السجل البدائي - الفصل 1410

الفصل 1410: خوف سيدة الظلال

كانت إيفا، سيدة الظلال، آخر من غادر الصحراء الكبرى. أرسلت أندار ونيفي برفقة ستاف بعيدًا عن هذا المكان برفقة فرقة من النورانيين، فقررت تنفيذ المهمة العظيمة التي كلّفها بها روان. تطلبت هذه المهمة معرفةً تامةً بكيفية استخدام الإسطرلاب وجميع أبنائه وتابعيه، ولم يضاهيها أحدٌ في هذا الجانب.

بدون وجود نيميسيس، هذا البعد الذي كان يحمل ذكريات عدد لا يحصى من الخالدين الأقوياء من فجر العصر البدائي قد دخل في حالة من الفوضى، والحفرة الضخمة التي صنعها روان من أجل الوصول إلى أساساته ظلت لفترة أطول بكثير مما توقعته إيفا حتى تغير شيء ما.

فوق الصحراء الكبرى، بدأ سيلٌ من الدماء والأرواح والذكريات والإرادات ينهمر في الفوهة الهائلة، وأصبح هذا السيل الوقود اللازم لسد هذه الفجوة. دون علم إيفا، في الوقت الذي بدأت فيه هذه التغيرات، أطلق بدائي الفوضى قطرة من دمه قتلت عددًا لا يُحصى من دماء الفوضى في جميع أنحاء الواقع، وكان من المستحيل تحديد عدد الوفيات، وما لم يكن لدى أحدٍ رؤية شاملة لحالة الواقع، فقد لا يُعرف هذا العدد أبدًا.

لقد كان هذا هو التضحية التي استخدمها بدائي الفوضى لشفاء هذا البعد، ولاكن إيفا استطاعت أن ترى أن هذا الشفاء كان على السطح فقط، فهناك الكثير مما يجب القيام به لإكمال هذه العملية لأن هناك ذكريات عنيدة معينة لا تزال تهرب من قبضة الصحراء الكبرى.

وهذا هو السبب الرئيسي وراء بقاء سيدة الظلال هنا كل هذه المدة. فقد كلّفها روان بتوثيق كل ذكريات الخالدين الأقوياء الذين هربوا من الصحراء الكبرى، ووضع علامة مميزة على كل ذكرى.

لم يتم ذكر السبب وراء ذلك، لكنها فهمت نوع الشخص الذي اتبعته وقدراته، وكانت تعلم أن السبب الوحيد الذي قد يدفع روان إلى القيام بشيء كهذا لم يكن لأنه شعر بالذنب بشأن إطلاق سراح العديد من الأفراد الأقوياء إلى الواقع والذين ماتوا منذ نهاية العصر البدائي، لا، كان ذلك لأنه بحاجة إلى الصيد.

لم يكن منع نيميسيس من العودة إلى الصحراء الكبرى مجرد إرضاء انتقام روان؛ بل هو أيضًا لترك الفجوة مفتوحة في الصحراء الكبرى لفترة كافية لتمكين العديد من هذه الكيانات التي تكسر الواقع من الهروب.

*****

لم تكن إيفا تعلم كم من الأرواح سيحتاج روان ليصل إلى البعد الخامس في لحظة، لكنها كانت تعلم أنه سيكون عددًا هائلاً، ولم تصدق أن الواقع ككل سيصمد أمام نهم روان لنموه المستقبلي، فمثل هذا الأمر مستحيلٌ بصراحة. كانت إيفا في قلب روان، وقد أُخذت عندما كان خالدًا من البعد الثالث – مع أن ذلك الرجل الوقح كان دائمًا يقول إنه فاني فعليًا – وحتى مع كل الطاقة التي بذلتها للوصول إلى هذه النقطة، أدركت أنها لم تستخدم حتى نصف ما كان في قلبه.

لوضع ذلك في سياقه، فقد استهلكت طاقة كافية لتزويد مئة خالد من البعد الثامن بالطاقة، وتبقى نصفها. فما الذي يتطلبه إذن خالد مثل روان ليصل إلى مستوى بعدي أعلى؟ شكّت إيفا أن طاقة الروح كانت قوية لدرجة أن وحدة منها يمكن أن تُعادل كمية هائلة عند تحويلها إلى أشكال أخرى من الطاقة، مما مكّن روان من الوصول إلى هذه المرحلة.

إذا كان عليه أن يبحث عن الأرواح في الواقع الخارجي، متجاهلاً المخاطر، فإن الأماكن الوحيدة التي يمكنها تلبية احتياجاته هي المجالات البدائية، ولكن في الوقت الحالي، كانت خارج نطاق سلطاته، وكان بحاجة إلى بديل ثانٍ أفضل.

كل خالد من البعد الثامن كان نتاج موارد لا تُحصى وعبقرية خالصة، مُشبعة كلها في وعاء واحد. في العصر البدائي، كانت هذه الموارد وفيرة، لكن العصر الأسمى كان أقل منها. كان ينبغي لخالد مثل روان أن يوجد فقط في العصر البدائي، وإذا احتاج إلى النمو في هذا العصر الأسمى، فعليه إما إيجاد طريقة للعودة إلى الماضي، أو إعادة الماضي إلى الحاضر.

وبناءً على الأحداث التي جرت هنا، اختار روان الخيار الأخير.

