السجل البدائي - الفصل 1784
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم مترجم لزيادة تنزيل رواية The Primordial Record
الفصل 1784: الصمت قبل النهاية
كان إلدريثور، الهاوية الهامسة، والمعروف لدى العديد من الواقعات باسم بدائي الفوضى، يفر، بدا قبيحًا، ويفتقر إلى أي نعمة يجب أن يتمتع بها كائن خالد.
لم يكن ركضًا سريعًا، بل يأسًا. قدماه الشاحبتان الطويلتان، نفثتا نفحات من الرماد الرمادي التصقت بجلده الرطب.
كان يركض بمشية محمومة ومتعثرة مثل الكابوس، وهو ينظر إلى الخلف باستمرار من فوق كتفه، وعيناه الواسعتان المليئتان بالنجوم والفراغ في حالة من الذعر تعتبر جديدة عليه تمامًا.
كان بدائي الفوضى، مهندس العشوائية، وصانع الصدفة، ويسير في خط مستقيم لأن عقله البسيط الجديد لم يستطع تصور أي شيء آخر. كانت المفارقة مُطلقة.
تبعه روان. لم يركض، بل سار بخطى ثابتة لا هوادة فيها. قوة طبيعية تتبع قوةً خاسرة.
لم تضيق المسافة بينهما بسرعة الركض، بل بثقة الجاذبية القاسية. غطت كل خطوة من خطوات روان القوية والمحسوبة أرضًا كافح الرجل المتمايل المرعوب للوصول إليها.
امتدّ الشاطئ الرمادي إلى الأبد، أرضًا قاحلة ذات إمكانيات منسية. كانت هناك ملامح في العتمة – بقايا هياكل مفاهيم تهاوت بالقرب من البوابة ثم ماتت، أمواج متجمدة من الزمن المهجور، أقواس قوانين شاسعة متداعية أُلغيت مع فجر الخليقة. إنها مقبرة لأفكار نُسيت جميعها.
إذا استطاع أي خالد دخول هذا المكان والبقاء على قيد الحياة، فإن ثروة المعرفة والقوة التي سيحصل عليه ستكون لا تُحصى، ولكن بالنسبة للكائنين هنا، فإن كل هذه المعرفة لم تكن شيئًا؛ لقد تراكما أكثر من هذا، ومع ذلك، فإن اللغة التي حكمت كليهما كانت بدائية.
كان الفراغ يُرهق الهارب. لم يكن جسده المسروق مُصمّمًا للصمود. استنزف الرماد قوته، وكلّ خطوة كلّفته أكثر من سابقتها. عطّل الفراغ الخالي من الهواء رئتيه الجديدتين. الجرح في صدره، بقعة رمادية مُنتشرة من اللعنة، نبض ببردٍ يستنزف دفئ حيويته المسروقة.
خرج أنفاسه متقطعةً بلا جدوى. كان جلده الشاحب لامعًا بعرقٍ امتصه الغبار العطشان فورًا. شعر روان بالفوضى يحاول شق طريقه إلى الفضاء، متجاهلا سيطرته عليه، فأظهر له ببطء خطأه بانتزاعه أصل الفضاء من بين أصابعه الضعيفة.
“الرحمة!” صرخ الفوضى، والكلمة تتمزق من حلقه. كان مفهومًا لم يجسّده قط، بل شهده من الخارج كضعف بشري آسر ومعيب. الآن لبسه. “سأستسلم! سأتنازل! سأرحل! سأذهب إلى الفراغ العميق…”
“لن أعود أبدًا! لن تسمع اسمي مرة أخرى!”
لم يقل روان شيئًا. وصمته أشدّ وطأةً من أي ردّ. كان صمت الجلاد الذي سمع كل الالتماسات سابقًا، مدركا أنها لن تُغيّر شيئًا.
“أستطيع أن أعطيك أشياء!” صرخ الفوضى، وهو يتعثر بظهر استعارة ميتة نصف مدفون، ويتمدد في الرماد. زحف إلى الوراء على يديه وركبتيه، وقد اكتسى جسده الآن باللون الرمادي، كجثة تُجهّز للدفن. “قوة! معرفة! أسرار الخليقة نفسها! الاسم الحقيقي للمنشئ الأول! أستطيع أن أجعلك تُحبه! سامي حقيقي، وليس مجرد قاتل!”
واصل روان سيره. كانت العروض حفيف أوراق الشجر في إعصار – ضجيج لا معنى له.
“ماذا تريد؟” بكى البدائي، وضوء النجوم في عينه اليسرى يتلاشى كشمعة تحتضر. “ما الذي يمكنني أن أقدمه لك ليمنعك من ذلك؟ أخبرني! سمِّه!”
أخيرًا، تكلم روان، وصوته يخترق التوسلات كالسكين. “أريدك أن تفهم.”
حملت الكلمات خاتمةً سلبَتْ أنفاسَ الفوضى. لم يكن هناك أيُّ تفاوضٍ يُعقد. لم يكن هناك سوى الدرس. وانتهى الدرسُ بالموت.
