السجل البدائي - الفصل 1412

الفصل 1412: حزن أندار وستاف (النهاية)

نهضت ستاف من المنصة المتحركة ومدت يديها وكأنها استيقظت من نوم طويل لم يكن بعيدًا عن الحقيقة، لاحظ أندار أنها كانت تحاول ألا تنظر إلى النورانيين من حولها، ودفعت فرايغار جانبًا بينما يحاول أن يتسلق كتفها مثل طائر صغير، التفتت نحو أندار بعد أن لاحظت المناطق المحيطة ورأت أن أندار كان يحركهم،

“أنا لا أتعرف على هذه المساحة،” قالت وهي تلامس إرادتها إراد أندار، “إلى أين نحن متجهون؟”

“حتى أنا لا أعرف اسم هذه المساحة، فقد دخلتها منذ آلاف السنين، لكنني لا أستخدمها كثيرًا، ولم أكلف نفسي عناء تسميتها قط؛ إنها مساحة تقع أسفل نفق الزمن مباشرةً، ويمكن الوصول إليها لمن يلمسون عالم السرعة الأعلى مثلي.”

” للإجابة على سؤالك الثاني، نحن متجهون نحو قصر الخمر. فكرتُ، بعد كل شيء، أن هذا قد يكون المكان الذي نحتاجه.”

عبست ستاف في حيرة قبل أن تضيء عيناها وهي تبتسم،

“لقد مرّ وقت طويل منذ عودتنا. لقد افتقدته. كنت أرغب في المضي قدمًا في إحياء ذكرى والدي، ولكن هل هذا هو الوقت المناسب حقًا؟”

هز أندار كتفيه، “لقد كنا هناك منذ سبعة آلاف عام فقط، يا ستاف، اعتقدت أنكِ… نحتاج إلى الاسترخاء بعد ما حدث، والمحاكمة القادمة وقيامة والدك على الرغم من أنها قد لا تبدو كذلك في الوقت الحالي، فأنا متأكد من أنها ستكون خطيرة للغاية، يمتد تاريخكِ إلى ما هو أبعد من تريون والمهيمنين، ونسبكِ ليس بسيطًا، لا تتوقعي أن يكون ما سيأتي بعد ذلك سهلاً، وقبل ذلك، يجب أن نرتاح قليلاً.”

“نعم، هذا…” نظرت ستاف بعيدًا، وكانت نظراتها حزينة بعض الشيء قبل أن تشرق مرة أخرى، “كما تعلم، إذا كان هناك أي مكان يرغب والدي في رؤيته مرة أخرى، فسيكون قصر الخمر.”

“مهلاً، هو من أنشأ قصر الخمر، أليس كذلك؟ سمعتُ عنه، لكن لم تسنح لي الفرصة لزيارته، مع نهاية الكون وما إلى ذلك”. قاطعها فرايغار، الذي كان يتابع المحادثة بين أندار وستاف، وعيناه الحمراوان الجميلتان تلمعان بالفضول وهو يحاول كبح تثاؤبه دون جدوى.

أومأت ستاف برأسها مؤكدة : “نعم، لطالما أحب مشروباته، بل أكثر من اللازم حسب والدتي، لكنه لم يجد قطّ المشروبات التي يحبها بالضبط، فقد كانت هناك دائمًا عيوب، أو لم تكن موجودة من تلقاء نفسها، ولذلك أنشأ قصر المشروبات ليُعرف في جميع أنحاء المجرات، وجمع أفضل المشروبات المتوفرة تحت النجوم، وعندما لم يجدها، صنعها بنفسه. كانت تخطر بباله فكرة مذاق غريب، فبدأ يزور كواكب عديدة ليجمع المكونات المناسبة ليُحيي ذلك المذاق الذي كان يجول في رأسه؛ وكان يُشاركه مع كل من يزوره. لا بد أن ترى الفرحة في عينيه عندما يُشاد بصنعه. كان والدي رجلاً بسيطًا، لكن بساطته تغمره بالرضا العميق.”

“ يا الهـي ، كنت أتمنى أن أزوره،” قال فرايغار بصوت غاضب، “لأراه هكذا.”

ضحكت ستاف، “لا أعتقد أنه فاتك الكثير. على الأقل لا أظن ذلك. قصر الخمر الحالي معروف الآن في أبعاد متعددة. لقد قامت سيرسي وأرخميدس بعمل رائع في توسيع الحانة التي بدأها والدي بدافع الفضول لتصبح شيئًا معروفًا ليس فقط في كون واحد، بل في الكوان العليا. إبداعاتهما رائعة أيضًا، وأنا متأكدة من أن والدي سيقدر العناية التي أولاها لمقهاه. أنا سعيد لأن هذا الجزء منه بقي لفترة طويلة.”

عندما رأى أندار الضحك على وجه ستاف، شعر برغبة مماثلة في الضحك، كانت طاقتها معدية، ودفعها بلمسة من روحه،

“لطالما اعتبرتُ والدكِ محاربًا لا يُقهر، شخصًا يُقدّر حتى روان قوته، وأنتَ تعلمين كم من المستحيل استخلاص شيء كهذا منه. لا أدري، لا أستطيع تصوّره كصاحب حانة، يُقدّم المشروبات ويُصنّع النبيذ… أعتقد أن هناك الكثير مما لا أعرفه عن هذا الشخص.”

