السجل البدائي - الفصل 1785
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم مترجم لزيادة تنزيل رواية The Primordial Record
الفصل 1785: نهاية اللانهائية
لم يقاوم الرجل الشاحب عندما وصل إليه روان.
ينبغي عليه ذلك، لكنه لم يفعل. القتال، والهروب، والمساومات اليائسة – كل ذلك استنزف منه، تاركًا وراءه قشرة من الفهم المطلق.
ركع إلدريثور على صخرة بركانية سوداء باردة، وخزّ ملمسها الخشن ركبتيه النحيلتين. انحنى رأسه، ليس استسلامًا، بل إقرارًا أخيرًا منهكًا بهندسة مصيره، مدركًا أن المذبح أمامه لم يكن مجرد حجر؛ بل كان غاية.
“كيف يمكن أن تكون نهايتي مثل هذا؟”
كان بإمكانه أن يشعر بالصدى الصامت والصارخ لتدمير الروح البدائية يغمر الهواء، بطبقة نفسية من الانتهاك المطلق جعلت هيئته الجديدة الهشة تتقيأ. هذا هو المكان. لن يكون هناك مكان آخر. هذا هو المكان الذي يُذبح فيه البدائيون.
سقط ظل روان عليه، لم يحجب عنه مصدرًا للضوء، بل فارضًا ظلامًا أعمق على العتمة. لم يتكلم. الكلمات للكائنات التي تتعامل مع الاحتمالات. هنا، لم يكن هناك سوى المحتوم. تمنى إلدريثور لو فعل؛ ربما خفف ذلك من خوفه، لكن روان صمت.
امتد إصبع طويل شاحب مرتجف ولمس حافة المذبح. انتفض الرجل الذي هو الفوضى من الذكرى المنقوشة على الحجر. كانت ذكرى صراخ. ليس صوتًا، بل فكرة محو صوت.
علم ما هو آتٍ. والمعرفة حجرًا باردًا في أحشائه. المطرقة. الأداة النهائية البسيطة والقاسية. النصل الذي استخدمه روان على جسده الخالد هو للتدمير الدقيق، ولقطع المفاهيم. هذا… هذا لشيء آخر.
كان هذا عقابًا. هذا إبادة للجسد بوحشيةٍ تردد صداها في كل مستوى من مستويات الوجود.
بقوةٍ بدت وكأنها تستنزف آخر دفءٍ من الفراغ، أطبقت يدا روان على ذراعي الرجل الشاحب. لم تكن القبضة شرسة، بل كانت لا هوادة فيها، كإنغلاق صفيحةٍ تكتونية. رُفع بسهولةٍ تُعتبر في حد ذاتها شكلاً من أشكال الازدراء. هذا الكائن اللانهائي، الآن، أصبح خفيف الوزن للغاية.
وُضِعَ على المذبح. كان الحجر الأسود يتجمد على ظهره، بردٌ تسلل إلى عموده الفقري، وكأنه يمتص حرارة حياته المسلوبة.
خدش السطح الخشن جلده، وشعر إلدريثور بقشعريرة. حدق في الفراغ الرمادي الشفقي عديم الشكل، الذي هو بمثابة سماء في هذا المكان اللاوجود. كانت عيناه الواسعتان، كنجومٍ فارغة، لا ترمشان، لا يريان الفراغ في الأعلى، بل اليقين المرعب للشخصية الواقفة فوقه.
نظر روان إلى بدائي الفوضى قبل أن تُغلق خوذة سوداء على وجهه، ولم يتبق سوى عينيه مفتوحتين، ثم التقط المطرقة.
كان أثقل من جبل وخفيفًا كفكرة. بدا الرأس الحديدي المثقوب وكأنه يمتص الضوء الخافت، كوعدٍ بالصدمة. أصبح خشب المقبض الداكن أملسًا من كثرة الاستخدام.
