السجل البدائي - الفصل 1766
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم مترجم لزيادة تنزيل رواية The Primordial Record
الفصل 1766: الدخول إلى الساحة
اختلف الصمت في سجن السبج الذي بناه ليحمي عقله. لم يعد بركة راكدة لا نهاية لها، بل أنفاسًا حبيسة أمام قصف الرعد. سلاسل الإرادة التي كانت تُقيد تيلموس، والتي نبضت بطاقة آكلة، بدت الآن كخيوط باهتة متحللة.
كان يشعر بأطراف جسده، إحساسٌ بعيدٌ ومنسيٌّ كعضوٍ يستيقظ من نومه. لم يكن تيلموس يُدرك متى بدأ هذا الإحساس، لكنه يعلم أنه بعد أن سيطر على مصيره وتجاوزه، بدأت روحه تتوق إلى لمسة لحمه، وقد تم هذا الاتصال في صمت.
أمامه، لم يكن زيلوس، بدائي الشيطان، قد اتخذ شكل ثعبان أو رجل مُكفَّن. كان شكلاً بسيطاً، شبيهاً بالإنسان، من دخان وجمر متحركين، وعيناه النجميتان باهتتان. وصل نقاشهما، وحوارهما الذي دام آلاف السنين، إلى نهايته الحتمية. حُسمت الشروط.
“يا تيلموس، يقترب العقد من نهايته”. لم يكن صوت زيلوس كصوت هدير القارات، بل تنهيدة خفيفة كالريح فوق الرماد. “الملتقى قريب. لقد ظهر بيننا وحش حقيقي، يُمكن اعتباره أحد أقاربي، اختار أن يرتدي شكلاً وحشياً فريداً على أن يكون مجرد مفهوم. لقد اخترق حجاب الواقع، ورغبته في الانتقام ستُحطم النجوم التي يعتز بها شعبك. لا صواب ولا خطأ في المعركة القادمة، فقط البقاء.”
فتح تيلموس عينيه. شعره الأبيض الطويل، كشعاعٍ طيفيٍّ في اللامكان، بدا وكأنه يلتقط ضوءًا لم يكن موجودًا. جلده العقيقي، شاهدٌ على منحدرات وطنه التي حمّرتها الشمس، بدا صلبًا وحقيقيًا. كان يتذكر معنى أن يكون له جوهر.
“والرهان قائم”، قال تيلموس بصوت حازم، لم يعد صوت سجين مرهق.
“بالتأكيد،” أكد زيلوس. “يمكنك الخروج من هذا القفص. يمكنك استخدام القوة التي صغناها في هذا النقاش – إرادتك وجوهري، متشابكان. واجه الوحش الذي يسمونه ‘المدمر، العصر الأخير… المنشئ’. النصر يمنحك الحرية. ينقطع رابطنا. سأكون… متضائلاً، لكنك ستمشي في العالم من جديد، كاملاً.” أومضت جمر جسده. “الهزيمة تعني أن يصبح جسدك وروحك ملكي تمامًا. وعاءً دائمًا. نهاية حقيقية لقصتك.”
نهض تيلموس. ولأول مرة، شعرت أرضية السُبج بالبرودة تحت قدميه. “أنا مستعد.”
“إذن عليك أن تستعد،” قال زيلُس. “لديك فرصة واحدة لتنظر إلى ما تُقاتل من أجله، فرصة واحدة لتوديعه، الساحة تنتظرك.”
بابٌ من نور، مؤلمٌ ونقيّ، انفتح في ظلمة عقل تيلموس. من خلاله، شعر بجاذبية جسده، حضورٌ ثقيلٌ أشبه بالمرساة لم يختبره منذ زمن.
لم يقتصر الأمر على شكله الجسدي فحسب، بل شعر بنداء وطنه، مكان من المفترض أن يضيع منه، ولم يعد تيلموس يقاوم جاذبية جسده. تحطم سجنه إلى شظايا من حجر السج، وأصبح قاتل السامين حرًا.
عاد العالم في ثورة من المشاعر.
الأول كان الألم – ألمٌ عميقٌ يغمر عظام جسدٍ راكدٍ لدهور. والثاني هو الرائحة. رائحةٌ خفيفةٌ من التلميع، من حجرٍ دفأته الشمس، ورائحةٌ خفيفةٌ حلوةٌ من أزهار الشمس الطازجة، تستقر عند قدميه.
آه… بإمكانه أن يشم رائحة سهول أسكور في تريون… موطنه.
كان واقفا.
