحول إلى غبارٍ في تلك الريح.”
“ثم شعرت به… ينكشف، روان، وعرفت أن كل شيء قد ضاع.”
“في أعماقي، جائت نهايته كحبلٍ انحلَّ. كلوحةٍ تذوب في المطر. بدأت ألوان كيانه – غضبه، حزنه، حبه – تتلاشى، تتداخل مع بعضها البعض، فاقدةً شكلها. كان التماسك الذي جعله، هو، يتلاشى برفقٍ وصبر. ويُعاد إلى طبيعته الخام الصامتة قبل أن ينطق بأول كلمة.”
“كاد عقلي ينهار من هذا الشعور، وأخيرًا… انتهى الأمر، لكن شيئًا أسوأ حل محله. ضغط، خفيف كالتنهيدة، على آخر شرارة مشرقة. وعدٌ بلا ألم ولا خسارة، راحة الفراغ، استسلامٌ نهائي، كان أرحم وأفظع شعور شعرت به في حياتي. ثم… ما الكلمة التي يجب أن أستخدمها؟ آه، نعم، الانهيار. بدأ فم الهاوية العظيم، الذي يحتضن كل شيء، ينغلق. اكتملت المعادلة المثالية المريعة.”
“كان بلا عيب، أجمل وأفظع ما رأيته في حياتي، عمل فني استخدم الوجود كلوحة فنية، والعدم كفرشاته.”
توقف السرد هنا، فخاف الجمهور، الذي سحره صوت سِيد، أن يتنفسوا؛ لم يرغبوا في كسر التوازن الدقيق الذي أبقى ذكرى سِيد حية، وأدركوا أن هذه قد تكون فرصتهم الوحيدة لتجربة ما ستكون عليه معركة بهذا المستوى الرفيع. هذه هبة لا تُشترى مهما بلغ الثراء.
وعندما عاد صوت سِيد، تبدد الخوف من انتهاء الصوت، واستمعوا، ولم يجرؤ أحد على إصدار صوت.
“أي ما يكون ما فعله بدائي الشيطان، فقد كان يجب أن يجب أن يقتل أي شيء، أعتقد أن حتى بدائيًا آخر من الممكن أن يموت هنا، لكنه… روان… كسره.”
“لا أعرف كيف فعل ذلك. أتمنى لو أستطيع، ومن بين الندم الكثير الذي أحمله معي إلى القبر هو كم كنت أجهله. كم خسرت بسبب طبيعت،. أتيحت لي فرصة التعرف عليه، لكنني أهدرتها طويلاً. كنت أراه قوة فوضى، عاصفة ستُحطم العالم. في غروري، لطالما ظننت أن العصا التي أحملها أكبر. كنت أحمق، أعتني بحديقتي بينما يبتلع القمر الشمس نفسها.”
“أندم… أندم لأنني لم أرَ فيه بذرة المجد مبكرًا، أندم لأنني لم أُسقِ ذلك الجذر بالماء حين أتيحت لي الفرصة، الآن أعرف لماذا خافوا من قوته، لكنني رأيت ما أطلقه بدائي الشيطان في هذه المعركة، أفهم أن الخطر الحقيقي عو الفراغ الذي واجه روان.”
“اسمعوا إذن الدرس الأخير من هذه البذرة القديمة التي تعلمتها في موتي. إن القوة التي لا تسعى إلا للهيمنة والمحو، هي حصادٌ للرماد. إنها ثمنٌ لا ينبغي دفعه. السعي وراء هذه القوة داءٌ سيترككم حاكمين على المقابر. القوة الحقيقية… القوة الوحيدة التي تهم في النهاية… هي قوة الصمود. قوة التذكر، قوة الأمل، حتى عندما يهمس الوجود نفسه بأن لا تفعلوا، فإن العاصفة لم تنتهِ بعد، لقد بدأت للتو، اعتنوا بحدائقكم. كونوا متحدين، روان هو مفتاح المستقبل… أنقلوا رسالتي إلى سكان الخليقة أجمعين.”
تتفتت البذرة المتحجرة في يد ليلى، لا إلى غبار، بل إلى تربة داكنة ناعمة تفوح منها رائحة تراب غنيّ وشيء قديم. اختفى الهمس. لم يعد الصمت الذي بقي مثقلًا باليأس، بل مشحونًا بهدفٍ رهيبٍ ورصين.
“حسنًا،” تنهد فيوري، “كان ذلك شيئًا ما.”
الترجمة : كوكبة
——
سِيد… وداعا يا واحد من أفضل الشخصيات.
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.