السجل البدائي - الفصل 1554

الفصل 1554: القطعة الثانية من الشعلة

داخل عمود النار ذاك، كانت الساحرة المسؤولة عنه على وشك الموت؛ لم تستطع قوى سلالتها أن تكبح جماح هذا الاحتراق إلا للحظة وجيزة قبل أن ينفد آخر ما تبقى منه، ويختفي عمود اللهب. استُنفدت روحها، ولم يعد لديها أي عالم ذي أبعاد أعلى تطلب منه الدعم؛ ومع ذلك، فقد وقع الضرر.

تمزقت حفرة هائلة، عمقها ملايين الأميال ومحيطها ألف ميل، على سطح المملكة. في قاعها، أمكن رؤية لمحات من ضوء الشمس من خلال الشقوق. لو لم ينهار العمود المشتعل عندها، لأذاب حفرةً امتدت مباشرة إلى الشمس.

ولكن الأرض كانت على بعد لحظات من الانهيار، وأي عمل ثقيل عليها من شأنه أن يحطمها، ولكن شخصيات حراس اللهب الراكعين أو على وجوههم لم يفكروا في هذا الأمر.

ثلاثة من حراس اللهب العشرة الذين جاؤوا لأندار ماتوا؛ كانوا سحرة من البعد الرابع، لكن توجيه كل تلك القوة عبر أجسادهم حوّل أجسادهم وأرواحهم إلى رماد. أما الستة الباقون فكانوا أقوى، جميعهم في مستوى البعد السادس، لكنهم استخدموا جميع تعاويذ التعافي لاستعادة لياقتهم القتالية.

لم يكن أحد يعلم أن حارسة اللهب بجانبهم تملك القدرة على التحكم بدروعهم، مما وضعهم في موقفٍ يُجبرهم على القتال من أجل حياتهم. لم تعد أكبر مشكلةٍ واجهوها في هذا الأسر هي هدفهم، بل أحد أفرادهم.

اختفت الكرة الفضية التي تحوي جسد أندار، وتبخرت إلى العدم من تلك اللحظة الحارة للغاية. مات أندار؛ كان خالدًا من البعد السادس، لكن هذه الشعلة لازالت كافية لتدميره تمامًا. احترق أساسه بالكامل، ولم يعد الساحر الذي وقف قبل فجر عصر جديد موجودًا.

على الأقل، هذا هو ما دار في أذهان حراس اللهب الستة الذين كانوا يتعافون بسرعة من إصاباتهم، حتى وهم ينظرون إلى آخر درعٍ بلا رأسٍ قائمٍ بنظرةٍ كراهيةٍ في عيونهم. كان إحضارها لهذه المهمة خطأً.

كانت مواهبها هي التي جعلتها تصبح أول ساحرة في التاريخ ترتدي درع اللهب على مستوى رئيس السحرة، ولكن من الواضح أنها صغيرة جدًا ليتم تكليفها بهذه القوة، والدمار الهائل الذي أحدثته في لحظة واحدة أكثر مما يمكن لأي منهم أن يستطيع القيام به، والشخص الذي يجب أن يقف وراء هذه الجريمةةأصبح على وشك الموت.

كان رأسها، الذي تم قطعه عن رقبتها، يبتسم؛ لقد تحطمت روحها إلى قطع، لكن موهبتها جعلت جسدها واعيًا بذاته، ومعرفة أنها قتلت أندار، على الرغم من هلاكها بنفسها، لازلت كافية لإعطائها الراحة.

كانت أحشاؤها مليئة بالأشواك والحشرات المحتضرة، حيث أن طبيعتها النباتية تكافح من أجل إبقاءها على قيد الحياة، حتى ولو لثانية واحدة أخرى.

لو علمت أن قتله سيشعرها بالسعادة، لإستخدمت قوة درع اللهب لقتله منذ مائة ألف عام، عندما أصبحت حارسة اللهب لأول مرة وكان عليها أن تشاهد إنجازها يُعتبر لا شيء أمام التوهج المحيط بأندار.

بدأ الظلام يملأ رؤيتها، ورحبت بالموت، لكن شيئًا ما جعل آخر وعيها يرتجف لأن هذا الظلام لم يكن طبيعيًا.

كان لديه أجنحة وعيون تلمع باللون الفضي، والرعب في قلبها اتخذ شكلًا عندما شاهدت هذا الظلام ينزلق إلى درعها، وظهر أندار في الداخل.

“لا…. لا…. لا…. لا!!!!!”

مرتديًا درعًا لا ينبغي أن يلامس جلده، رفع أندار يديه المغطاة بالقفازات وأعجب بهما. نظر إلى رأس المرأة المحتضرة وأومأ إليها.

