السجل البدائي - الفصل 1723

الفصل 1723: بحر العواطف

في فضاء حرم الخلود الخالد، كان روان قد أتمَّ التهام القلعة بأكملها. وفجأةً، أصبح روحه يتلألأ كنجم، مليئا بأسرار رونية لا تُحصى، وملأَت صيحات الفرح الخافتة من حيتان الروح المكانَ بأكمله.

التهام حرم الخلود بأكمله منح روان القدرة على إبطال وجود الزمن من حوله. بهذه الطريقة، حافظ على تأثير توقف الزمن الذي منحه أفضلية في الفهم.

مع اختفاء القلعة، أصبح من المستحيل إخفاء الطريق إلى المستويات الأدنى من أصل الروح، كما أظهرت لروان الفساد المخفي تحتها والذي ينخر في أساسات هذا المكان.

مع هذا الفضاء الخالي من الإشراق، رأى حوافه مليئة بالشقوق التي تتسرب منها الأدخنة، والأجساد الفاسدة لعدد لا يحصى من الحيتان الروحية التي اقتربت كثيرًا من الحافة.

لم تدم علامات الحيوية في حرم الأبدية، وهذا هو الوجه الحقيقي لما سيأتي. كان البدائيون وباءً، عاجزين عن الإنشاء، عاجزين عن الحفاظ على ما سرقوه، ويكاد يكون من المستحيل قتلهم بكل المقاييس.

كان أصل الروح سلطة من المفترض أن تستمر إلى الأبد حتى يأخذ الموت كل شيء في النهاية، لكن لمسة البدائية بدأت تسرقها ببطئ من كل إشعاعها.

نظر روان إلى هذا الفساد برهة، وفجر إرادته حوّله إلى لا شيء، وأقسم على نفسه أن كل لمسة من البدائي في هذا الواقع أو أي واقع آخر لا يزال في عالم النسيان ستُطهّر. إذا كانت هذه مهمته مدى الحياة، فقد قبلها تمامًا.

ألقى روان نظرة خاطفة حوله ليتأكد من أنه لم يغفل عن أي بقعة فساد، ثم توجه إلى بركة الزئبق أسفله، فتراجعت عنه. ومع ذلك، لم يكن هناك مكان آخر يقصده، فأبقت البركة بابها مفتوحًا بلا حول ولا قوة لروان لينزل، ويصل إلى الطبقة التالية من الروح.

“فليبدأ النزول.”

لقد اصطدمت هذه الطبقة من الروح بوعي روان بثقل ألف بُعد ساقط، ولم يرمش حتى.

“فووش”

جسد روحه الأبعادي قطع أجواءً كثيفة، وسحبته قوة ثقيلة جذابة إلى الأسفل حتى اصطدم مثل نيزك في محيط مصنوع من العواطف.

كان هذا المحيط كثيفًا كالسبج المنصهر، وباردًا كالفراغ بين النجوم، وغاص جسد روان فيه كالحجر. لقد سمع، على حافة إدراكه، صوت بدائية الروح.

“في هذا المحيط سأغرق حقيقتك.”

كانت المشاعر التي تشكل هذا البحر عبارة عن ذنب متجمد، وعار متحجر، وخوف متحجر – لا تعد ولا تحصى، وإذا كان هناك أي ضوء إيجابي بداخله، فقد أصبح مدفونًا تحت وطأة كل الشر.

اعتقد روان أنه يستطيع فهم سبب ذلك. لو أن هذا هو أصل الروح، فهو انعكاس لحالة الواقع. كل المشاعر السلبية التي نشأت على مر العصور منذ ظهور الأوائل ملأت هذا البحر حتى فاض.

لقد ضاع كل شيء جيد، وروح روان يشهد اثني عشر عصرًا من الجنون، تقصف وعيه.

إعتقد أنه يستطيع رؤية ومضات خافتة من الذهب في المسافة، مثل أشعة الإبر الشبحية من خلال الضباب، لكنها لم تدوم أبدًا، وغرق بسهولة في موجات لا نهاية لها من الحزن والجنون.

“كان بإمكانك إنقاذهم…”

“إنهم متعبون…”

“لقد علقوا… وكل هذا خطؤك.”

“خطئي؟!” أجاب روان بغضب، وهو يعلم أنه يتأثر بهذا المكان، لكنه لم يمنع نفسه.

“لا تلوم الذئب على افتراسه للخراف. وظيفتك كراعٍ هي الحفاظ على سلامة قطيعك. وُلدت لتكون واقعًا ينبغي أن يُبشر بفجر جديد من التغيير والازدهار، لكنك بدلًا من ذلك سمحت لنفسك بأن تصبح فريسة. إذا لم تكن نهاية كل شيء خطأك، فمن المسؤول إذن؟”

إذا استطاع روان، فسوف يقلب عينيه على الجمباز العقلي الذي كانت البدائية تجمعه لجعله يشعر بالذنب بسبب نتيجة أفعالها هي وإخوته، ومع ذلك، بطريقة ما، بإمكانه أن يدرك أنها على حق.

