السجل البدائي - الفصل 1432

الفصل 1432: ثقل الحقيقة

للكلمات قوة، بعضها أقوى من غيرها، والكلمات التي كان روان على وشك النطق بها هنا، تعتبر أقوى مما يحق لأي من الخالدين هنا سماعه في مرحلتهم، وربما حتى في ذروة حياتهم. من المحتمل جدًا أنهم لم يسمعوا أبدًا نصف ما كان روان على وشك إخبارهم به، ومع ذلك، لم يتمكنوا من مساعدته في خوض معاركه، إذا لم يفهموا نوع المعركة التي كانوا يخوضونها.

ولاكن، كان لا بد من وجود توازن دقيق بين ما أخبرهم به وما لن يخبرهم به أبدًا لأن بعض المعلومات كانت خطيرة للغاية في عقول أولئك غير المؤهلين لحملها. ومن الأمثلة على ذلك الوحش البدائي، ديفوس. كانت هذه كائنة تم مسح كل ذكرى لها من قبل البدائيين، وإذا أخبر أي شخص هنا باسمها، فسوف يفسد على الفور بتأثيرها، ومن خلالهم، ستستيقظ ديفوس الوحش البدائي ببطء من سباتها وتعود إلى الواقع.

إن إيقاظ ذكرى بتلك القوة في عقل خالد سيكون كارثةً على الخالدين، ولن تستطيع حتى إيفا تحمّل ثقل تلك الذكرى، وحده روان كان قادرًا على حمل كل ذلك الثقل في وعيه. كانت هناك أعباءٌ معينة، مهما رغب في مشاركتها، ستبقى معه إلى الأبد، لأنه الوحيد القادر على حملها.

“بصفتنا كاسرين، في لحظة ميلادنا، ينزل علينا شيء يُسمى “التفرد”، ويمنح كل كاسر قدرات خاصة تُعزز الإمكانات التي وُلِد بها. لا أستطيع إخباركم بقدرات “التفرد” الخاص بي حتى لو أردتُ، ولا أستطيع حتى إخباركم باسمه. بعض الحقائق خطيرة جدًا لدرجة يصعب مشاركتها، ومعرفة ما قد تفعله قد تُزعزع استقراركم النفسي أكثر من أي سم. ما عليكم سوى أن تعلموت أنه إذا صادفتم كاسرًا، قبل أن تُسيطروا على كامل إمكاناتكم، فعليكم الفرار، لا تُواجهوه، وإلا ستخسرون.”

وبينما استمر روان في الحديث، كانوا جميعًا متجمدين في مكانهم، بما في ذلك إيفا، حيث بدأت أخيرًا في فهم ما كانت عليه روان حقًا، كانت الوحيدة هنا التي فهمت جزئيًا أهمية الكاسرين، لأنها وجدت في بداية الحرب البدائية، وكانت تعلم أن أولئك الذين قادوها كانوا كاسرين، وعلى الرغم من أنها لم تكن تعرف الكثير عنهم، إلا أنها علمت أنهم أقوياء جدًا لدرجة أنهم في غطرستهم، قرروا تحدي البدائيين ولفترة من الوقت، بدا الأمر وكأنهم يمكن أن يفوزوا تقريبًا.

‘هل عرفتُ يومًا كاسرًا في الماضي؟’ فكرت في نفسها، ‘لماذا تبدو هذه الكلمة وكأنها تُثير شيئًا بداخلي لا أتذكره بعد؟’.

إذا كان روان على علم بالمعضلة الداخلية في عقل إيفا، فإنه لم يظهر ذلك، بل استمر ببساطة في الحديث،

“بقدراتنا ككاسرين، قلّما ينافسنا أحد، وكان جزء من خططي قبل كل هذا أن تجدوا طرقًا لمطاردة الكاسرين، وإن أمكن، نقل مواهبهم الفريدة لمن يتقبلها منكم، لكن وفقًا لمصادر سرية، هذا مستحيل. ببساطة، ليس قدركم”. من الواضح أن تلك “المصادر السرية” هي السجل البدائي.

في اللحظات التي كان على وشك نفي لوحة العالم إلى العدم بعد أن قتل ثينوس، سأل السجل البدائي عما إذا كان من الممكن الاندماج مع لوحة العالم، ورفض السجل البدائي بشدة. لم يكن هذا حتى بالنظر إلى حقيقة أن ثينوس كقديم لم يكن ميتًا. ليس حقًا، لأن ذكراه لا تزال موجودة في عقل لوحة العالم، وعلى الرغم من أن قيامته ستكون أصعب مرات لا تحصى من أي قديم عادي بسبب وضعه ككاسر، فإن طبيعة التفردات كانت قوية جدًا لدرجة أنه لا يمكن لاثنين منهم الوجود في نفس الجسد، فستلغي قواهما بعضها البعض، ولا يمكنه نقلها إلى أي من أبنائه أيضًا لأن التفردات تستخدم مصدرًا للطاقة يسمى المصير، وهي قوة لا يمكن إلا لأولئك في البعد الثامن لمسها ولكن بالكاد يفهمونها، ولا يمكن إلا للأفراد المميزين للغاية الاندماج معها.

