السجل البدائي - الفصل 1448

الفصل 1448: الروابط الخفية

انحنى روان برأسه، وغطى شعره الأخضر الطويل وجهه مثل الكفن، ومع الريح النجمية التي ضربت جسده جعلت شعره يرقص وأعطته وجهًا خالدًا مكسورًا، ضائعًا منذ فترة طويلة من أحضان النور، وعندما بدأ يتحدث، أطلق تلميحًا من الجلالة التي احتفظ بها داخله، لم يستطع مساعدته، بدأ صبره ينفد، وسحر صوته كل من سِيد وإلورا،

“لقد أريتني ذكريات الماضي، ذكريات أبنائك الكثر الذين غامروا بخوض غمار الذاكرة، وسقطوا جميعًا، وضعفهم أبعدهم عن مسار الأبعاد العليا، لكنني أعتقد أنك في سعيك لصنع قديم مثالي بعدك، أضعتَ شيئًا مهمًا، أو ربما لم تكن لديك القدرة على رؤيته. أركتوروس، ابنك البكر، رأيتُ وجهه؛ عرف عندما رأى ذلك المحيط الأخضر أنه سيفشل. إن ضخامة عقلٍ واسعٍ كعقل البدائي أمرٌ لا يمكن لأحدٍ إدراكه، ومع ذلك اختار الدخول، حتى مع علمه أنه سيفشل”، توقف روان قليلًا حين تسللت منه ضحكة مكتومة. لقد رأى هذا المشهد مراتٍ لا تُحصى على مر السنين، لكن شيئًا كهذا لم يفشل أبدًا في لفت انتباهه، القلائل الذين لديهم الشجاعة للسير في الهاوية دون خوف، ليُصارعوا الأبدية.

“كل أبنائك الذين لا ترى إلا إخفاقاتهم، أرى قوتهم؛ لم تولد فانيا أبدا؛ قد تظن أنك تفهم ما يعنيه الأمر، لكنني أظن أنك في أعماق قلبك تعلم أنك لن تفهمنا أبدًا. لقد ساروا في المحيط يا سِيد؛ لم تدفعهم؛ لقد قرروا الموت على إيمانهم بالمسار الذي اختاروه؛ فليكن هذا خياري. لا تحرمني من هذا، وإلا ستعاني ألمًا شديدًا بين يدي، حتى أن السماء العليا ستبكي على مصيرك.”

كانت كلماته ثقيلة في الهواء، وعلى الرغم من أن روان كان يأمل أن سِيد سوف يتخذ الاختيار الصحيح، إلا أنه لم يتوقع أن تسير الأمور وفقًا لإرادته.

كان هذا القديم قويًا جدًا وعنيدًا بنفس القدر؛ قبل وصوله، كان كلاهما قد اتخذ قرارًا بالفعل، وكان يعلم أنه قبل أن يسمحا له بالمغامرة في بُعد الذاكرة هذا، فإنهما سيقضيان على كل احتمالية لانهياره.

على الرغم من أن كل الدلائل تشير إلى أن هذا هو المسار الذي سيتجهان إليه، إلا أنه لم يستطع السماح لهم بالمضي قدمًا في هذه الخطة لأنه علم ما كان سِيد على وشك القيام به بعد ذلك، وخشي أن يسبب له مثل هذا الشيء ألمًا يهزه إلى الصميم.

لقد شعر روان باختفاء روح مايف، لكن جوهرها كمهيمنة لا يزال قائماً، الكوكب الضخم الذي احتفظت فيه بجميع رعيته كأمير لتريون والعديد من الفانين الذين جمعهم على طول الطريق كانوا جميعًا محفوظين في جوهرها والذي هو في شكل كوكب ضخم لم يكن بعيدًا جدًا عن هنا.

حتى مع موت مايف، كان جوهرها لا يزال قويًا للغاية وسيحمي هؤلاء الأشخاص لعدة عصور صغيرة، وإذا سمح لسِيد بالمضي قدمًا وفقًا لخططه له، فإن هذا الرجل العجوز سيذبح الجميع على هذا الكوكب ما لم يوافق روان على اتباع مسار محدد، وهذا شيء لم يكن ينوي القيام به.

لقد عاش حياة حيث سمح لقلبه أن يحكم، ثم فقد روحه، وبعد ذلك عاش حياة بلا روح حيث حكم رأسه أفعاله، وبفضل معجزة إرادته، كان قادرًا على استعادة روحه، وهي روح كانت أقوى من أي خالد يحق له الحصول عليها، ولم يكن هناك طريقة يمكن أن يقلل بها روان من نفسه لإرضاء شروط الخالدين الأقل شأناً الذين لا يستطيعون تخيل نوع القوة التي يتحكم فيها.

أشار سِيد، فانكمش العالم الهائل المملوء بعشرات المليارات من الفانين حتى استقر فوق كفه، ثم مال برأسه جانبًا كأنه فضول، “أنت مقيد، وقلبك بين راحتيّ؛ تمر بآلامٍ تُمزق عقل خالدٍ أقل شأنًا، وكل هذا العبئ كفيلٌ بإغراقك، ومع ذلك ما زلت تريدني أن أؤمن بك؟ ألن يكون من الأفضل لو بذلتُ قصارى جهدي لتختار، حتى يمنحك طريقك الفريد فرصةً للنجاح؟ إما أن تدع قلبك يحكمهم ويعيشوا جميعًا، أو أن تحمي سرك وتتركهم يموتون؛ هذان هما الخياران أمامك. أوه، وأعتقد أن هناك خيارًا أخيرًا؛ أن تختار الخروج من هنا وعدم تجاوز مستوى البعد الخامس أبدًا.”