لطالما أدركت أن روان، ذلك الخالد الذي تخدمه الآن، دائما لأفعاله معنىً أعمق، وكلما طال الوقت الذي تقضيه معه، ازداد تأثير أفعاله في أفكارها. لطالما دهشت كيف لشخصٍ ما زال صغيرًا نسبيًا أن يمتلك رؤيةً مستقبليةً عظيمةً كهذه. مع كل ما يواجهه من مشاغل، من الطبيعي أن يكون غارقًا في الحاضر، ومع ذلك، لا يزال روان يفكر في مستقبله حتى وهو يواجه تهديدات الحاضر.

كانت علاقتها بروان تنمو وتتطور منذ اللحظة التي استعادها فيها من بين يدي الموت، من اللامبالاة إلى الفضول، ثم الاحترام. لكن مع مرور الوقت، امتزج هذا الاحترام بشيء من الخوف، إذ لم تعد قادرة على توقع أفعاله، وتعمقت خططه، وتحول إلى كيان تعجز إيفا تدريجيًا عن فهمه.

كان الخوف رد الفعل الطبيعي عند النظر إلى الهاوية، وكانت سيدة الظلال تعلم ببساطة أنه ما دامت تتبع خططه، فسترى رؤيته الحقيقية، عاجلاً أم آجلاً، متجسدة في الواقع بأكمله. وهكذا فعلت، متبعةً أوامره حرفياً، فلم تعد معلمة، بل أصبحت الآن طالبة.

لقد تأكدت إيفا من أنها تراقب وتخزن توقيع الذاكرة لكل كيان يهرب من الصحراء الكبرى قبل أن يتم ختمه بواسطة بدائي الفوضى، ومع وجود هذه المعلومات في متناول اليد، يمكن لروان إنشاء حملة عظيمة لمطاردتهم بينما كانوا لا يزالون ضعفاء نسبيًا، وأرواحهم بمثابة وقوده للنمو.

******

على الرغم من قوة الخالدين من البعد الثامن، فإن عودتهم إلى الواقع تعني أنهم في أسوأ حالاتهم. ففي النهاية، لم يكونوا سوى ذكريات، ذكريات قوية، لكنها لا تزال محدودة في قدراتها.

سيحتاجون إلى رعاية أجسادهم وأرواحهم قبل أن يستعيدوا جوهرهم وأثيرهم. ميزتهم الوحيدة في هذه الفترة المبكرة هي إرادتهم، لكن إيفا كانت متأكدة من أن روان لديه خطة لذلك.

تم قياس الإطار الزمني اللازم لخالد البعد الثامن للوصول إلى ذروة قوته بالملايين من السنين، وأحيانًا حتى المليارات، إذا لم يتم العثور على الموارد المناسبة.

هذه المدة الطويلة من الوقت للتعافي ستمنح روان الفرصة الوحيدة التي يحتاجها لإكمال مطاردته.

إن حصاد الروح من خالد واحد من البعد الثامن سيكون بمثابة قتل جميع سكان مائة ألف كون، وهناك أيضًا فوائد ملموسة أخرى، مثل إرادتهم وذكرياته وقدراته التي يمكن حصادها ودراستها لزيادة قاعدة قوة روان.

كان سيدها مُرهقًا، وبحاجةٍ إلى اكتساب القوة بسرعةٍ فائقة. مع أنه يُخطط لحصد أكوانٍ كثيرة، إلا أن هذه جميعها استراتيجياتٍ طويلة المدى، إذ لن يُقتل روان أيَّ روحٍ في تلك الأكوان؛ بل سيكون ببساطة المقصد الأخير للموتى.

بمرور الوقت كان من المتوقع أنه سيكون قادرًا على اكتساب المزيد من طاقة الروح من بُعده والأكوان التي جمعها، ولكن بالنسبة لروان للحصول على وقود كافٍ لدفع صعوده إلى حالات أبعاد أعلى في أقل من مليون عام، فإن كل الذكريات الخالدة التي هربت من الصحراء الكبرى كانت ضرورية للغاية.

كانت إيفا أيضًا ممتنة جدًا للنمو السريع لروان لأنها ستكون قادرة على التطور بشكل أسرع إذا أصبح أقوى.

في البعد الثالث، كان ذلك بسبب قوة قوى روان الجنونية التي جعلتها قادرة على الدفع نحو البعد الخامس، والآن مع وجوده في مستوى البعد الخامس، يجب أن تكون قادرة على الدفع نحو البعد السابع.

ومع ذلك، فإن القفزة الكبيرة لقدراتها ستكون إذا أصبح روان خالدًا في البعد السادس؛ في ذلك الوقت، ستكون إيفا قادرة أخيرًا على الوصول إلى مستوى البعد الثامن وتولي عبائتها كمنشئة سماوية مرة أخرى.

لقد إمتلك روان سلالتها في البداية قبل أن يتطور إلى شيء آخر، وبالتالي لم يحصل على جميع فوائد السيطرة على قصر الجليد.

لو استطاعت أن تصبح منشئة سماوية من جديد، فسيعود إليها قصرها الجليدي، الذي كان مخفيًا منذ بداية العصر البدائي، وستُبعث حشود نورانييها التي أظلمت يومًا ما بوابة النور وهزت أسس الهاوية العظيمة بأعدادها. سيتردد صدى وجودها مرة أخرى في كل مكان.

اهتزت إرادتها عندما ظهر أمامها حضور مظلم،

“تحياتي، أيتها المنشئة الساقطة، سيدكِ يدعوكِ إلى المنزل.”

الترجمة : كوكبة