“شكرًا لكِ على استحضار قوة كهذه؛ وإلا لما نجحتُ أبدًا. معرفتكِ بهذا الدرع في فترة قصيرة من ارتدائكِ إياه جديرة بالثناء. دعيني أتولى الأمر من هنا.”

اهتز رأس المرأة من الغضب، وانفتح فمها على اتساعه مثل التمساح، ممزقًا آخر قطعة لحم على وجهها وهي تصرخ بصراخها السابق من التحدي، ثم تلاشى التوهج الأحمر في عينيها.

في لحظاتها الأخيرة، رأت أن أندار قد أتقن درع اللهب وتفوق عليها في السيطرة في ثوانٍ معدودة. لم يكن إنجازها الوحيد أمامه شيئًا، ومع وصوله إلى درعها، ماذا سيفعل أكثر من ذلك قبل أن تموت؟

“الكراهية… الكراهية… الكراهية…” كانت الحشرات التي لا تعد ولا تحصى داخل رأسها تصرخ بينما تهلك، وعندما سقطت آخر واحدة منها، انتهت حياتها.

صعد أندار نحو الرأس، وتأمل الوجه المشوه للحظة قبل أن يسحقه تحت كعبيه المدرعين، فانبعثت من قدمه شرارة من اللهب حوّلت البقايا إلى رماد. كانت مواهبها منحرفة بشكل مخيف، ولم يكن متأكدًا من موتها إلا بعد أن اختفى أثرها.

قد يظن أي شخص أن المواهب الفائقة يكاد يكون من المستحيل القضاء عليها، مثل أندار، الذي كادت قدرته على “إنعاش” نفسه باستخدام حالة بياناته، حيث تحول إلى بيانات خالصة، أن تجعله غير قابل للقتل. لكن نجاته من ذلك الانفجار كلفته ست “إنعاشات”.

مع وجود تسعة فقط من هذه “الإنعاشات” في قبوه، إذا حدث أي انفجار مثل هذا، لم يكن أندار متأكدًا من أنه سيتمكن من النجاة منه.

نظر إلى داخله فرأى أن أمامه خمس عشرة ثانية على الأكثر قبل أن يستقر هذا الدرع في مكانه ويقتله. لقد حركه فقط باستخدام بقايا خلايا الساحر المجهول، والتي سرعان ما ستنفد. لم يكن بإمكانه تقليد بنيتها الفريدة، بل حرقها فقط.

التفت نحو أعضاء حراس اللهب المذعورين الذين لم يستعيدوا قوتهم بعد، ابتسم وحول راحتيه نحوهم، حيث بدأ مليون رمز صغير مصنوع من مادة الدرع في التشكل.

لم يكن لدى السحرة الستة الوقت الكافي للتعرف على م يحدث عندما تحطمت الدروع المحيطة بأندار إلى قطع، لكن كل قطعة إندفعت نحو حراس اللهب بسرعة ساحقة، وقطعتهم إلى قطع، مما أدى إلى مقتلهم جميعًا.

كان وزن دروع اللهب يعني أنه، بينما تمزق أجسادهم، تفعل الشيئ نفسه لأرواحهم وأبعادهم أيضًا. قدّمت دروعهم مقاومةً بائسةً ضد المادة العليا نفسها، ولم يتوقعوا أن يُدمّر أندار البدلة التي دفع ثمنًا باهظًا للحصول عليها.

لكن كل هذا ضروري إذا أراد المطالبة بجائزته.

في صدر أندار كان هناك شعلة صقيع الحزن، وهي شعلة رمادية زرعتها الساحرة التي لم يعرف إسمها، لكنه علم أن هذه قطعة أخرى من الشعلة الأولى.

مهما كان ما يحدث، لم يعد روان يتصرف بحذر، وعندما سنحت له فرصة الحصول على قطعة أخرى من الشعلة الأولى، انتهزها. لم يكن لدى إنديريوس وقتٌ لاستيعاب ما يحدث تمامًا، لأن الوحش البدائي لم يستطع التنبؤ بفعل روان بإطلاقه هذا القدر الهائل من الأثير البدائي إلى الواقع، وقبل أن يبدأ بتغيير خططه، كان على روان أن يحقق أقصى استفادة ممكنة.

داخل صدره، شعر أندار بأن الشعلو تختفي، وقد أخذه التشكيل المجهول في قلبه، وظهر طريق في ذهنه يؤدي إلى أعماق العالم.

لقد حان الوقت لمواجهة إنديريوس.

الترجمة : كوكبة