“صدقني، لم يكن مختلفًا كثيرًا في ساحة المعركة وفي الحانة؛ ببساطة، يتمتع بمرونة لا مثيل لها في كل موقف. سواء في القتال أو كنادل، كان… بسيطا”. هزت ستاف رأسها متذكرةً، “هذا جعله مخيفًا، لأنه لا يمكن التنبؤ بخطواته التالية. في لحظة، يضحك، وفي اللحظة التالية، يقتل، ويتنقل بين هذين النقيضين بسهولة بالغة، لدرجة أنني أدركت أنه لا فرق بالنسبة له. كل لحظة بالنسبة له معركة لا تُنسى.”

صمت أندار برهة وهو يتأمل كلمات ستاف، ثم نظر إلى الأمام: “سنصل إلى وجهتنا قريبًا. يمكننا الاسترخاء هناك لبضعة عقود، ربما قرن أو قرنين، ومساعدة سيرسي وأرخميدس في الحانة. أعلم أنكِ عملتِ هناك مع والدك، سيكون من الجيد أن تتعرفي على المكان من جديد، وبعد ذلك يمكننا العودة إلى روان وبدء إحياء والدكِ. ما رأيك؟”

“هذا مكان جيد”.

انفتح الواقع أمامهم وظهر حضور سماوي قوي بدا وكأنه مصنوع من الظلام وكان يواكب منصة السفر دون عناء، وألسنة اللهب التي تحيط بالمنصة انحنت في المنتصف عندما اعترفوا بوجود قوة متفوقة في وسطهم،

“يا ابن المنشئ،” خاطب الوجود السماوي أندار، “صديقة المنشئ،” أومأ نحو ستاف، “أنا الغروب، كروبيم المنشئ وقد تم استدعائكما إلى حضرته.”

ساد الصمت على المنصة للحظة، بينما كان الثلاثي يتقبّلون هذه الإضافة الجديدة إلى حشود روان النورانية. في آخر مرة كانوا معه، كانت أعظم نورانييه قوى، والآن ما كان معهم أقوى بكثير. مع ذلك، تمكنوا من التعافي بسرعة من صدمتهم، إذ اعتادوا الآن على غرابة روان، وتقدمت ستاف، والغضب بادٍ على صوتها.

“مهلاً،” زمجرت ستاف، “بعد هذه الحيلة التي قمنا بها، نستحق بضعة آلاف من السنين من التعافي. السبب الذي جعلني أتبع سيدك لفترة طويلة هو وعد عودة والدي. أنا قريبة جدًا من تحقيق ذلك، ولن أُجرّ إلى رحلة أخرى تكسر الواقع مرة أخرى… على الأقل، ليس بعد.”

انحنى الكروبيم رأسه بهدوء قليلاً، “أعتذر يا صديقة المنشئ، ولكنني أؤكد لك أن وقتك لن يضيع، وسأوصلكِ إلى وجهتكِ بعد هذا الاجتماع بسرعة أكبر مما كنت ستصلين إليه لولا ذلك،” أشار الكروبيم بيد مصنوعة من الظلام نحو أندار.

أومأ أندار نحو ستاف، “معه حق. نحن قريبون من قصر الخمر، لكن الوصول إليه سيستغرق يومًا. بسرعة هذا النوراني، سنصل إلى هناك في عشر دقائق؛ لن نخسر شيئًا بالعودة إلى روان. أنا متأكد من أنه في كل مرة يُصدر فيها استدعائه، تكون الأسباب بالغة الأهمية، ولن نندم على الذهاب.”

“هذا ما كنت أشعر بالقلق بشأنه”، تمتمت ستاف وهي تتراجع إلى الوراء، وهي تعلم أنه لم يعد هناك سبب للجدال في هذا الأمر.

“حسنًا، قبل أن نغادر،” حكّ فرايغار رأسه، “هل يمكنكم الذهاب إلى موقع جسدي الرئيسي؟ لقد قطعتُ مسافةً أبعد بكثير مما توقعت، ولا أستطيع العودة سريعًا بدون مرؤوسي. لقد تغيرت الأمور في عالمنا الحالي.”

عبس أندار، “ما الذي تغير؟ على مدى المليون سنة الماضية، كنت تُسلينا بقصص تقدمك العظيم والمعارك التي كنت تستمتع بها. لماذا أنت الآن متشوق جدًا للمغادرة؟”

“حسنًا، هذا الأمر خطؤك نوعًا ما. كنتُ أعبث مع هؤلاء الحمقى طوال هذه السنوات، وكنتُ على وشك الاستيلاء على جوهر بقايا البعد الثامن، ولكن يبدو أن ذكرى دراكول قد عادت للتو، والآن أنا أقاتل من أجل حياتي.”

الترجمة : كوكبة

——

روان : والله مالي ذنب (كذاب)