السجل البدائي - الفصل 1629

الفصل 1629: فتح آفاق جديدة

ألغورث، أول حصن في الوجود، كان معقدًا لدرجة تُذهل أي خالد. حتى نوكتيس، الذي دمج نصف روحه وجوهره في هذه القلعة، لم يكن يعلم كل أسرارها. كان على روحه أن تكون أقوى ألف مرة ليفهم حتى عشرين بالمائة من أسرارها، وإذا أراد معرفة المزيد، فإن قوة الروح التي يحتاجها كانت تكاد تكون لا تُوصف.

شيبا، لقد كبرت قلعته، لكنها اضطرت إلى التخلي عن الكثير، تمامًا مثله.

كان إدخال هذين الاثنين إلى داخلها مخاطرة، لكن بما حققاه، كان الأمر يستحق العناء، حتى لو كانت التكلفة أعلى بمئة مرة. صُنعت ألغورث لتتحمل، ولم يهم كم هاجمها البدائيون؛ فبوجوده داخلها، لن يخطوا خطوة واحدة.

كانت هذه مهمة لا يمكنه أن يفشل فيها، لأن هذين الاثنين سوف يظهران له الطريق للوصول إلى مستوى البدائيين!

عند إحضارهما إلى شيبا، توقع نوكتيس لحظة طفيفة من الارتباك في أفضل الأحوال أو الانهيار العقلي الكامل في أسوأ الأحوال.

كان داخل هذه القلعة فوضى مُجسّدة. ظاهريًا، بدت كمدينة عظيمة دائمة التحوّل، شوارعها ومبانيها في حركة وتغيّر مستمرّين، مُشكّلةً متاهةً لا شيء فيها يبقى على حاله.

أسفل هذه المدينة، كانت هناك أنفاق لا نهاية لها مصنوعة من لحم ودم وعظام. وللبقاء على قيد الحياة كل هذه المدة، اضطر ألغورث إلى تقديم تنازلات معينة.

كان نوكتيس قد أعدَّ بالفعل تعاويذ وترياقات معينة لمنحها لسكانه الجدد بعد دخولهم قلعته. وذلك بمثابة إظهار حسن نية وتكتيك تلاعب لجذبهما إليه وترسيخ شعورهما بالتبعية.

ربما لم يكن قادرًا على خداع النور الصاعدة حديثًا، لكن رفيقها بدا وكأنه على وشك الموت، وأصبح وعيه نسيمًا عابرًا؛ سيحتاج إلى المساعدة.

أخرج نوكتيس تعاويذَ استقرارهم العقلي وهو ينظر إلى ضيفه الجديد، فاتسعت عيناه السوداوان من الصدمة.

لقد ساد الصمت أرجاء ألغورث.

كانت قلعته عنيدة، وهي خطيرة، وحتى أنها قادرة على صنع العجائب، لكن الشيء الوحيد الذي لم تكن قلعته قادرة على فعله هو البقاء ساكنة.

لقد خالف ذلك جوهر كيانها، ورغم أنها منهكة ومقموعة، ولم تعد قادرة على الصعود إلى ضوء النجوم كما فعلت في شبابها، وجسدها الملتوي ليصبح قلعة، إلا أن شيبا لا تزال تقاوم، ولن تهدأ أبدًا، ولا حتى من أجل البدائيين. ولا حتى من أجله.

في البداية، اعتقد نوكتيس أن شيبا قد سكنت للنور الجديد، ولكن عندما بدأت إيفا في الارتفاع في الهواء، متجهة مباشرة نحو السحب أعلاه، تمكن نوكتيس من اختراق تيار وعي شيبا، ورأى أن كل تركيزها إنصب على الرجل الذي يجب أن يكون ميتًا.

بعد كل هذه العصور، توقفت عن الحركة من أجله؟

“لماذا لا تزال تحمل رون الفضاء الفائق المكون من 12 غشاءً عندما يجب أن ثكون على الأقل عند 16؟”

كان نوكتيس مشتتًا وهو يتجه نحو روان، ولم يكن يتوقع تمامًا السؤال الذي سأله إياه هذا الرجل الميت.

“ماذا؟” أجاب نوكتيس في ذهول، “أنا لا أفهم.”

خرجت ضحكة مظلمة من المحيط،

“انظر إلى ما أتعامل معه كل يوم يا سيدي، فهو لا يقدر صبري.”

انفتح فم نوكتيس، وأشار بيده مرتجفًا باتهام نحو أعماق القلعة،

“أنت تتحدثين خارج عقلي إلى الغرباء. حتى أنكِ تدعينه سيدًا! أنا سيدكِ، وترفضين الاعتراف بي، ولكن هو؟!”

