السجل البدائي - الفصل 1389

الفصل 1389: تجسيدات الأصل (1)

صنع روان أربع صفائح من الأدامانتيت، إحداها أكبر بكثير من البقية، وأقرّ أخيرًا بوجوده هنا معه. كان من الطفولي بعض الشيء أن يُبقيهم منتظرين، لكنه رأى أنه من المهم أن يراقبوه أيضًا بهذه الطريقة، فهو لا يعلم متى سيجلس هنا هكذا مرة أخرى، وإذا ما احتفظوا بأي ذكرى جوهرية عنه، فقد أراد أن تكون هذه إحدى تلك الذكريات.

ليس من منشئ أو مدمر، بل من بشر.

عندما استيقظ من سباته العميق، وجد جسده في هيئة طفل، ولكن مع انسجام جسده مع عمره العقلي الذي وضعه في منتصف العشرينيات، نما بسرعة إلى قمة لياقته. لم يكن ينمو، بل كان يُغيّر ترتيب جسده ليناسب رغباته، وقد استمتع بسهولة القيام بذلك.

كان جسده متعدد الأبعاد ضخمًا بشكل لا يُصدق، وقدرته على تغيير شكله بسهولة كما يشاء، كما لو أنه لا يتحرك حول كتلة هائلة، هي ببساطة مذهلة. لقد قفزت قوته ومرونته وبنيته الجسدية العامة قفزة هائلة، لكن روان منع نفسه من معرفة مقدار ما مر، على الأقل حتى هذه اللحظة التي كان على صنعها.

تم التعبير عن سلالاته الأصليه الكاملة خارج جسده وكان لكل منهم تجسيد.

أول تجسيد كان الأقرب إليه هو سلالة أصل سيراثيس، وكانت في الهيئة التي سيسميها درياد. تشبه طفلة في الثانية عشرة من عمرها، ببشرة خضراء وعينان كبيرتان بعض الشيء، تمتلئان بلهيب أبيض ساطع كأنهما نجوم، وكان شعرها مصنوعًا من أزهار وقصب أخضر حريري، ويبدو أن الفستان الزمردي الذي ترتديه قد نما من جلدها، وكانا يتوهجان كالأحجار الكريمة.

كانت جميلة كزهرة الصباح، ولها جلالٌ أصيلٌ كشمسٍ مشرقة، امتلأت عيناها بالفضول، وشعرت بجوعٍ يملأ معدتها. نقر روان على الفراغ بجانبه،

“اجلسي معي”

ارتجفت من صوته، فنظرت إليه بعينين بدت كبوابة لكل نور الوجود، فابتسمت وهرعت لتجلس حيث أشار. توقف روان، فقد رأى في تلك الابتسامات شظايا من إلورا، وكذلك منه في طفولته. وبينما كانت تجلس، ظهر تحتها حقل من الزهور، وولدت الأشجار والأنهار المتدفقة. بدأت النجوم تتفتح حولها، واستقرت على شعرها كاليراعات، أو طارت حول وجهها، مما جعلها تضحك ببهجة طفولية.

كان أقرب شخصية إليه بعد تجسيدة سيراثيس، تجسيد كرونومانسر برايم، وكاد روان أن يرفع حاجبه عند رؤيته. لم يكن من الممكن تمييز التجسيد عن شاب بشري، وكان مظهره أقرب إلى أندار باستثناء شعره الأسود القصير وعيناه اللتان تشبهان فراغًا يحمل في داخله أشباحًا متعددة لساعات رملية دوارة.

كما لو أنه أحضر شابًا نبيلًا من بيت ملكي فيكتوري من القرن التاسع عشر من عالمه السابق، فإن تجسيد كرونومانسر برايم يشبه شابًا قوي البنية في سن الثانية عشرة تقريبًا، يضع عدسة أحادية ويرتدي بدلة سوداء مصنوعة بدقة، وفوقها كان معطفًا مزدوج الصدر بطول الركبة، وكان يحمل ساعة جيب متصلة بسلسلة في جيب سترته، ولكن من خلال الانخفاض على معطفه، يبدو أنها لم تكن ساعة في نهاية تلك السلسلة ولكن ساعة رملية.

الشيء الوحيد الناقص من زيه هو قبعة عالية وعصا، وكان روان ليصدق أنه اختطف رجلاً أرستقراطيًا من الأرض. كان مثالًا للرقي، وملابسه تُظهر اهتمامًا بالغًا بالتفاصيل، حسنًا، باستثناء أنه يفتقد حذاءً.

فكّر روان: ‘أمرٌ غريبٌ أن يُغفل’، لكن كل شيء في هذا التجسيد يعد غريبًا، وكان متشوقًا لمعرفة المزيد عنه، فعلى عكس سلالتيه الأخريين، كان كرونومانسر برايم هو الأقل فهمًا له.

