السجل البدائي - الفصل 1505

الفصل 1505: خريطة الواقع

لم تبدو سيرسي مندهشة من ظهوره غير المتوقع – ارتباطها بروان أعمق مما يتوقعه أو يفهمه معظم الناس، لكن أرخميدس قفزت تقريبًا من جلدها، وهي تصدر صوت هسهسة مثل أفعى خائفة، ضربت كيرين البرق أجنحتها السوداء الصغيرة بانزعاج، وخرجت صواعق البرق الزرقاء التي أضائت المناطق المحيطة بها قبل أن تتلاشى إلى شرارات غير ضارة، نظرت بعيدًا مع القليل من النفخة، كان سلوكها غير لائق لكائن من أبعاد أعلى، فكرت أرخميدس في اليأس.

“أهلاً بعودتك يا روميون، وأعتذر عمّا سيحدث لمايف، وأثق أنهم سيدفعون ثمن هذه الجريمة دماً وصراخاً. كل ما طلبته مُعدّ يا سيدي.”

تحدثت سيرسي بهدوء، ولم يكن من الممكن احتواء لمحة النار في صوتها، ونظرت إليها أرخميدس في حيرة، ولم تفهم الكلمات الكاملة التي نطقتها سيدتها،

“غرفة الحرب جاهزة للإشراف.”

أومأ روان برأسه، واختفت الابتسامة من وجهه، كان يحاول دائمًا إظهار صورة اللطف عندما يكون مع أطفاله، مخفيًا الغضب والألم داخل قلبه، لكن ارتباطه بسيرسي يعني أنه لم يكن بحاجة إلى القيام بذلك، لأنها فهمته.

“قودي الطريق.”

انحنت سيرسي واستدارت، وكان فستانها الأزرق يدور حولها مثل وردة متفتحة بينما بدأت تتجه إلى عمق قصر الخمر، كان هذا المبنى صغيرًا من الخارج، لكنه ضخم للغاية من الداخل، حيث يحتوي على مناطق لا يمكن للآخرين الوصول إليها بسبب إستخدام الأساسيات التي كانت مرتبطة بقدرة روان على طي مساحته البعدية في منطقة صغيرة مع الاحتفاظ بكل حجمها الداخلي.

بعد المرور عبر العديد من الممرات والأبواب التي من شأنها أن تربك عقل الخالد العادي على الرغم من أن هذا لم يكن الهدف من إنشائها، قادت سيرسي روان أخيرًا إلى باب خشبي عادي كان مشابهًا للمئات من الأبواب التي مروا بها على طول الطريق وفتحته أثناء التوجه إلى الجانب.

ومض شيء ما لفترة وجيزة على سطح الباب، وكانت صورة برج الجشع، كنز روان على مستوى الزمني الذي دمجه مع هذا الباب استعدادًا لما سيأتي.

لقد ضمن هذا أن كل شيء داخل هذه الغرفة ظل معزولًا عن التدفق الحالي للوقت والمكان، ولأنه كان كنزًا على مستوى المصدر، فقد مُنعت الذاكرة والقدر والمصير من دخول هذا المكان.

إذا بحث أي شخص عن هذه الغرفة، فلن تكون موجودة، وأراد روان أن تظل على هذا النحو.

داخل الغرفة، كانت هناك طاولة كبيرة بدت وكأنها مصنوعة من الخشب، بالإضافة إلى عدة كراسي مماثلة متجمعة حولها. كانت هذه الطاولة مشابهة في تصميمها للطاولة التي ظهرت في رؤيا موت بدائي الزمن، وقد أعاد روان تصميمها كبادرة رمزية.

إذا قُتل أحد البدائيين على طاولة مثل هذه، فسيكون ذلك بمثابة تذكير قوي بالمهمة التي كان على وشك القيام بها، والتي سيضطر فيها إلى قتل البدائيين.

توجه روان إلى رأس الطاولة وجلس على الكرسي وألقى نظرة إلى الوراء قليلاً عندما لاحظ أن المقعد كان يتحول بشكل خفي ليناسب هالته.

من الخشب، بدأت مواده تتحول إلى اللون الداكن حتى أصبح له ملمس الفحم، ومع ذلك كانت متناثرة في جميع أنحاء شكله خطوط ذهبية شاحبة تشبه الفروع التي كانت ملفوفة حول الكرسي بأكمله – الخلق في وسط الدمار.

