السجل البدائي - الفصل 1764
📏 حجم الخط
✍️ نوع الخط
🎨 الخلفية
🖥️ عرض النص
دعم مترجم لزيادة تنزيل رواية The Primordial Record
الفصل 1764: بدائية جديدة
لم يكن مجرد رؤية أو صوت. بل معرفة، حقيقة جوهرية تتجلى في نسيج الساحة. غمرت رائحة الطمي، والزهور المتفتحة بعد المطر، ورائحة الدم الحديدية، وعبير الرحيق الزكي كل حاسة، حقيقية كانت أم نفسية.
تناثر غبار الشاطئ الكسوريّ تحت كتلته الضخمة. نمت غابات صغيرة، مستحيلة، ثم ماتت في لمح البصر على كل حبة رمل مجرّية. ازداد الهواء نفسه كثافة، مثقلاً بوعود الأجيال وتهديداتها.
اندمج شكلٌ في وسط الساحة، فوق الجرح. لم يكن جسدًا، بل مفهومًا مُنح شكلًا مؤقتًا – شبكةٌ هائلةٌ ومتموجةٌ من الجذور والكرمة والعضلات والبتلات والمخالب – اندماجٌ غريبٌ بين الشجرة والجسد.
كان أول خلية تنقسم، والمفترس المتربص، والشجرة العظيمة التي تسقط لإفساح المجال للشتلات الصغيرة، والنضال الأبدي اليائس المجيد من أجل البقاء. كان الحياة، بكل جمالها، ووحشيتها، وإلحاحها الذي لا يُقهر.
لقد اتخذ بدائي الحياة مكانه.
بالنسبة لأشكال الحياة الدنيا، بالكاد إستطاعوا رؤية جلالته؛ كان يشبه شجرة ضخمة ليس لها بداية أو نهاية، أعظم من الساحة، ومع ذلك لا تزال قادرة على الطفو فوقها… شكله قاد إلى الجنون للحمقى ممن سعوا إلى النظر إلى وجه البدائي.
كانت أنفاس الجمهور الجماعية تنهدًا هائلًا. ارتجفت الكائنات من لحم ودم عند إدراكها. أما تلك المصنوعة من حجر ونار، فقد شعرت بصدى بعيد وغريب لحالتها الحيوية.
تضخمت الجيوش السماوية بالنور، واكتسبت تناغماتها حيويةً جديدةً وشرسة. بدا أن هدوء أمراء الشياطين يمتص الطاقة، قوة الحياة، مما زاد من عمق الصمت المحيط بهم، بينما كانوا، على طريقتهم الخاصة، يقاومون تأثير بدائي حيّ يطوف فوق رؤوسهم.
شعرت ليرا باختناق في حلقها. لاختراق هذه الساحة، اتخذوا هيئة إيلدار؛ ومع أن هذه الهيئة بلا جذور، إلا أنها متأثرة بهالة بدائي الحياة.
اهتزّ جزءٌ من نفسها رعبًا حين شعرت أن هذا البدائي هو جوهر شعبها، وأنها من الإلدار. هذه هي القوة التي يخدمونها. كانت ساحقة، مرعبة، وعظيمة.
في تلك اللحظة، حين بدا أن المنطق السليم يفلت من جسدها وروحها، فهمت لماذا كان فرايغار مراوغًا. لم يكن فهم قوة البدائي وتسمية أنفسهم أبنائه أمرًا هينًا. الأمر أشبه بادعاء أن هذه القوة الخام، اللاأخلاقية، والعظيمة، بصفتها “منشئة”، إنها بمثابة ورقة شجر واحدة تدّعي أن إعصارًا هو أبوها.
لم يكونوا جديرين، وهذا الإدراك لعيوبها جعلها تشعر بالخجل. في قلبها، بدأت ليرا تُسرّع خلع عبائة الإلدار التي ترتديها هي والإيليثري… في حضرة بدائي الحياة، يعد هذا أشبه بالسعي إلى الموت، ولو إنها لا تزال على هيئة إلدار، لما طال انتظارها قبل أن تبدأ بعبادة بدائي الحياة كمنشئها.
