السجل البدائي - الفصل 1783
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم مترجم لزيادة تنزيل رواية The Primordial Record
الفصل 1783: كسر البدائي
محاصرًا في جسدٍ أشبه بسجن، يقاتل في عالمٍ يكرهه أقل بقليل من كرهه لخصمه، ويواجه سلاحًا هو نقيضه المطلق. بدت هجمات الفوضى وحشية، تُنهي العالم، وغير فعّالة. أما هجمات روان فهي دقيقة، مطلقة، وقاتلة.
ركض روان على طول سلسلة جبالٍ تحاول سحقه. تفادى وابلًا من النجوم التي احترقت بحرارة الخيانة. شقّ طريقه عبر غابةٍ من الأغصان المتشبثّة التي تغنّت بأغاني الجنون. كان هو نفسه مفارقةً: مركز عاصفةٍ من الفناء، ومع ذلك أهدأ نقطةٍ وأكثرها تركيزًا في الكون.
وجد نقطة ضعف – عضوًا ضخمًا نابضًا بدا وكأنه يُنظّم قبضة البدائي اليائسة على شكله المُرتّب حديثًا. كان قلبًا فوضويًا، يحاول أن ينبض بإيقاع مُحدّد. نقطة ضعف عميقة.
لم يتردد روان عندما رفع أناثيما لضربة أخيرة حاسمة، متجاهلاً صرخة عدم التصديق من البدائي.
شعر بنبضة عميقة تنبعث من بدائي الفوضى، قوية لدرجة أن النسيان بأكمله بدا وكأنه يتوقف، إذ ظهرت شقوق عابرة واختفت. حتى روان صدمته هذه القوة المنبعثة من الفوضى.
توقف شفرته على بُعد بوصة واحدة من اختراق قلب الفوضى، بينما تحوّل المشهد من حوله، ليس إلى هجوم، بل إلى صورة. ذكرى، مُجسّدة بتفاصيل دقيقة تُمزّق الروح.
لم يكن واقفًا على رماد رمادي، بل على عشب أخضر. كانت رائحة دخان الحطب والخبز تفوح من الهواء. نظر إلى أسفل، فرأى أندار، ومايف، وديان، والضائع، وسيرسي، وفرايغار، وستاف. أحاط بهم نورانيوه في أجساد بشرية وهم يُعِدّون وليمة صغيرة.
كان ضحك الضائع الطفولي عندما حملته ستاف ودغدغته يقطع الهواء ويخترق قلب روان مثل السكين، وعندما استنشق رائحة مألوفة، نظر إلى الجانب ليرى إيفا، التي لم تكن تجسيدًا للنور، بل مجرد سيدة الظلال.
نظرت إليه قبل أن تُشيح بنظرها عنه، وابتسامةٌ تملأ عينيها. في تلك اللحظة، أدرك روان أنها تُحبه، ليس لقوته أو جماله، بل لأنها اختارته. عرفت إيفا أن روان لن يتردد في مساعدة أحد، لذا كانت هادئة، راضية بوجودها بجانبه.
في ذكرياته، لم يقل روان شيئًا، والآن لم يفعل شيئًا أيضًا؛ لقد نظر إليها فقط وكأنه لم ير وجهها من قبل.
كان وهمًا مثاليًا. لحظة سلام قبل العاصفة. هبة وعذاب من سيد الاحتمالات.
“هذا ما سلبته منك،” همس صوت الفوضى، ليس كهدير، بل كريحٍ هائجة. “أستطيع إعادته. أوقف هذا. ارجع. وسأنسج لك واقعًا لم يحدث فيه شيءٌ من هذا. يمكنك استعادتهم. يمكنك الحصول على سلامك.”
توقف روان. نظر إلى وجه إيفا، مُفعمًا بالفرح. رأى الدخان يتصاعد من النار، وشم رائحة طعام بشري. شعر بجاذبيته، بألم عميق قديم طارده لآلاف السنين. كان فخًا مثاليًا، نسجه من أعمق رغباته. رغبة لطالما ظنّها ضائعة، لكنها تعود في النهاية.
