السجل البدائي - الفصل 1611

الفصل 1611: التحدي الأخير

“أستطيع القتال، ولكن لا يُسمح لي بالفوز!”

كان بإمكان روان أن يقتل عرش البدائي، ولن يؤدي هذا إلى عواقب كثيرة مثل قتل مظهر النور، لأنه جلب الغرض المذهل الذي جلبه كل البدائي إلى الواقع إلى المقدمة.

لقد أخذ البدائيون المفاهيم الأساسية للواقع باعتبارها خاصة بهم، وموت أي منهم يعني أن أحد أعمدة الوجود قد انطفأ.

بمعنى آخر، كانت هذه معركةً استطاع روان خوضها، لكنه لم يجرؤ على الفوز بها لأن نتيجة انتصاره مروعةً للغاية. لم يكن يهم أي بدائي يقتل؛ فالنتيجة ستكون واحدةً دائمًا: نهاية كل شيء.

في نهاية المطاف، كان هذا هو الدفاع الأكثر بروزًا عن البدائيين: أن الوجود كله يعتمد عليهم.

كان روان يعلم كل هذا، لكنه مع ذلك تجرأ على القتال، لأنه يدرك أنه إذا وجد هناك من يستطيع أن يحلّ محلّ البدائيين، فهو هو. منذ اللحظة التي لم يكن فيها سوى أصل روح نجا عبر العصور، ووُهِبَت له أحلام الساقطين، كان مصيره دائمًا أن يحمل الجميع معه.

شعر بجذبٍ في وعيه، وتموج الفضاء أمامه حين استخدمه أحدهم دليلاً. كان الحضور مألوفًا، فلم يقاومه روان.

ومن خلال التموجات في الفضاء، ظهرت امرأة تحمل على كتفها قطة سوداء مجنحة، اسمها سيرسي.

نظرت حولها في حيرة قبل أن تقع عيناها على روان، فانفتح فمها مندهشًا. اعتاد روان على كبت قواه والظهور كبشري، لكن المقربين منه ما زالوا يشعرون بثقل وجوده اللانهائي في أرواحهم.

لقد كان الأمر أشبه بالوقوف بجانب جبل ضخم يخترق السماء، ولم يكن بحاجة إلى الإعلان عن نفسه؛ فوجوده من شأنه أن يجذب أعين وإرادة كل من حوله.

لقد أصبح هذا الوجود شيئًا ثابتًا في قلب سيرسي، مثل الجاذبية أو الحرارة، وباتت معتادة على الشعور بثقل وجوده المألوف في أي وقت كانت فيه في أي مكان بالقرب منه.

لقد كانت صدمة بالنسبة لسيرسي عندما أدركت أن الشعلة المتوهجة أمامها هي صديقها وسيدها.

“من النظرة على وجهكِ، لا بد أنني أبدو حقًا مثل القمامة.”

انحنت سيرسي، “سامحني يا روان، كل الوجود يرتجف من معركتك مع البدائيين، وأنا أعلم أنه سيكون هناك ضحايا،” نظرت إلى حالة روان الحالية ورأس إيفا التي كانت ممسكة بصدره وارتجفت، “ما زلت أقلل من تقدير مدى مرارة المعركة. هل هي… بخير؟”

عبس روان، “هذا ليس الوقت المناسب للتأمل في الماضي. الواقع ينتهي دون تدخلي. هدفي هو تحرير الواقع، وليس إنهائه، وإذا بقيت واقفًا في المسافة، فأنت متواطئ في نهاية كل شيء.”

اقتربت سيرس المضطربة من روان، واندفعت نحوها هالة الموت الشديدة كالصاعقة. لولا القوة التي غمرتها، لانهارت في العدم جسدًا وروحًا.

لا تزال مليارات النجوم المميتة مرتبطة بروان، ولا تزال تستهلك قوة الحياة من لحمه ذي الأبعاد المكسورة، ولم يكن مهمًا كم كان بعيدًا عنهم، فقد تم تشكيل رابط دائم مع نجوم الموت هذه، وحتى يتم اكتساب كل أثر للحيوية التي كان يمتلكها، فلن تتبدد أبدًا.

لقد شقت سيرسي طريقها عبر هالة الموت هذه، وأصبحت شاحبة، ومدت يديها إلى روان،

“أنا مستعد لنقل الذاكرة.”

أمسك روان بيدها، “لن أتمكن من أخذ الكثير منك. لذلك سيتعين عليك تحمل هذا العبء لفترة أطول.”

انحنت سيرسي مرة أخرى، “إنه لشرف لي أن أكون في خدمتك، سيدي.”

ابتسم روان، وتدفقت منه طاقةٌ مُتصلةٌ بالذكريات التي دفنها داخل سيرس. ذكرياتٌ لم يكن هو نفسه يدرك معناها الكامل حتى تلك اللحظة.

[“… يمكنني استخراج بدائي النور، لكننا نحتاج إلى شيئين: تشتيت وطعم فاخر جدًا لدرجة أنه قد يتسبب في فقدان عقولهم.”]

[“نورانيي، وتكوينهم الفريد، وكل الأسرار التي كشفتها عن الماضي، بما في ذلك جميع الألقاب والإردات الفريدة التي أنشأتها”.]