قبل أن يتلاشى تأثير وصول الحياة، ظهر البدائي الثاني.
هدأت الإمكانات الدوامية والفوضوية لجرح الساحة… ليس في صمت، بل في وضوح. تجمدت الأشكال الهندسية المتغيرة في شبكات بلورية مثالية. توقف الضوء عن رقصه الجامح وأصبح شعاعًا ثابتًا مُنيرًا. كان الأمر كما لو أن الكون بأكمله أخذ نفسًا حادًا مفاجئًا وتذكر نفسه.
ارتجف فرايغار. امتلأت عيناه التنينيتان الواسعتان بالخوف والشوق. شعر بقدوم الوجود؛ ففي النهاية، عاش داخل جسده لفترة كأحد أشباحه.
انبعث ضوء أزرق بارد من نقطة جديدة في الساحة، ومعه شعورٌ عميقٌ بالنظام. كان شعورًا باسمٍ منسيٍّ استُذكر فجأةً، بدرسٍ تاريخيٍّ فَسَّرَ الحاضر، بيقينٍ مطلقٍ لبرهانٍ رياضي. بدا بمثابة الأرشيف، السجل، السجلّ الدقيق لكل ما كان.
تكون شكله من شبكة متغيرة باستمرار لا نهائية من الخيوط المترابطة – بعضها خطوط زمنية، وبعضها قصص، وبعضها شفرات وراثية، وبعضها سلاسل السبب والنتيجة.
كان مكتبةً حية، كُتب فيه كل كتاب بلغة الوجود. إنه ذاكرة، لا سجلاً سلبياً، بل قوةً فاعلةً مُحدِّدةً. لم ينتهِ الماضي؛ بل هو هنا، والآن، وهو الذي يُملي شكل ما سيأتي.
لقد وصل بدائي الذاكرة، ولبرهة من الزمن، تحولت السماء أعلاه إلى لون الذهب، دلالة على الجشع الخفي الذي لا نهاية له لهذا البدائي.
أطلق فرايغار نفسًا مرتجفًا، كسحابة من الصقيع بدت تافهة مقارنةً بهذا العرض. همس قائلًا: “حارس الدفتر، حامل الكنز، بدائي الذاكرة”، وتردد في صوته نبرة لم تسمعها ليرا من قبل: شوق. كان هذا أحد رعاته، ومصدر دافعه للحفظ والتسجيل والاستهلاك.
كان الذاكرة يقدّر الماضي فوق كل اعتبار. ستكون نهاية كل شيء محو غايته بالكامل، إلا أن طبيعة البدائي انحرفت بفعل الجوع اللامتناهي لجسده الرئيسي، الذي لم يرَ قيمةً للقب الذي يحمله، بل رأى في الذاكرة وسيلةً لتحقيق غاية.
لو أن روان هنا، لأدرك لماذا يبدو بدائي الذاكرة أضعف بدائي هنا. كان ذلك لأنه يُحارب طبيعته؛ ازدواجية وجوده تُضعفه إلى مستوى لا يفهمه إلا كائن من البعد التاسع.
تحرك فيوري بانزعاج وهو يُشيح بنظره عن شكل بدائي الذاكرة المتغير. بالكاد رمقه، ومع ذلك كاد رأسه ينفجر. “آه، دائمًا ما يُسبب لي صداعًا. كل هذا النظر إلى الوراء. كيف يُمكنك ابتكار شيء جديد وأنت دائمًا قلق بشأن مدى ملائمته للقديم؟ مع ذلك، أشعر بجوعه؛ إنه أمرٌ غير طبيعي.”
على الجانب، ضحك الرجل ذو الشعر الأبيض، “ليس لديك أي فكرة.”