تنفس تيلموس، قاتل السامين، الصعداء. كان شيئًا ممزقًا ومثيرًا للصدمة، يخدش الهواء حلقه الجاف، ورئتيه المتوسعتين بعد أن كانتا ساكنتين لأجيال. عيناه الواسعتان اللتان لا ترفزان، تتكيفان مع الضوء الخافت المتسلل عبر نوافذ المعبد المقوسة، ولاحظ أن جسده قد تجمد كالحجر.
أمرت إرادته جسده، وارتجف رأسه قليلاً إلى اليسار، مما تسبب في صوت طقطقة عالٍ وكأن جبلًا انقسم فجأة.
أمامه، شهقت شابة بشعر بلون القمح، ورفعت يدها إلى فمها. تدحرجت سلة أزهار الشمس التي كانت تضعها عند أقدام التمثال الرخامية، فتناثرت بتلاتها الذهبية على الأرض. حدقت في الأسطورة الحية، وعيناها مفتوحتان على اتساعهما من الرعب والرهبة.
تجاهلها تيلموس. ركز نظره على يديه. لم تكونا من رخام، بل كانتا يديه، سوداوين مليئتين بالندوب، يداهما اللتان حملتا سيفًا، ولمستا وجه عاشق. شد أصابعه، وشعر بصرير أوتارها وصراخ عضلاتها احتجاجًا.
خطا خطوة. كان صوت قدميه الحافيتين على الأرضية الحجرية الباردة أعلى صوت في الكون. تراجعت المرأة، لكنه تجاوزها دون أن ينطق بكلمة، منجذبًا كالمغناطيس إلى جدران المعبد البعيدة.
هناك، في فسيفساء من عدد لا يحصى من البلاط الملون، كانت عائلته ونقوش شعبه.
لم يكن الزمن رحيمًا بذاكرته. كانت الوجوه أكثر حدةً وواقعيةً من أي إعادة بناء في عقله. لم تكن أمه تلك المرأة المتجنبة الرافضة التي وصفها زيلوس، بل امرأة ذات عيون حادة وابتسامة متعبة.
وقفت بجانب زوجته، التي تحتضن ابنة تيلموس بذراعها، ووجهها منارة حبٍّ وذكاء. كانت زوجته تضحك، وشعرها منسدلٌ كالشلال، وابتسامتها مُعَدِّية.
مدّ يده المرتعشة، لكنه توقف قبل أن يلمس البلاط البارد. لم يكن له حق. لقد كان غائبًا. قصة يروونها، وتمثال صقلوه. لا حبيب، ولا أب.
“لقد رحلوا جميعًا، كما تعلم، لكنها لا تزال موجودة هناك في العوالم العليا.”
كان الصوت قديمًا، متشققًا بفعل الزمن. استدار تيلموس. وقف عند المدخل رجلٌ عجوز، متكئًا على عصا مُعقّدة. بدت عيناه، المُغطّاتان بالدموع، وكأنهما تُبصران من خلاله.
قال الرجل العجوز: “تريون الذي تراه جديد، أُعيد خلقه بقوة مجهولة. لكن هذا المعبد، معبدك، حقيقي، أُخرج من تريون قبل تدميره على يد الكائن الذي ستقاتله، وهو أيضًا نجا شعبك، فاختاروا البقاء عند معبدك بدلًا من المغادرة معه. كانت ابنتك هنا منذ فترة؛ تزورنا، لكن زوجتك…”
تشنج تيلموس في حلقه. “هل رحلت؟”
“قبل مئة ألف عام… عاشت أطول من أي سامي على الأرض، ولم تتزوج قط.” أومأ الرجل العجوز. “لكن سلالة عائلتها باقية. يعيشون في التلال، حيث وُلدت، إنهم مزارعون، إنهم سعداء.”
كان الخبر بمثابة خنجر وبلسم. حزنٌ، عالقٌ منذ زمنٍ طويلٍ في سجن عقله الخالد، سقط عليه. سيري غبارٌ. لكنها عاشت، بنت، واصلت القصة.
لم يقاتل من أجل لا شيء، ولم يُذبح شعبه بسبب جنون الملك السامي.
“شكرًا لك،” قال تيلموس، وكان صوته أجشًا بسبب عدم الاستخدام والعاطفة.
ابتسم الرجل العجوز، وشبكة من التجاعيد تنتشر على وجهه. “قالوا إنك ستعود عندما نكون في أمسّ الحاجة إليك. قالوا إن قاتل السامين سيستيقظ.”