نظر روان إلى جانبه حيث كانت سيرسي واقفة، يداها مطويتان أمام بطنها، وأرخميدس مستريحًا على كتفيها، وتنظر إلى روان بعينين متشوقتين. لا ينبغي أن تكون كيرين البرق هنا، فسرعان ما ستكون القوى التي سيطلقها جبارة لدرجة أنها ستدمرها جسديًا ونفسيًا لمجرد قربها منه، لكن بعد أن رأى حماسها، قرر تركها تبقى لأطول فترة ممكنة.

طرق روان على الطاولة بإصبع السبابة من يده اليمنى وتحدث بصوت عالٍ،

“دعونا نرى ما لدينا.”

وبدا أن الهواء تحول عندما سمع صدى صوت قوي، وتحولت الطاولة أمامه إلى صورة الواقع.

لو كانت هذه الصورة ثابتة، لكان من الممكن اعتبارها إنجازًا هائلاً، لأنه حتى القدماء لم يتمكنوا من الادعاء بأنهم رسموا خريطة للواقع بأكمله، لكن روان اتخذ خطوة أبعد وجعلها ديناميكية، فقد كان ينظر إلى الحالة الحالية للواقع بأكمله في لمحة!

حسنًا، لا ينبغي له أن يقول بأكمله، فقد كان ذلك في الغالب مجرد سطح للواقع، ولكن لا يزال من المذهل للغاية رؤيته.

كان بإمكانه سماع صدمة كيرين البرق التي أصبحت عيناها مفتوحتين على مصراعيهما لدرجة أنه لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى تنزف، وبعد فترة قصيرة، أصيبت أرخميدس بالعمى، لكنها رمشت بعينيها بعنف، وسكبت الجوهر فيها حتى تتمكن من الشفاء ثم عادت إلى التحديق في الواقع برهبة في عينيها.

بدأت عاصفة خفيفة تحيط بالقطة السوداء ونظر روان بتقدير ومفاجأة عندما بدأت كيرين البرف في الاختراق.

لقد مرت ستمائة ألف سنة بالكاد عندما حققت اختراقها إلى البعد الرابع، ومع مواهبها، من المرجح أنها ستحتاج إلى عشرات الملايين من السنين على الأقل للوصول إلى البعد الخامس والذي هو على نطاق واسع من الواقع لا يزال وقتًا قصيرًا جدًا، لكنها اكتسبت لقاءً محظوظًا اليوم حيث رأت الواقع منتشرًا بطريقة قد لا يشهدها حتى القدماء في حياتهم.

كان هذا المنظور الذي أظهر الاتساع الحقيقي للفضاء كافياً لتحفيز تحول في فهمها للبعد الخامس، وكان أكثر من كافٍ لتعزيز كيرين البرق إلى مستوى البعد الخامس.

ابتسم روان للتغييرات التي حدثت داخلها، مدركًا أنها ستنجح في اجتيازها دون أي خطر، وأشار إلى سيرسي لتأخذ أرخميدس إلى مكان آمن من أجل ترقيتها والمحنة، ثم استدار نحو الطاولة.

كان قصر الخمر يحتوي على أبعاد عديدة يمكن لأرخميدس الصعود إليها بأمان، وكل باب خشبي مدعومًا بطاقة برج الجشع، مما يؤدي إلى أبعاد صنعها روان بعناية شديدة، لأنه لم يرغب في تلويث أي من مسكنه الشخصي بلمسة من الفضاء الطبيعي، كان هذا ببساطة سيسمح لبدائي الفوضى بإلقاء نظرة على عملياته.

انحنت سيرسي تجاه روان قبل أن تغادر، وحملت أرخميدس على عجل، الني بدأت جسدها في التشنج عندما بدأت قذيفة من البرق الأزرق تغطيها.

كانت سيرسي قد نظرت أيضًا إلى الواقع المنتشر أمامهم، لكن لم يكن لديها الكثير من رد الفعل على الرغم من عدم لمس الأبعاد العليا، وعرف روان أن ذلك بسبب أن الوزن الذي تحملته كان أكبر مما تم عرضه هنا.

لقد حملت جزءًا كبيرًا من ذكرياته وهي قوى على مستوى البعد السادس وما فوق، وتحملها يحتاج قوو أذهلتّه.

الآن، بعد أن أصبح وحيدًا مع خريطة الواقع، سمح روان لعقله بالغرق فيها، بينما نظراته تتجه نحو جميع المجالات البدائية في نفس الوقت.

الترجمة : كوكبة