لم يكن لدى فيوري الوقت الكافي لفهم ما يعنيه هذا الغريب عندما تم الإعلان عن وصوله الثالث ليس من خلال رائحة أو ضوء، ولكن من خلال صراخ.
صرخة نفسية صامتة مزقّت عقول كل كائن حاضر. أنها صرخة القتل الأولى، صرخة الخيانة، صرخة الغضب والألم والحاجة اللامتناهية.
فجأة، انتهك هواء الحياة الدافئ الخصيب ونور الذاكرة البارد والمنظم حضورًا مخيفًا وغازيًا.
بدا جرح الساحة يزداد قتامة، والطاقات الفوضوية بداخلها تتلوى في أشكال مؤلمة. ازدادت الظلال عمقًا، ليس لغياب الضوء، بل كقوة إيجابية خبيثة.
كان هذا الشكل دوامةً من الوعود الكاذبة، والكراهية المُتأججة، والإغراء المُرهف. إنه همس الأفعى، والسكين في الظلام، والإدمان الذي يَعِدُ بالنعيم ويُنزِلُ العذاب. لم يكن شرًا بالمعنى المُبسَّط؛ بل هو النقيض الضروري للتعاون، ومحرك الصراع الذي يُحفِّز التطور والطموح. كان عيبًا في الماسة، وشَقًّا في الأساس، وكذبةً تكشف أحيانًا عن حقيقةٍ مُريعةٍ يصعب مواجهتها.
بدأ جميع شياطين الهاوية العظيمة بالصراخ. صرخةٌ مرعبةٌ لدرجة استحال تفسيرها.
لقد جاء بدائي الشيطان.
ليس شيطانًا من الجحيم، بل هو المصدر الأساسي لكل الدوافع السلبية، وكل الرغبات الأنانية، وكل الدوافع المظلمة التي جعلت الحياة مثيرة للاهتمام، ومأساوية، وغير متوقعة.
ارتدّ الجمهور كشخص واحد. نهض لوردات الشياطين قبل أن يرفعوا سيوفهم في عبادة، فوجد جوعهم الصامت روحًا قريبة، وإن كانت أكثر فوضوية. في الهاوية العظيمة، كان بدائيهم ملكًا، وبعد انتصاره في الساحة، سيقودهم بدائي الشيطان لاجتياح كل الواقع حتى يُعبد كل شيء تحت رايته السوداء.
ومضت أضواء السماويين، واكتسب انسجامهم طابعًا دفاعيًا قتاليًا، وانكمشوا على أنفسهم.
ابتسم فيوري، وهو يراقب كل هذه التغيرات في القوى البدائية، وعادت إليه لمحة من ذاته القديمة. “هناك الآن فوضى مألوفة. الفوضى، والإنتروبيا، والأنانية… تمنع الأمور من أن تصبح مملة للغاية، أليس كذلك؟”
أجاب فرايغار ببرود، وعيناه تتطلعان حوله بقلق عميق: “إنها القرحة في الوردة. العيب الذي يُفسد الكمال يُجدي نفعًا، لكنه لن يُغير شيئًا في النهاية.”
“الأعمال الكاملة مملة،” ردّ فيوري. “إن عيوبها هي ما يجعلها فريدة. حتى أنا لستُ غافلاً عن الصراع الدائر داخل بدائي الذاكرة، ألا يجعله هذا أكثر إثارة للاهتمام؟”
على الجانب، نظر الرجل ذو الشعر الأبيض إلى فيوري باهتمام. فمن النادر أن يتمكن خالد من تمييز طبيعة البدائي.
كان الوصول الرابع خفيًا لدرجة أن ليرا ظنت في البداية أنه لم يحدث شيء. كان الإيليثريون قد تخلصوا تقريبًا من عبائة الإلدار، وبدأ شكلهم الحقيقي ينكشف تدريجيًا، مما أثار دهشة من حولهم. مع ذلك، لم تكن ليرا منتبهة لما سيقوله من حولها عندما تلاحظ التغيير.