وأشار روان إلى أنه يستطيع الجلوس بجانبه، وانحنى الشاب بطريقة مهيبة، ولم يصدر أي شكل من أشكال الحركة، لكنه كان يجلس بالفعل في المكان الذي أشار إليه روان، ولولا قوة إدراك روان، لما كان قد لاحظ كيف تمكن الصبي من التحرك من وضع إلى آخر، والإجابة البسيطة هي أنه لم يفعل، فقد كان دائمًا هناك بجانب روان.

كان قادرًا على جعل أي نية حقيقية، وهي قدرةً مدهشةً أراد روان معرفة حدودها. كانت هذه القدرة أشبه بفاني يتمنى أن يصبح ملكًا ساميا، ثم يُدرك أنه كان كذلك منذ ولادته.

أومأ برأسه داخليًا تقديرًا، وبدأ يفهم الجوانب العميقة لقوة كرونومانسر برايم، وكيف كانت قوة القدر والوقت ملتوية حولها.

كانت آخر سلالاته غريبة بنفس القدر، وهم ثعابين أوروبوروس، التي أصبحت الآن ذات أشكال بشرية. مع أنه توقع هذا التغيير، إلا أنه صدمه رؤية قوى الطبيعة القوية هذه، داخل أجساد بشرية، ولم تكن مجرد أصداف يمكن ارتداؤها والتخلص منها، بل شكل حقيقي يمكن تطويره.

على عكس أول اثنين من سلالاته التي كان بها تجسيد واحد فقط، كان لدى الثعابين ستة، وهو ما كان يجب أن يكون واضحًا لأنهم كانوا ستة مخلوقات فردية مختلفة مع عقول خاصة بهم، وقد انعكس ذلك تمامًا هنا.

بدوا وكأنهم مصنوعون من الذهب، وأجسادهم مزينة بقشور معدنية كالدروع. ولاحظ روان على الفور أنه باستثناء واحد من الستة ذوي الشعر الذهبي الطويل والملامح الأنثوية الواضحة، كان البقية خنثويين، ولم يكن لديهم شعرة واحدة على رؤوسهم، ولا حتى حواجب أو رموش. وبأشكالهم الأكثر نضجًا جسديًا، يمكن الخلط بين تماثيل سلالة أوروبوروس الأصلية وتماثيل ذهبية جميلة.

على عكس سلالتي الدم الأوليين، لم يكن الستة بحاجة إلى الاستدعاء، بقيادة الأنثى انزلقوا عمليًا حتى جلسوا مقابل روان، حدقت حدقاتهم ذات الشقوق الذهبية فيه بفتنة وقليل من الصدمة، كان بإمكانه فهم الأفكار التي تدور في أذهانهم، كان هذا التطور في قواهم خارج حدود سلالتهم، وللمرة الأولى منذ الأزل، أصبحت ثعابين أوروبوروس ضائعة، لم يكن أي شيء جربوه على الإطلاق قادرًا على جعلهم يفهمون، باستثناء الشخص الوحيد الذي كانوا مرتبطين به بعمق، لأنهم كانوا جزءًا منه.

كانا تجسيدة سيراثيس جالسة بيده اليسرى، وكان تجسيد كرونومانسر برايم جالسًا بيده اليمنى، وعلى الرغم من أنهما كانا في الغالب على شكل أطفال، إلا أن الأصغر هنا، وهي تجسيدة سيراثيس، كانت أكبر من مجرة، وفي اللحظة القصيرة التي جلست فيها، ظهرت ظواهر سماوية أكثر حولها، حيث بدأت الثقوب السوداء والكواكب في الانجراف في جميع أنحاء وجهها، وهي تطن مثل النحل.

وعندما استقروا جميعًا، بدأ روان بتوزيع الطعام على كل طبق، “أعلم أن لديكم جميعًا أسئلة، وقد قمت عمدًا بتقييد علمكم بكل شيء لفترة من الوقت، اجلسوا وتناولوا الطعام معي، وبعد ذلك سأخبركم جميعًا بقصة”.

أول الأطباق وأكبرها تم تسليمها إلى تجسيدات أوروبوروس، وبينما كان يضعه أمامهم، انقسم الطبق إلى ستة أجزاء، كل جزء يحمل أجزاء متساوية انجرفت نحو جميع التجسيدات، الطبق التالي ذهب إلى كرونومانسر برايم والأخير إلى تجسيدة سيراثيس التي ظلت تتحرك لبعض الوقت، من بين جميع التجسيدات، كانت هي الأكثر اهتمامًا بالوجبة.

قام روان بتحضير الطبق الأخير لنفسه، ورغم أنه لم يتبق له الكثير، إلا أنه لم يكن يحتاج إلى الطعام من أجل البقاء.

“يمكنك أن تأكلي”، قال ذلك ولم تضيع تجسيد سيراثيس أي وقت وبدأت في التنقيب في طعامها، وملعقتها تدفع الطعام الصحي إلى فمها بسرعة كبيرة، مما جعل يدها غير واضحة.

الترجمة : كوكبة