[“هذا… كثير، ولكنه لن يكون كافيًا يا روان. مع مرور الوقت، يمكن إعادة خلق كل هذا، ليس بسهولة، ولكنه ممكن. والوقت هو أكثر الموارد عديمة الفائدة بالنسبة للبدائي.”]

[“ثم، جسدي البعدي، و… روحي البعدية. هذا هو المورد الذي يتوقون إليه.”]

[نعم، لكنني أعتقد أن هذا سيكون مبالغًا فيه. ربما لا تدرك أهمية بنيتك الجسدية وإمكاناتها.]

[“هههههه يا إيفا، إن كان هناك من يفهم إمكانيات جسدي أكثر مني، فأنا أحمق. أعرف قدراته وإمكاناته، لكنني أعلم أيضًا أنه بُني على أسس تأثير البدائيين.”]

[“هذا يجعلها أكثر قيمة يا روان. لديك أفضل ما في العالمين. يمكنك استخدام جوهر البدائيين كحجر أساس لبناء سيطرتك عليهم.”]

[“يمكنني أن أفعل ذلك، أو يمكنني أن أؤذيهم بطريقة لم يتوقعوها أبدًا.”]

[“هل تعني هذه الحرب الكثير بالنسبة لك؟”]

[“هذا كل ما أعرفه. منذ اللحظة الأولى التي تنفست فيها، لُعنتُ بالسعي الدائم وراء ما هو فوق النور. جسدي وروحي البُعديان قويان، لكنهما مبنيان من جوهر البدائيين، وهذا يعني، بطرق لم أكتشفها بعد، أن أيديهم تتحكم في مصيري.”]

[“هذا قدرٌ يمكنكِ محاربته يا روان. أخشى أن التخلي عن كل هذا سيتجاوز قدرتك على التعافي.”]

[“إيفا، أعترف، كوني حامل السجل البدائي جعل من الطبيعي أن أتطور وأُغير قدراتي دون عواقب. لقد مررتُ بتغييرات في مليون عام تفوق ما يمكن لأي كائن حي أن يحققه في مليار عصر رئيسي، لذا أعلم أن ثقتي قد تؤدي إلى هلاكي، لكنني لن أتردد في بذل قصارى جهدي.”]

[روان. تقول إنك تفعل هذا لأن هذا ما ولدت من أجله. لكن هناك أمرٌ آخر. أخبرني وإلا فلن أوافق على هذه الخطة.”]

[“أنا… لقد ضحيتُ بالكثير يا إيفا، ضيعتُ نفسي تحت وطأة أرواح لا تنتهي. قتلتُ حتى كادت دماء أعدائي والأبرياء أن تغرق عوالم بأكملها. شاهدتُ جيوشًا تُقاتل باسمي، ورأيتُ أجيالًا من الأبطال يُضحّون بأنفسهم تحت رايتي. حياتي لا معنى لها أكثر من حياتهم، وإذا كانوا قادرين على التضحية من أجلي دون تردد، فكيف أستحق حبهم إن لم أفعل المثل؟”]

[“لذا، أنت تفعل هذا بسبب الحب.”]

[“نعم، إيفا، أنا أفعل هذا لأن هناك قوة ثمينة للغاية لا يمكن الاستغناء عنها حتى تتلاشى.”]

[“إذا كنتَ تُوافق على هذا الجنون، فكيف لا أبذل قصارى جهدي؟ روان، ستُخرجهم بحياتك، وسأخذك معهم للعدن.”]

****

سحب روان يده من يد سيرسي، فانفجر ضاحكًا. تراجع خطوة إلى الوراء وتمتم بكلمات لا يفهمها إلا هو. أخيرًا، نظر روان إلى سيرسي،

“سأطلب منكِ مغادرة هذا المكان، لكنني أعلم أنكِ لن تفعلي. لذا قفي على بُعد ملايين السنين الضوئية من هذا المكان، ولا تُمعن النظر فيما سأفعله، وإلا ستهلك روحكِ وتتحد مع النور.”

تنهد روان، وهو يسلم سيفه إلى سيرسي، “احتفظي به في مكان آمن؛ عندما يحين الوقت، سآتي لأقتل مدمري. الآن انصرفي ولا تنظري إلى الوراء حتى تبتعدي عن هنا.”

وقال هذا، استدار روان ومد يديه فوقه كما لو أنه يمد يده إلى الفراغ، ثم سحب شرارة صغيرة من الفراغ، وكانت تلك الشرارة هي الضائع، الشث كان نائمة في قلب الشرارة.

ابتسم للطفل الذي لا تزال آثار دهون طفولته على خديّه. من الأفضل له أن يجمع كل قطع الشعلة المفقودة، لكنه لم يكن متأكدًا من عدم العبث بها.

لقد اكتسب الضائع من خلال عمل تحدٍ مع السجل البدائي، بعيدًا عن أنظار باهاموت والبدائيين، ومثله، كان على الضائع أن يؤدي معجزة حتى بأقل ما تم منحه له.

“التحدي الأخير.”

دفع روان الشرارة إلى قلب إيفا، التي كانت، حتى لحظة وفاتها، تُجسّد تمامًا جميع مفاهيم بدائي النور. تركها حين انفتحت عيناها فجأةً، وانبثق منهما نور.

الترجمة : كوكبة

———

وادعا الضائع كنت من افضل الشخصيات