نظر إلى الوهم، وللحظة انزلق القناع البارد، ليس من الحزن، بل من الشفقة.
“ما زلتَ لا تفهم،” قال بصوتٍ خافت، يكاد يكون رقيقًا. “هذا السلام الذي تُريني إياه… مبنيٌّ على أساس فوضاكِ. إنها كذبة. والحياة المبنية على كذبة ليست سوى شكلٍ أبطأ من النسيان.”
لوّح بيده، فظهرت أمه، إلورا. ابتسمت له، فنظر إليها روان مباشرة دون أن يرف له جفن. “أنا لا أقاتل من أجل ما ضاع، بل أقاتل ليحصل الآخرون على ما أضعت. وهذا يتطلب عالمًا خاليًا منك ومن أمثالك.”
لم يُضعفه الحب في قلبه، بل هو سبب قوته. كان وقودًا للنار التي أحرقت كل شيء إلا هدفه.
رأى من خلال الوهم. رأى العضو النابض المرعوب تحت صورة منزل طفولته.
ولم يتردد.
سقطت اللعنة إلى الأسفل.
تحطمت صورة هذا المكان كالزجاج. لم تكن صرخة بدائي الفوضى صرخة ألم، بل صرخة إدراكٍ نهائي. فشلت المغامرة اليائسة الأخيرة. لم يبقَ حيلة، لا احتمالات، لا أمل.
لم يكن هناك سوى النهاية الباردة، المؤكدة، والحتمية.
اخترق النصل قلب الفوضى، وبدأ يُفككه.
لم يكن التفكيك عملية سريعة. كان عمل أناثيما دقيقًا، محوًا دقيقًا وشاملًا للشفرات الكونية. حيث اخترق النصل قلب الفوضى، ازدهرت بقعة رمادية ممتدة، سكونٌ ينافي مفهوم البدائي. كان سرطانًا فاسدًا، ينخر فيه من الداخل إلى الخارج.
ارتجف الشكل بحجم قارة، وتفتتت جبال من الصدفة المتجمدة إلى غبار خامد، وتبخرت أنهار من الزمن المتجمد إلى لا شيء صامت. غمضت آلاف العيون، ليس في غمضة عين، بل في انقباضة أخيرة يائسة قبل أن تُمحى من سجل الوجود. تلاشى هدير البدائي إلى صرخة عالية وخفيفة – صوت اللانهاية يُدفع عبر ثقب صغير.
كان يفقد تماسكه، وبدأ قوامه المرتب الذي اكتسبه بشق الأنفس يتزعزع تحت وطأة إرادة روان وجوع أوبليفيون الذي لا يلين. البقاء في تلك الحالة الشاسعة والضعيفة كان بمثابة هدف ثابت، لوحةً لفرشاة روان للإبادة.
في عمل أخير آسر من الإرادة المتناقضة، تمرد بدائي الفوضى على تمرده. للبقاء على قيد الحياة، فرض النظام. وللبقاء الآن، عليه تحطيم هذا النظام والتحول إلى شيء مختلف تمامًا. عليه أن يصبح صغيرًا. عليه أن يصبح محددًا. عليه أن يصبح شيئًا قادرًا على الركض.
انفجر الشكل الهائل. لم يكن انفجارًا للطاقة، بل ضغطًا داخليًا عنيفًا. الجبال المنهارة، والعيون المحتضرة، والأفواه الصارخة – كل ذلك اندمج في نقطة واحدة متناهية الصغر. انكسر صمت الشاطئ الرمادي بصوت أشبه بصوت الكون وهو يتنفس الصعداء.
وبعد ذلك، حيث وجد قلب العاصفة، أصبح هناك رجل.