لا يلعن الإنسان العاصفة لأنها هدمت منزله؛ إما أن يبني منزلًا أفضل أو يغادر المنطقة. ومع ذلك، لا يُضطر الإنسان لمواجهة عاصفة واعية وشريرة تطارده، ضامنةً ألا يبقى شيء من وجوده.

في نهاية المطاف، هذه هي حقيقة البدائيون: كائنات حية مليئة بالشر والكراهية، والاعتقاد بأنهم أي شيء آخر غير ذلك يعتبر غباءً محضًا.

ومع ذلك، فإن الكلمات التي جائت من بدائية الروح لم تقلقه؛ في الواقع، لقد جعلته سعيدًا، لأن روان كان صيادًا يستحق أن يكون شعار شعار جملة “أنت ما تأكله”.

لقد قتل بدائية الروح واستهلك الكثير من جوهرها، ومن بين الفوائد العديدة التي أعطته إياها، كان أيضًا أكثر تقبلاً لمشاعرها.

غارقا في بحر من المشاعر، يوجد هناك شيء يمكن لروان أن يتذوقه بثقة مخيفة لدرجة أنه لم يستطع إلا أن يبتسم… بإمكانه أن يتذوق خوفها.

حاربت بدائية الروح للحفاظ على حياتها، لكن شيئًا ما لفت انتباه روان؛ فرغم صعوبة معركتهما، إلا أنها ظلت شريفة. ظلت بدائية الروح مُركزة عليه طوال صراعهما، بينما بإمكانها استخدام أساليب ملتوية كتهديد أطفاله أو حتى قلب اللوحة بأكملها والهروب إلى الواقع، كاشفةً عن نفسها وقوى روان الحالية للجميع.

قام روان باستعدادات عديدة لمنع بدائية الروح من المغادرة، لكنه لم يُفلح في استخدام أيٍّ منها، وهذا ليس طبيعيًا. تلاشى العقل أمام الموت، وقليلون هم من استطاعوا مواجهة الفناء بسلام.

لم يعتقد روان أن أي بدائي سيتمكن من مواجهة الموت دون القتال حتى النهاية. لم يرَ أنها صفة سيئة؛ بل أعجب بها، حتى لو صدرت عن كائن حقير كبدائي.

عندما قتلها روان واكتشف أن العبئ الذي من المفترض أن يحمله من وفاتها لم يكن قوياً كما تصور، عرف أنها لديها خطة احتياطية.

يجب أن يقلق هذا الأمر، لكن لأنه أصبح يحمل أصل الروح في يده، لم يعد روان يهتم بخططها.

عندما دخل المستوى الأول من الروح، وصل إليه صوت بدائية الروح المتعال، متحدّيًا إياه أن يجدها في المستويات الأدنى. لم يُجبها روان؛ بل ركّز على فهمه فقط.

على الرغم من أن مساحة حرم الخلود خالدة، إلا أنه في أرض الأصل، مر يوم واحد فقط، ولكن في ذلك الوقت، غزا روان حرم الخلود واستهلكه.

لم يكن من المفترض أن يكون قادرًا على فعل ذلك، على الأقل، استنادًا إلى الخوف في قلب بدائية الروح.

كان حرم الخلود فخًا لروان. لو دخل ذلك الفضاء الخالد لفهم أصل الروح، لبقي هناك إلى الأبد دون أن يتجاوز المستوى الأول.

إن التغلب على المستوى الأول من الروح في يوم واحد يعد إنجازًا مستحيلًا، لكن ما لم تعرفه بدائية الروح هو أنه قبل الآن، تقلب روان على أصل الفضاء، ولديه مساعدة من إيوسا، التي جعلت تعاليمها هذه العملية أسرع وكشفت عن كل تعقيدات الأصل.

لأول مرة في حياته، اصبح لدى روان معلم جيد لم يخفي عنه أي شيء، وقد تعلم دروسه بشكل جيد للغاية.

كانت بدائية الروح تعرف كل شيء عن روان قبل أن يذهب لغزو أصل الفضاء، وبعد اندماجه، أصبحت قوته على الأصل مخفية بواسطة بنية جسده كجبار ذروة كوني .

توقعت البدائية أن يتطور روان قبل المعركة؛ عرفت أنه يمتلك السجل البدائي وقدراته، لكنها لم تتخيل حجم أو عمق هذا التطور.

لقد تم إنشاء حرم الخلود لاحتجاز روان لفترة طويلة حتى تتمكن من إنجاز كل ما تريده في سلام، ولكن في يوم واحد، تمكن روان من غزو المستوى الأول، وأصبح في المستوى التالي، وبقايا بدائية الروح إزدادت رعبا.

الترجمة : كوكبة