بدأت شبكات الذاكرة المتجمدة… تحلم. طوّر صراع الحياة العنيف سردياتٍ وخيالاتٍ وآمالاً. تجسّدت همسات الشيطان المظلمة في الكوابيس والخيالات المحرمة.
بدأ الهواء يتلألأ بأشياء لا وجود لها. قلاعٌ من السحاب تلاشت إلى أسراب أسماكٍ مُغردة. تبلورت المشاعر في منحوتاتٍ زجاجية هشة بكت دموعًا حقيقية. ملأ عبير الحنين إلى أماكن لم تكن موجودةً الفراغ.
كان إنشائا، ولكن ليس من العدم. بل من الإمكانات. كان “ماذا لو”.
إنه رؤية الفنان، وصديق الطفل الخيالي، وفرضية العالم، وكشف المجنون. إنه قوة الفكر اللامحدودة، المرعبة، المجيدة، المنفصلة عن الواقع.
شكلها… صدمة عميقة للواقع، ومع ذلك فإنها لا تزال تظهر كما لو أنها موجودة دائمًا.
في حين أن البدائيين الأخرين تجلوا في صورة مفاهيم ضخمة مهيبة، فقد ظهرت هذه في صورة شخصية – امرأة أو فكرة واحدة.
كانت طويلة ورشيقة، قوامها كأنه منسوج من ضوء النجوم والظلال، من أحلام شبه منسية وألحان منسية. شعرها يتدفق كسيل من حبر فضي، وعيناها… عيناها عميقتان تحملان في داخلهما عوالم كاملة من الاحتمالات. بدت جميلة ومرعبة لأنها غير متوقعة تمامًا.
لقد كانت بدائية الخيال.
موجة من الصدمة، حقيقية وعميقة، غمرت البدائيين الآخرين. لم يكن من المفترض أن يكون هذا موجودا!
هدأت أشكال الحياة المتدفقة لثانية واحدة. ومضت شبكة الذاكرة، كما لو أنه يبحث في سجلاته اللانهائية عن ملف غير موجود. همسات الشيطان خافتة، مفتونة، وحذرة.
كانت جديدة، غير متوقعة.
جلست في “مقعدها”، مساحة في الساحة التفت حولها، فصارت شبكةً متقلبة من الممكنات واللاوجود. لم تنظر إلى الآخرين. ركزت نظرها على الساحة بالأسفل، وارتسمت على شفتيها ابتسامة خفيفة فضولية، وكأنها تُختلق عشرات القصص المختلفة عن نهاية هذا الحدث.
كان الحشد في حيرة. لم يكن هذا في القصص القديمة. لم تكن هذه قوةً مُفسَّرةً في أي علم كوني. بدائية جديدة؟ كان الأمر أشبه بقانون فيزيائي جديد يُعلن عن نفسه فجأة.
الترجمة: كوكبة
———
وبعد سبع او ستة اشهر تقريبا وصلت أخيرا للكاتب… اخخخخخخخخخ والله يا إنها كانت رحلة جدا طويلة ومتعبة وعظيمة وقدرت أخيرا احققها رغم قلة الدعم الكبيرة جدا مع ذلك ها أنا ذلك مع الكاتب ومن الآن فصاعدا راح نبقى مع الكاتب الي ينزل فصليا يوميا
✨ عضوية مميزة في فضاء الروايات ✨
🚫📢 تخلّص من الإعلانات المزعجة
💖 استمتع بتجربة قراءة سلسة ومميزات حصرية مقابل مبلغ رمزي
📌 ملاحظة: أرسل اسمك في الموقع عند الدفع ليتم تفعيل العضوية ✅
جميع ما يتم ترجمته في الفصول منسوب إلى المؤلفين، ونحن بريئون من أي معانٍ تخالف العقيدة أو معانٍ كفرية وشركية.
هذا مجرد محتوى ترفيهي فلا تدعه يؤثر عليك أو يلهيك عن دينك.
استغفر اللـه وأتوب إليه.