لم يكن الأمر في الواقع يتعلق بالموهبة أو سلالات الدم؛ فبفضل قوى التفردات، يمكن أن يصبح صخر بلا موهبة إمبراطور السماء في يوم واحد؛ ما كانوا يتوقون إليه هو مصير أفراد معينين كانوا أقوياء للغاية لدرجة أنهم قادرون على إعادة تشكيل الواقع من حولهم، حتى كفانين.

إذا سارت الأمور وفقًا لخططه، فعندما تعود لوحة العالم في المستقبل، إلى جانب ثينوس المُبعث، لن يكون روان خالدًا من البعد الخامس يقاتل ضد قديم، لكنه سيكون على الأقل على نفس مستوى قديم، إلى جانب حلفاء أقوياء معه، ولم يهتم روان إذا كان ثينوس كاسرًا، فلا أحد يضاهيه في نفس المستوى.

“مسار الكاسرين ليس مُتاحًا لأيٍّ منكم، وهذا ما أُدركه تمامًا الآن، وفي مُداولاتي، انفتح أمامي مسار جديد، مسار لم أستطع فهمه أو الوصول إليه تمامًا، ولكن مع مرور الوقت وتقدمي، بدأ هذا المسار ينفتح، وهو الفئة، وبعد اليوم، ستُرسمون جميعًا مسارا سيُغيّر مجرى مصائركم، إن كان هناك من يُريد التراجع، فهذه فرصتكم”.

انتظر روان ثلاث دقائق، وهذه المُدّة الزمنية لإدراك الحاضرين قد تمتدّ لأشهر. كان هذا القرار بالغ الأهمية، وعليه أن يمنحهم الوقت الكافي لاستيعابه. لم يُقدّم أبدًا أي شيء على مراحل، وإن كان سيفعل شيئًا، فلا بدّ أن يكون هائلًا، لأن أفعاله ستُعتبر جنونًا لدى مُعظم الخالدين.

بعد انقضاء الدقائق الثلاث، ابتسم روان ونقر على الحائط خلفه، وقال: “أريدكم جميعًا أن تنظروا إلى هذا المخطط؛ إنه صيغة ابتكرتها للوصول إلى خريطة الواقع كما أعرفها. حصلتُ على هذه الخريطة من جزء من عين الزمن، وهي جزء من بدائي الزمن.” شعر روان بتصاعد التوتر في الأجواء، فتوقف قليلًا ليسمح لمن بداخله بالتكيف معه.

على عكس رأه للبدائيين التي تعرض لها حتى عندما كان فانيا، فإن معظم الناس هنا سمعوا فقط عن هذه الشخصيات في الأساطير، وكانوا جميعًا على دراية بالمجالات البدائية، والشخصيات القوية بشكل لا يصدق التي صنعتهم، ولكن لم يكن هناك الكثير من القلق في قلوبهم بشأن أي تفاعل معهم لأن تلك الكائنات كانت بعيدة جدًا عنهم، ولم يفكروا أبدًا في إمكانية حدوث ذلك على الإطلاق.

كان يُنظر إلى البدائيين على أنهم قوى طبيعية وليست أي فرد واعٍ، وأجبرهم روان على الاعتراف بأن الزمان والمكان، وحتى الظلام من حولهم، لم تكن مجرد مفاهيم، بل هم أحياء، ولديهم إرادة واحدة.

لكن ما دفعهم إلى تجاوز هذا الحاجز في قلوبهم كان ذلك الشخص الذي أمامهم، روان.

في أذهانهم، كاد أن يتخذ شكل بدائي. بعيد، شاسع، قوي بشكل لا يُصدق، ومجهول… لو أنه بجانبهم، وآمن بهم، لآمنوا بأنفسهم بحقهم في التواجد هنا، وأي شيء أقل من ذلك سيكون إهانة للثقة التي منحهم إياها.

“لا أستطيع أن أنقل لكم هذه الخريطة كاملةً، لثقلها، ولكن مع هذا المخطط، ستتمكنون من تبسيط أجزاء منها لفهمها. هذا مهمٌّ جدًا، فبينما تُعزّز حشودي النورانية العوالم الدنيا، ستكون هذه الخريطة هي الطريق الذي أسلكه لتسخير تدفق القوة الذي سأحصل عليه من العوالم الدنيا إلى العوالم العليا. جميعنا نعلم الموارد العظيمة التي تُقدّمها العوالم الدنيا لأرواحنا، وأعتزم أن أكون البوابة التي يصل إليها الكثير من العوالم العليا.”

الترجمة : كوكبة