استولى عليه اليأس، الأبرد من الرماد، الأبرد من النسيان نفسه. نهض على قدميه وركض مجددًا، مدفوعًا بغريزة لم يكن يعلم أنها تملكه. لم يعد بدائي الفوضى، القوة الأساسية. لقد أصبح فريسة.
وتبعه روان، مثل الشبح الذي لا يغفر له.
كادت قوة إلدريثور أن تتلاشى. امتدت البقعة الرمادية على صدره إلى قلبه. أظلمت رؤيته عند أطرافها، وضاقت رؤيا الخلق والدمار الرائعة إلى نفق لا يكاد يُركز إلا على الطريق الرمادي أمامه.
تعثر بارتفاع آخر، وجسده يصرخ احتجاجًا، وسقط على ركبتيه. نظر إلى أعلى، يلهث، وشعره الأبيض متشابك بالرماد وعرق الرعب.
ورأى ذلك.
أمامه، هناك مساحة دائرية مسطحة من صخرة سوداء بركانيّة الشكل، شذوذٌ صارخٌ في غبار رماديّ لا نهاية له؛ لم تكن أصيلةً لهذا المكان. لقد جُلبت إلى هنا. فُرضت. في وسطها، هناك بناءٌ بسيطٌ ووحشيّ: مذبح.
نُحت من كتلة واحدة من الحجر الأسود نفسه، بخطوط حادة لا ترحم. بدا مُلطخًا بظلال بدت أقدم من الزمن. وبجانبه، على الصخرة الداكنة، توجد هناك مطرقة.
كانت أداةً بسيطة، رأسها كتلة من حديد باهت مُنْقَر، ومقبضها مصنوع من خشب داكن لدرجة أنه بدا وكأنه يمتص الضوء الخافت. بدت عاديةً تمامًا، ومع ذلك فقد أشعت بهالةٍ من الغاية النهائية المطلقة، جعلت قلب الرجل الشاحب الجديد يرتجف في صدره.
هذا مكان هو النهاية. نهاية محددة.
وبعد ذلك شعر بذلك.
لم يكن صوتًا، ولا رائحة، ولا منظرًا. بل صدىً – صدى شبحي في جوهر الواقع. لم يكن المذبح والمطرقة مجرد أشياء؛ بل كانا جهازي تسجيل، وقد التقطا بصمة الحدث الذي جرى هنا.
لقد شعر بصراخها.
لم تكن صرخات سمعية، بل صرخات مفهوم، جوهر، هوية تُفكك منهجيًا. كانت ندبة نفسية محفورة في المكان نفسه. شعر بالإبداع اللامتناهي، والإمكانات اللامحدودة للقصة والغناء والروح، تُخمد منهجيًا. شعر برعب النحات وهو يُدرك أن الطين قد ارتفع لا ليُشكَّل، بل ليُحطِّم الأيدي التي أمسكته. شعر بلحظة اللاوجود، ليس كتوقف، بل كفعل محو نشط وعنيف.
لقد كانت صرخة الموت لبدائية الروح.
لقد علم يقينًا أن هذا هو النظام الحقيقي الأول والوحيد الذي عرفه في وجوده الأبدي، وأن هذا هو المكان الذي ارتكب فيه روان ما فعله. هذا هو المكان الذي هُدمت فيه منافسته الأبدية، نقيضته، سبب وجوده.
لم تأتِه المعرفةُ كفكرة، بل ضربة جسدية. انحنى على ظهره، ولم يُلقِ شيئًا على الحجر الأسود. تلاشى آخر ما تبقى من قوته. تلاشى القتال. تبخر الأمل اليائس الذي غذّى هروبه، تاركًا وراءه يقينًا أجوفًا مؤلمًا.
لم يكن ليموت فحسب.
سيُهدم، على نفس الحجر، بنفس اليد، بنفس الأداة.
لم يكن تحوله هروبًا، بل كان نظامًا للخلاص. لم يكن يهرب، بل يركض نحو غايته المرسومة. لقد اقتيد، كحمل إلى الذبح، إلى المذبح نفسه الذي وُضع فيه مفهوم الموت البدائي.
رفع نظره، وعيناه الممتلئتان بالنجوم والفراغ متسعتان برعبٍ اكتمل الآن. رأى روان يتجه نحوه، لا أسرع ولا أبطأ. لم تكن هذه الوتيرة المتسارعة يومًا مطاردة، بل مطاردةً.
لم يتوسل الرجل الشاحب، بدائي الفوضى، مرة أخرى. لم يُقدّم أي عروض. ركع ببساطة على الحجر الأسود، أمام المذبح المُلوّن بجوهر أخته، ونظر إلى اقتراب نهايته.
لقد فهم أخيرًا. لم يكن هذا انتقامًا، ولا حتى عدالة؛ لا، إنه الأمر أبسط بكثير.
كان… علم البيئة. إنه كائن دخيل، وسرطان في الكون، وروان هو العلاج. العلاج مُطلقًا، لا يرحم، وقد حلّ به. لماذا ظن يومًا أنه يستطيع النجاة منه؟
انتهى السباق. لم يبقَ إلا القبول والمطرقة.
الترجمة : كوكبة
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.