لم يكن هناك أي توقف مفاجئ، ولا توقف مفاجئ. لم يكن هناك سوى حركة حرفي فعّالة واقتصادية يبدأ عمله.
سقطت المطرقة.
لقد أصابت ركبة الرجل الشاحب اليمنى.
لم يكن الصوت طقطقة، بل كان صوت طقطقة رطبة، كثيفة، ساحقة، صوتٌ مُقززٌ وحميمٌ لتحول الكالسيوم والغضاريف إلى عجينة تحت ضغطٍ لا نهائي.
“بوم كرانش.”
لم ينتفض جسد الرجل الشاحب فحسب، بل تشنج، تشنج كهربائي عنيف من الألم، قذف ظهره عن الحجر البارد. سُمع صوت من حلقه – صرخة عالية، رقيقة، لاهثة، مميتة بشكل مثير للشفقة.
لقد أحب بدائي الفوضى الألم، لكن هذا الألم في جسد خالد لا يعرف حدودًا ولا يمكن أن ينتهي، هنا أصبح هذا الألم نهائيًا ولم يكن هناك ما يحمي عقله من حتمية مصيره في النهاية.
كان الألم عبارة عن انفجار أبيض شديد الحرارة في نظامه العصبي، وهو هائل ومستهلك لكل شيء حتى أنه شعر وكأن كيانه بأكمله قد تم ضغطه في تلك النقطة المحطمة.
لم يُرِد ذلك، لكنه نظر إلى أسفل، وبصره يدور، فرأى حطام ركبته. لم تعد مفصلًا. بل حفرة من اللحم والعظام المتناثرة، زهرة قرمزية غريبة بدت ساطعة بشكل فاحش على خلفية اللون الرمادي والأسود أحادي اللون للمنظر الطبيعي. كانت الساق منحنية بزاوية مستحيلة، والقدم ترتعش بشكل تشنجي.
خرج أنين ممل من حلقه في هذه اللحظة، ولم يكن حتى يعلم أنه كان يفعل ذلك.
لكنه لم يُفقَد وعيه. فرغم ضعفه، ظل جسده منسوجًا من جوهر بدائي. لم تكن بنيته البيولوجية، بل قدرته على التجربة، بشرية. لم يستطع الهرب إلى اللاوعي. صُمم عقله لمعالجة ولادة وموت الواقعات؛ إستطاع معالجة هذا العذاب وتصنيفه وتحمّله بوضوحٍ مُرعب. فأصبح محكومًا عليه بالشعور بكل لحظة منه.
راقب روان إلدريثور، ووجهه مختبئ خلف خوذته، لكن وقفته كانت كتلة حجرية ضخمة. رفع المطرقة مجددًا.
الضربة الثانية جاءت على الكوع الأيسر.
هذه المرة، كان الصوت أكثر حدة، مثل صوت سباش – تووم عندما امتد المفصل بشكل مفرط ثم انفجر إلى الخارج.
انكسر عظم الزند ومزق الجلد الأبيض الناصع كبطن السمكة، كرمح عاجي مسنن ملطخ بالدم. ارتخت الذراع، بلا فائدة، متصلة بخيوط من الأوتار والعضلات الممزقة التي تتلوى كديدان تحتضر. تصاعدت صرخة الرجل الشاحب إلى صرخة حادة مستمرة لاهثة، صوت ينم عن حمولة حسية صافية نقية.
عندما قتل الروح البدائية على هذا المذبح، كان مسعورًا ومملوءًا بالغضب، مما جعل ضربات مطرقته تسعى إلى موتها بطريقة فعالة.
في ذلك الوقت، لم يكن قد تعامل مع خسارته، وقلبه لا يزال مليئًا بالنار، ولكن الآن بعد أن أصبح عقله هادئًا، أصبح انتقامه باردًا.
بالنسبة للكائنات التي تعاملت مع كل أشكال الحياة على أنها قمامة يمكن التخلص منها، فإن كرمتهم تتمثل في حمله لهذه المطرقة.