“لم آتِ لإنقاذكم أو لفعل شيء نبيل؛ لا توجد خيارات صحيحة”، قال تيلموس، وقد استقرت حقيقة هدفه عليه كعبائة. “لقد جئتُ لأستحق حق السير بينكم من جديد”.
ابتعد عن الفسيفساء، عن الذكريات. أصبح الألم جزءًا منه الآن، وقودًا للنار القادمة. مرّ متجاوزًا الشابة المذهولة، وخرج من أبواب المعبد البرونزية الضخمة، إلى شمس عالم لم يعد يعرفه.
السماء فوق المعبد كانت تنفتح.
ليس بالغيوم أو العواصف، بل بالهندسة. بدأ يتشكل شكل سداسي ضخم متلألئ من ضوءٍ مستحيل، حوافه تسيل بألوانٍ لا اسم لها. من مركزه، انحدر مسارٌ من ضوءٍ متواصل، لامسًا الساحة الرئيسية، نداء، مدخلٌ إلى الساحة.
في البعيد، صرخ الناس وهربوا. أو سقطوا على ركبهم، مُصلّين عندما لاح لهم مشهد التغيرات في السماء.
سار تيلموس نحو النور، يخطو في الهواء برشاقة. جسده، الذي كان سجنًا في يوم من الأيام، أصبح الآن سلاحًا مصقولًا بدقة. كل ألم، كل ابتسامة يتذكرها، كل ندبة كانت حجر شحذ يشحذ عزيمته.
“هل أنت مستعد يا تيلموس؟” كان صوت زيلوس في ذهنه، ظلًا مألوفًا.
“أنا هو” همس في الهواء.
خطا على درب النور. كان صلبًا، يطنّ بقوة هائلة. جذبه إلى الأعلى، أسرع فأسرع، إلى الشكل السداسي، بينما انفتح أمامه الواقع بأكمله.
كان التحميل الحسي الناتج عن الدخول إلى الساحة فوريًا، لكن عقله القوي استطاع تقسيمه.
في نظره، لم تكن الساحة مكانًا مبنيًا من الحجر والملاط، بل كانت مسرحًا ذا أبعاد إضافية، منحوتًا من السدم، ومنسوجًا بنسيج من حقائق محتضرة.
كانت “المقاعد” منصاتٍ لزمنٍ متبلور، وقاراتٍ عائمة من ذهبٍ منصهر، وسحبٍ متحركة من غازٍ واعي. كان الجمهور مشهدًا بانوراميًا من الرعب الكوني والجمال السامي.
هنا، كائنٌ ذو هندسةٍ كسوريةٍ خالصةٍ يُنقر على أجزائه البلورية في حوارٍ مع دوامةٍ دوارةٍ من العيون الباكية. هناك، كيانٌ عبارة عن مجرة حية، أذرعها مليئةٌ بالنجوم الدوارة، تراقب بصبرٍ عتيق.
تنانينٌ صُنعت حراشفها من آفاق الأحداث، وعنقاوات وُلدت من جديد في قلوب المستعرات العظمى، وأشياءٌ لم يكن لتيلموس اسمٌ لها ولا مرجعٌ لها – كلُّها كانت هنا. كائناتٌ بدائية. سامين غامضة. مفاهيمٌ مُشكّلة.
وكانوا جميعا يراقبونه.
في وسط الساحة المستحيلة، كان هناك قرص دائري مسطح من حجر أبيض نقي، بساطةٌ صارخة وسط الفوضى. هذا هو المسرح.
هبط تيلموس عليه بهدوء. ضجّ الهواء باهتمامٍ صامتٍ من تريليون عقلٍ فضائي. شعر بنظراتهم كضغطٍ جسدي، مُقيّمةً، فضولية، متلهفة. كان جديدًا لأن سيطرته على قواه جعلته يبدو فانيًا، ومع ذلك فهو بمثابة العمود الفقري الذي سيُغيّر هذا العصر مساره.
لقد كان واقفًا طويل القامة، وشعره الأبيض الطويل يتدفق في ريح شمسية غير موجودة، وبشرته السوداء تمتص الضوء الغريب.
لم يبحث في عينيه إلا عن شخص واحد، وعندما رأى شعرها الأبيض من بعيد، ابتسم تيلموس. اخترق صوته الساحة كالبرق في يومٍ صافٍ.
“يا صغيرتي، والدك هنا. أرجوكِ أخبريني أنكِ أحضرتِ النبيذ، فأنا أشرب بول الشيطان منذ زمن طويل.”
ساد الصمت في الساحة.
الترجمة :كوكبة
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.