السجل البدائي - الفصل 1582

الفصل 1582: لقاء النور

القطاع السماوي – مقر الفيلق.

كان المنشئ السماوي شومييل غارقًا في اجتماعات لا تعد ولا تحصى خلال الأشهر القليلة الماضية، وحتى صبره السامي بدأ يصل إلى حدوده.

كان وضعه الحالي مُرهقًا للغاية، إذ غالبًا ما يضطر للجلوس على الهامش والإجابة على الأسئلة الموجهة إليه، وهذا نادرًا ما يحدث. لقد عرف بـ”المطرقة”، وفيالقه تُمثل ميوله. كان محاربًا، ويكره المداولات والسياسات التي لا تنتهي في شؤون السلطة العليا للتسلسل السماوي.

في هذا الوقت، تركز الحوار على اللوجستيات، وهو جانب أساسي في أي جهد حربي، ولذلك فقد تحمل أشهرًا من المداولات.

فضل شوميل أن يكون في الميدان، يُفكّر في معركته الأخيرة مع سامي التنين الغريب الذي نجح في تفريق تجسده حتى عندما يفترض أن يكون ذلك مُستحيلاً، رغم ضعف تجسده. فإن هزيمة سامي قديم حديث العهد لمنشئٍ سماوي أمراً مُخزي للغاية.

كان هناك العديد من الأشياء الغريبة حول تلك المعركة، من التكيف السريع لسامي التنين إلى مستواه البعدي الجديد إلى سلاحه القوي وغير المعروف.

ذلك النصل، ما اسمه؟ نصل ضوء القمر الأحمر. لم يكن شوميل بحاجة للكثير، لكن ذلك النصل كان مميزًا، ولولا وجوده في تلك المعركة، لقتل بسهولة سامي التنين ذلك عشر مرات.

أراد شوميل ذلك النصل، وبدأ عدد كبير من متتبعيه من فيالقه التسعة يجوبون أرجاء الوجود بحثًا عن سامي التنين. إذا كانت الحرب قادمة، وكل المؤشرات تُشير إلى أنها قادمة بالفعل، فقد أراد ذلك النصل في ترسانته. فتأثيره الشبيه بمصاصي الدماء، والذي يسمح لهذا النصل بأن يزداد قوة، من بين أفضل ما واجهه على الإطلاق.

وفقًا لآخر الأخبار، وُجد سامي التنين في أعماق عالم دماء الفوضى، يُهيّج ملايين العوالم ويقتل عددًا لا يُحصى منهم. أصبح اسمه لعنةً على ألسنة العديد من تلك المخلوقات الشريرة، ومع ذلك لم يطيق شوميل الانتظار ليُنقذهم.

لو لم يكن عالقًا في هذا التجمع، لكان هناك يُقاتل سامي التنين هذا ويستعيد شرفه ورأسه المفقودين. لم يكن شوميل يُحبّ حصد الجوائز، لكن سامي التنين هذا جدير بأن يُوضع في غرفه. منذ بداية العصر الأسمى وحتى يومنا هذا، لم يكن هناك سوى ألف رأس على جداره؛ وهذا كافٍ لإثبات أن سامي التنين سيكون بين رفاقه المُقدّرين.

تنهد المنشئ السماوي، مدركًا أن وجوده هنا ضروري؛ فبقدر ما أحب متابعة أجندات أنانية، كانت الحقيقة التي لا جدال فيها أن الواقع يتغير، وكل حقيقة تشير إلى وجهة واحدة: الحرب.

حربٌ شديدةٌ لدرجة أنها قد تُصبح حربًا تُنهي عصرًا كاملًا بسبب الحركات المُختلفة التي تُرصد في المجالات البدائية المحيطة. لا يُمكن إهدار الجهود غير المُجدية على تفاهات، وعليه أن يكون مُتاحًا في موقعه عند الحاجة.

كل هذا بدا سخيفًا لو فكر فيه لفترة طويلة؛ كان العصر الأسمى صغيرًا جدًا، ونهايته تدق الأبواب بالفعل.

كان شوميل موجودًا عندما أعاد البدائيون صنع الواقع، وعلى الرغم من أنه يعلم أن المواجهة النهائية بين جميع المجالات البدائية ستحدث في المستقبل، إلا أن هذا المستقبل من المفترض أن يكون بعيدًا جدًا لدرجة أنه من المستحيل تقريبًا تعيين رقم محدد له.

بين أعدادهم الموقرة كمنشئيين سماويين، توجد هناك بالتأكيد شائعات حول خطط عظيمة وضعها البدائيون في بداية العصر الأعلى والتي ستستغرق وقتًا طويلاً بشكل استثنائي لإكمالها.