لقد ماتت الروح البدائية أولاً، وهي المحظوظة.
كان روان يعمل بوتيرة منهجية مرعبة. لم يكن غاضبًا، ولم يكن مسعورًا. كان نحاتًا للألم، ومهندسًا للخراب.
ارتفعت المطرقة وسقطت.
حطم الركبة الأخرى، محولاً ساقيها إلى أكياس من شظايا العظام ولحم مهروس. سقط على الكتفين، منهكاً الترقوة بضربات حادة، دافعاً الأطراف المكسورة إلى الأنسجة الرخوة تحتها. كسر عظام اليدين والقدمين بشكل منهجي، حيث تلقى كل إصبع من أصابع اليد والقدم نقرة دقيقة ساحقة، محولاً إياها إلى هريس أحمر على شكل أصابع.
لم يعد الرجل الشاحب يصرخ صراخًا متماسكًا. انقطع صوته، ممزقًا بفعل موجة الألم المتواصلة. ما خرج كان صوتًا أجشًا رطبًا، صوت رجل يغرق يُفكك تفكيكًا ممنهجًا. بدا جسده خريطة خراب، محاكاة ساخرة بشعة للشكل البشري الذي اختاره. دم، أحمر فاقع، نابض بالحياة، يتجمع على المذبح الأسود، يتساقط من الحواف ليمتصه الرماد الرمادي بعطش. كان يتصاعد منه بخار خافت في البرد، وآخر أثر لدفئه المسروق يتلاشى في الفراغ.
لكنه عاش. أصبحت عيناه، نافذتا الكون، واسعتين برعبٍ يتجاوز الألم. إنه رعب الفهم، رعب رؤية حقيقته المادية تُحطم بأداةٍ ماديةٍ بدائية. لم تكن المطرقة تحطم جسده فحسب، بل تحطم مفهومه عن ذاته. كل ضربة درسًا في الفناء، يُدرّس بقوةٍ وحشيةٍ لا لبس فيها.
حاول الكلام، متوسلاً الرحمة التي يعلم أنها لن تأتي. فكه، المتهشم والمتدلّي، لم يستطع إلا أن يُصدر صوت طقطقة رطب. تدفق الدم واللعاب من شفتيه.
توقف روان. نظر إلى الخراب الذي أحدثه في الجثة. كان أشبه بعصي مكسورة وأكياس متسربة. لكن الصدر ما زال يرتفع وينخفض في تشنجات متقطعة متقطعة. العيون الفارغة ما زالت تحدق، غارقة في بحر من المعاناة.
لم يكن ذلك كافيًا. انكسرت السفينة، لكن المستأجر بقي.
كان روان يتجنب عمدًا تحطيم أصل الفوضى لأن ذلك من شأنه أن ينهي معاناته قبل أوانها.
أسقط روان المطرقة. هبطت على الصخرة بصوتٍ صادمٍ ونهائي.
وضع يديه على صدر الرجل الشاحب، متجاهلاً حركة أضلاعه المكسورة المُقززة تحت قبضته. تجاهل الدم الذي لطخ قفازاته. ركّز على البقعة الرمادية، أثر عضة أناثيما الأولى، التي غطّت الآن عظمة القصّ بأكملها.
ركزت عينا الرجل الشاحب عليه، فيهما سؤال. أملٌ في نهاية.
بدأت يدا روان تتوهجان بضوء رمادي بارد. لم يعد يستخدم المطرقة. كان يستخدم إرادته. ويستخدم قوة أصول متعددة، كلها تركز على جوهره كحقيقة تملك القدرة على الاستيلاء على أصول البدائيين.
استقرت يده على صدر إلدريثور لبرهة وجيزة قبل أن يدفع.
غرقت يداه في صدر الرجل الشاحب.