ارتعشت عينا روان، “أنا كاسر يا سسِيد؛ لا أتبع قواعدكم، وحالما أغادر هذا المكان، ستثور أرض المعجزات بأكملها وتنقض عليّ. لا تتجاهل تحذيراتي يا سسِيد. إلورا، أنتِ تعرفينني، كنتِ فانية ذات يوم، لا تتبعيه في هذا الطريق.”

“لعله محق،” صاحت إلورا فجأة، “إذا كان يؤمن حقًا بقدرته على اتباع مساره، فربما علينا منحه تلك الفرصة. لقد رأيتُ بعضًا مما فعله كفاني في عالمه يا سِيد؛ قد يكون… مرعبًا لشخصٍ صغيرٍ جدًا.”

“لعله…” فرك سِيد فكيه، “إذا كنتُ سأتخلى عن سلاحٍ عظيمٍ ككاسر مع سلالتي، فعليّ التأكد من أنني فعلتُ كل ما بوسعي.” التفت سِيد إلى روان، ضاحكًا، “أرى ثقتك، وهذا أمرٌ مُثيرٌ للإعجاب، لكنني لستُ مقتنعًا. سأمنحك الفرصة التي تريدها، لقد استحققتها، لكن يجب أن أتأكد من أنني استنفدت جميع الاحتمالات.”

لم يتوقع روان أن سِيد سوف يستسلم بهذه السرعة، وقبل أن يتمكن من الرد، نظر الرجل العجوز إلى العالم بين يديه وتحدث ببطء،

“يا روميون، افهم هذه الحقيقة، أن ثمن عنادك باهظ. هذا العالم، شعبك، سيعانون، وسينادون باسمك، وفي عذابهم، سيدركون جميعًا أنك لا تستطيع إنقاذهم إلا بكلمة واحدة، ومع ذلك لا تفعل. دعني أرى قناعاتك عندما يلعن جميع شعبك في هذا العالم اسمك؛ وأنتَ أنفاسهم الأخيرة. إلورا، استخدمي نصل ذلك الشيء وأضعفي جسده؛ إنه بحاجة إلى أن يشعر بألم حقيقي.”

عبست إلورا، “هل هذا ضروري؟ هناك أشياء كثيرة يمكنه التخلي عنها، لكن تدنيس جسده بهذه الطريقة سيكون…”

“كارثيا؟ مبالغة؟ ابنك عنيد يا إلورا، وبسبب تصرفاته، ظننتُ أنكِ يجب أن تعلمي الآن أن الحلول الوسطية لن تُجدي نفعًا معه. أخرجي ذلك الشيء اللعين. نحن نضيع الوقت، ولن يقبل الإلدار أبدًا كاسرًا أدنى من مستوى البعد الخامس مع سلالتي. لن يحظى بأي احترام أو اعتبار، وحتى لو كرهني بسبب هذا، فكل شيء في مصلحته.”

زمجر روان بغضب، “ يا الهـي ؟ لماذا لا أتخذ هذا الاختيار من أجل…”

“اصمت يا صغيري،” أشار سِيد، وأغلقت الأحرف الرونية المعدنية فمه، “سوف تصرخ بعد قليل، وتحتاج إلى كل الطاقة من أجل ذلك.”

“إذا كنت تصر،” قالت إلورا وغرست يدها في طيات الفضاء، وأخرجت قطرة دم ضخمة أحرقت مثل شمس حمراء وكاد روان أن يصاب بالاشمئزاز عندما أدرك أن هذا الدم جاء من أحد أعدائه المكروهين، كين.

تموج الدم، وانبعثت منه ضحكة خافتة تفوح منها رائحة الجنون والانحلال، ولو لم يكن فم روان مقيدًا، لصرخ في وجه إلورا، سائلًا إياها عن مكان جمعها لهذا الدم أو عن نواياها به. كان هذا الدم حيًا بطريقة توحي بأنه لم يُسرق أو يُصادر، بل أُعطي. فجأة، بدأت أمور كثيرة تتضح له؛ بدأت روابط لم يرها من قبل تصطف؛ حقيقة أنه في جميع الأكوان التي وُجدت في الظلام العظيم، تمكن كين من العثور على كونه، ولا يزال لديه روابط مع غولغوث، الملك السامي، في نفس الكون الذي كانت إلورا فيه.

انكمش الدم أمام إلورا، وتحول إلى سيف طويل، ونظرت إلى روان وقالت، “استعد، أستطيع أن أعدك، بغض النظر عن الألم الذي تعتقد أنك قد عانيت منه في الماضي، فهذا أسوأ،”

قالت هذا، وغرزت النصل في جبين روان حتى انفجر من عموده الفقري. برزت عينا روان، ورغم المشابك في فمه، صرخ.

الترجمة : كوكبة