اعتقد بعض من أكثرهم ذكاءً أن الأمر مرتبط بانتشار الأبعاد من عدد لا يحصى من الخالدين ذوي الأبعاد العليا الذين ينبتون مثل الأعشاب الضارة؛ ومع ذلك، كان من الصعب معرفة العلاقة بين هذه الأبعاد الجديدة ونهاية هذا العصر.

لم يكن روان ليُفاجأ أنه بين المنشئين سماويين؛ فقد بدأ بعضهم يستنتج الحقيقة بين الأبعاد الجديدة ونهاية الواقع؛ لقد علم أن منشئي السماء من أقوى الخالدين في الواقع. كانت إيفا واحدة منهم في يوم من الأيام، وسيدة الظلال شخصية استثنائية.

لم يكن شوميل الوحيد المذهول من هذا التطور، وكان متأكدًا من أن آخرين ما زالوا مذهولين من خبر الحرب هذا. منذ بداية العصر الأسمى وحتى هذه اللحظة، لم يمضِ سوى ألف عصر صغير، وألف دورة حياة كونية، وفجأة، أصبح خطر النهاية واضحًا في الأفق.

وعلى الرغم من كل هذا، لا يزال شوميل يكره الجلوس هنا عندما كان ينبغي له أن يكون بالخارج للصيد والقتل.

لم يسبق له أن رأى اجتماعات كهذه تُثير قلقه بهذا القدر، ولكن ذلك لأنه كان بإمكانه بسهولة إرسال تجسيد أو أيٍّ من ملوكه ليحل محله. لن يُهمّه الأمر لو عُقدت ملايين الاجتماعات على مدى عقود؛ فبالنسبة له، لم تكن تستحق كل اهتمامه.

كانوا في زمن حرب، ولم تعد هذه التوجيهات المتساهلة سارية. كان لا بد من حضور كل اجتماع شخصيًا، وكان من المتوقع التزام كامل وتركيز.

“… لا يكفي عدد المدمرين، هذا ما كنتُ أقترحه دائمًا، وهذه الأخبار الاستثنائية عن الحرب جعلت مطالبتي في الصدارة أكثر من أي وقت مضى. سألتمس من الأركونات واهتمامك أيها القاضي. سأكون قادرًا على استخراج المعادن السماوية من مليار عالم من النور، والتي تم زراعتها بعناية على مدى العصور الثلاثة الصغرى الماضية. بالتأكيد، سيكون ذلك كافيًا للدفع نحو مدمرين. أطلب الإذن بالإشراف على الربع الشمالي من مجموعات إيسينيا. لا شيء يجب أن يؤخر هذه العملية.”

صدى صوت نارييل، المنشئ السماوي القديم بشكل خاص والذي كان معروفًا جيدًا بين دوائرهم بجشعه وشغفه غير المحدود بموقف العرش.

إذا كانت الحرب قادمة، فإن نارييل لديه فرصة للحصول على الكثير منها لأنه يمتلك سابع أكبر فيلق وهو مسؤول عن عدد لا يحصى من العوالم السماوية.

يتغير منصب الحاكم باستمرار كل بضعة عصور صغرى، وإذا اندلعت هذه الحرب الكبرى وهو لا يزال يشغل هذا المنصب، فسيكتسب نفوذًا هائلًا. ولن يكون هناك حاكم جديد لفترة طويلة، حتى بعد انتهاء الحرب.

لفت انتباهه ذكر الربع الشمالي من مجموعات إيسينيا، إذ كان يتمركز فيه الجزء الأكبر من فيلقه. هل يُعقل أن نارييل، في هذه المرحلة، يحاول انتزاع سلطته منه، إلى جانب مخلوقات سماوية أخرى متمركزة هنا أيضًا؟

استيقظ شوميل من نعاسه، وألقى نظرة خاطفة على قاعات الاجتماعات. قد يُطلق على هذه القاعة اسم مجرة بأكملها، لكن هذا المكان هو قاعة صغيرة للأفراد بداخلها.

تقع هذه الغرفة بالقرب من قمة مدينة النور السماوية، وقد غطاها ضباب ذهبي احتوى على تريليونات من النجوم الزرقاء وأسلحة ساميية لا تُحصى أكبر من النجوم. كان كلٌّ من المنشئين السماويين هنا ضخمًا لدرجة أن هذه النجوم بدت كبذور الخردل تطفو حوله.

الترجمة : كوكبة