كان شاحبًا، شاحبًا لدرجة أنه بدا وكأنه يتوهج على خلفية رمادية النسيان الرتيبة. لم يكن شاحبًا كضوء القمر أو الرخام، بل بياضًا شاحبًا شاحبًا لمخلوق لم يرَ الشمس قط، سمكة أعماق البحار سُحبت من الخنادق السحيقة إلى الهواء الساطع. إمتلكت بشرته لمعانا خافتا وزلقا، كما لو أنها لا تزال تتذكر شكلًا مائعًا وواسعًا. كان عاريًا، يرتجف، أطرافه نحيلة ومفاصلها غريبة، تفتقر إلى ذاكرة العضلات التي تُمكّنها من المشي على قدمين. كان شعره أبيض ناصعًا، مُلصقًا بجبهة عالية مُقببة.
لكن عينيه كانتا أفظع ما في الأمر. كانتا آخر آثار طبيعته الحقيقية. لم تكونا عيني بشريتين، بل نافذتين على العاصفة. إحداهما تتلألأ بنور مليار نجم لم يولد بعد، والأخرى تتلألأ بسواد مليار نجم ميت. فيهما يتلألأ رعبٌ عميق، قديمٌ جدًا، لدرجة أنه لو تأمله لفقد عقلٍ أضعف.
كان هذا الشكل المثير للشفقة والمرتجف هو النتيجة النهائية للفوضى اللانهائية التي تم إجبارها على اتخاذ شكل مفرد يائس: مخلوق يمكنه التسول.
تشبث بصدره، حيث أصبحت البقعة الرمادية من جرح أناثيما الآن بقعة أصغر وأغمق على بشرته البيضاء الشبيهة ببطن السمكة، لا تزال تنتشر ببطء. شهق، ورئتاه الجديدتان تكافحان لتقبل فكرة وجود هواء في مكان لا هواء فيه. تراجع خطوة متعثرة إلى الوراء، وغرقت قدماه في الرماد، الذي بدا وكأنه يلتصق به بجوع جديد، كما لو كان يتعرف على شكل أسهل هضمًا.
“لا…” كانت الكلمة نقيقًا، صوتًا مُحبطًا من حنجرة لم تكن يومًا لغة. أول كلمة ينطق بها لم تكن إعلانًا أو تهديدًا أو زئيرًا. بل توسّلًا.
“أرجوك… لا أكثر.”
راقب روان، وعانته أناثيما ممسكة به برفق. راقب التحول دون مفاجأة، دون اشمئزاز، دون شفقة. كانت مناورة منطقية يائسة. حيوان محاصر سيقطع ساقه ليهرب من فخ. أما الفوضى فقد قطع لانهائيته للهروب من السيف، محاصرةً نفسها في سجن أصغر وأكثر هشاشة، لكنه سجنٌ يحمل وهم الحركة.
“لا يمكنك…” شهق الرجل الشاحب رافعًا يده المرتعشة. كانت هذه الحركة إنسانيةً غريبة، تعلمها من ملايين الوفيات التي شهدها أو تسبب بها. “أنت لا تعلم… ما تفعله. الميزان… بدوني… بدوننا…”
قال روان بنبرة جامدة تفرض الواقع: “التوازن لا معنى له. أنا لا أحافظ على التوازن، بل أنهي الحرب”.
“لن تكون نهاية!” صرخ الفوضى بصوتٍ متقطع. كان الصوت خافتًا وضائعًا في ظلمة رمادية شاسعة. “سيكون ركودًا! موتًا بطيئًا وباردًا لكل ما هو موجود! أنا المحفز! أنا النار! ستترك الواقع جثةً ميتةً!”
“سأتركه في أيدي من يعيشون فيه،” أجاب روان، وهو يتقدم خطوةً واحدةً متعمدةً للأمام. “ليس من يستخدمونه ساحةً للمعركة.”
لم تكن الخطوة عدوانية، بل حتمية. بمثابة دقات الساعة. بالنسبة للبدائي، كانت خطوة الجلاد على السقالة.
سيطر الرعب، الخالص والخالص، على آخر بقايا كبريائه. سيطر عليه مفهوم الركض، الغريب على كائنٍ كان يزور الأماكن بدلاً من أن يسافر إليها، فعاد إلى هيئته الجديدة. استدار، وحركاته متقطعة وغير منسقة، وهرب.
الترجمة : كوكبة
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.