أقسم نوكتيس أنه شعر بتدحرجة عين من القلعة، كما قالت،

“لم أقل لك قط إنني لا أستطيع التحدث خارج نطاق عقلك يا نوكتيس. لم تحضر قط أي شخص ذي قيمة حقيقية إلى هنا، لذا بالطبع لن أضيع وقتي. صدقني يا نوكتيس، في نهاية هذا، ستناديه بالسيد أيضًا، ولن يكون هناك سوى فائدة لك على المدى البعيد إذا بدأت بالتملق الآن.”

تلعثم نوكتيس بغضب، “أنتِ… أنتِ… جاحدة…” والتفت نحو روان، الذي لم يكف عن النظر إليه، منتظرًا إجابة. شتّم نوكتيس بغضب، “من أنت للجحيم؟!”

تنهد الرجل الميت، “هذا ليس مهمًا، ما يهم هو هيكل هذا القصر.”

رمش نوكتيس بغضب ودهشة. كان يغلي غضبًا، ولم يجد ما يُعبّر عنه. قال بنبرةٍ مُخفيّةٍ من الحلاوة: “ما الخلل في بناء القلعة يا سيدي؟”

عبس روان. “لم تكسب حق وصفي بهذا، لكن هذا أمرٌ آخر في المستقبل.” استدار وأشار إلى البعيد في اتجاهٍ يبدو عشوائيًا. “أترى ذلك الترابط البُعدي هناك…”

نظر نوكتيس واعتقد أنه رأى شيئًا، لكن شيبا كانت معقدة للغاية لدرجة أنه لم يفهم حتى جزءًا بسيطًا مما دخل في تركيبها.

عندما لاحظ روان ارتباكه الواضح، تنهد بعمق أكبر، وفجأة شعر نوكتيس بالرغبة في لكمه.

“الجزء الداخلي من هذه القلعة مصنوع من مُتَعَدِّد شعب غير إقليدي مُضمَّن في فضاء فائق ذي ١٢ غشاء، وهذه هي المشكلة الأولى. أما أساساتها، فهي منسوجة من خيوط المادة المظلمة المُقفلة كموميًا، ومُثبَّتة برموز غامضة من روابط الأبعاد، وهذه هي المشكلة الثانية”. أشار روان ببطء كما لو أنه يُخاطب طفلًا، وكاد نوكتيس أن ينفجر غضبًا.

“هل تعتقد أنه بإمكانك الدخول إلى قلعتي والتحدث بهذه الطريقة؟”

عبس روان ثم رمش، ولدهشة نوكتيس، انحنى قائلًا: “أعتذر إن بدا كلامي فظًا. روحي على وشك الدمار، ووعيي الذي عليّ إستخدامه ضئيل للغاية. أُشير إلى هذه المشاكل لأنها ثغرات تركها على الأرجح البدائيون. إن بقيت، يُمكن تعقب شيبا بسهولة، وسيكون لديهم طريق لدخول القلعة.”

لقد اختفى كل غضب نوكتيس عند كلمات روان، وتحدث ببطء، وكان صوته مثل هسهسة الثعبان، “هل أنت متأكد مما تقوله؟”

أومأ روان برأسه، “لم يعد هناك وقت. سأموت قريبًا، ويجب أن أتأكد من أن النور الجديد آمنا في اللحظات القليلة القادمة. أود أن أريك كل شيء بمزيد من التفصيل، ولكن عليك أن تثق بي وبقلعتك. يمكنني إزالة العفن، ولكن يجب أن يتم ذلك فورًا.”

“استمع إليه، نوكتيس، لقد أشار إلى عدة عقد من الضيق التي كنت أشك في أنها تشكل مشكلة لبعض الوقت، لكنني لم أفهم السبب أبدًا.”

فرك نوكتيس وجهه بانزعاج، “كم أنت متأكد من أنه سيكون قادرًا على المساعدة. إنه على بعد ثلاث لحظات من الموت.”

“لا تكن غبيًا يا نوكتيس، هذا لا يناسبك. امنحه الإذن الآن، وإلا فسأنتزعه منك حتى تتعلم كيف تفكر خارج نطاق غرورك.”

“حسنًا،” هدر نوكتيس، “ولكن إذا تسبب في مزيد من الضرر لمساحتك الداخلية، فلا تأتِ تطلب المساعدة مني. أريد أن أرى كيف يمكن لرجل ميت بروح محطمة أن يُصلح معجزة صُنعت في فجر الخليقة.”

هز روان كتفيه، “لم يتبق لي سوى جزء ضئيل من قوة روحي. لا أعد بالمعجزات بما لدي للعمل به، لكنني سأبذل قصارى جهدي.”

“أفضل ما لديك هو أكثر من كافٍ، يا سيدي.”

أشار روان بيده اليمنى إلى الأعلى، وظهرت شظية صغيرة من روحه، وانفجر نوكتيس إلى الخلف، ووشومه كادت تضغط عليه حتى الموت من الهالة الهائلة التي تشع من الروح التي تم الكشف عنها.

“هذا… هذا جزء من روحك؟!!!”

الترجمة : كوكبة