لم تكن هناك مقاومة من العظم المهشم والعضلة الممزقة. انفصلا كالماء. لكن تحت ذلك، كان هناك جوهر مقاومة – عقدة من الطاقة الصارخة المجنونة، جوهر بدائي الفوضى المضغوط والمرعب.
أغلقت يدي روان حولها.
تصلب جسد الرجل الشاحب. خرج منه صوتٌ لم يكن صوتًا على الإطلاق، بل تمزقٌ في نسيج الصمت نفسه. كان صرخة كونٍ يولد ويموت في لحظةٍ واحدة.
سحب روان.
ببطء، وبقوة هائلة، بدأ يستخرج أصل الفوضى. لم يكن عضوًا ماديًا، بل شيئًا من النور والظل والاحتمالات الصارخة، عاصفة مصغرة من كل ما يكونه البدائي.
قاومه. اندفع بخيوط من الصدفة الخام، محاولةً إعادة صياغة اللحظة، لصنع واقعٍ لا يحدث فيه هذا. لكن إرادة روان مورعة. انها راسخة في اليقين. لم يكن هناك ما يُسمى بـ”ربما”.
بدأ جسد الرجل الشاحب ينكمش ويجف. تحول الدم الأحمر الزاهي إلى أسود وتبخر. تمدد الجلد بشدة فوق الهيكل العظمي المسحوق، فصار رقًا ثم غبارًا. غطت عيون النجوم والفراغ ضبابًا، وتلاشى نورها عندما سُحب مصدر ذلك الضوء من قشرته.
لكن العملية بطيئة، بطيئة بشكل مؤلم. لم يكن الجوهر راغبًا في الظهور. كان متجذرًا في مفهوم الوجود نفسه. لم يكن روان يستخرج روحًا فحسب، بل يستخرج قانونًا أساسيًا من قوانين الكون.
كان شكل الرجل الشاحب لا يزال واعيًا، لا يزال يشعر. شعر بأن لانهائيته تُسحب من ثقب صدره. شعر بأنه يُقلب. إنه انتهاك يتجاوز الكسر الجسدي. إنه تفكيك لـ”أناه”.
تمكن فكه، الذي أصبح غير متماسك ومكسور، من النطق بكلمة أخيرة صامتة، تشكلت بفعل نسمة من الغبار.
“…لو سمحت…”
أعطى روان دفعة أخيرة قوية.
مع صوت يشبه صوت اقتلاع جذور الواقع من الأرض، خرج جوهر بدائي الفوضى حراً.
انهار جسد الرجل الشاحب فجأةً وتحول إلى رماد رمادي ناعم، يشبه غبار الشاطئ. اختفت القشرة الفارغة، واندمجت مع العدم المحيط بها.
بين يدي روان، كان جوهر الفوضى يتلوى ويصرخ، نجمٌ أسيرٌ يتحول إلى مستعر أعظم. كان شيئًا جميلًا ومرعبًا – عقدةٌ ذات إمكاناتٍ لا متناهيةٍ تحاول الوجود في عالمٍ يمنعها.
نظر روان إليه طويلاً، هذا الشيء الذي تسبب في الكثير من الألم والمعاناة العشوائية على مر الزمن. لم يشعر بأي انتصار، بل شعر بثقل هائل بارد.
فتح طريقًا إلى أرضه الأصلية وألقى فيها أصل الفوضى. طار الأصل، كنجمٍ يحتضر في مساره الأخير، عبر قفار النسيان الرمادية إلى مملكته.
ولقد ذهب.
ليس مع ضجة، أو أنين.
بلا شيء.
وقف روان وحيدًا عند المذبح، والمطرقة السوداء عند قدميه. الصوت الوحيد كان همهمة المذبح الجائع الذي يتزايد شوقه لصراخ البدائيين.
استدار روان واختفى؛ فما زال هناك المزيد من العمل الذي يتعين القيام به.
الترجمة : كوكبة
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.