السجل البدائي - الفصل 1375

الفصل 1375: قوانين الغابة

لم يكن انتشار الأثير في هذا الكون بهدف بدأخالحياة، بل كان ببساطة بهدف جعله مستقرًا بدرجة كافية لدخول روح روان وجسده الأبعادي دون كسر الكون مثل البيضة.

كان بإمكانه استيعاب الكون بسهولة، لكن الأمر سيكون مختلفًا عندما بدأ في إظهار إرادته أو حتى إظهار وجوده، فلن يكون أي عالم مادي قادرًا على احتواء مثل هذه القوة، وإذا أراد مكانًا قادرًا على هضم مكاسبه حتى يتمكن من الاستعداد للفوضى الحتمية التي كانت على وشك النزول على كل الواقع، فإنه يحتاج إلى أن يكون هذا الكون أكثر قوة لحمل جزء من وزنه.

لقد قام بتعزيز جدران الكون لتصبح أكثر سمكًا ومتانة عدة مرات، كما قلل من وجود الكون حتى أصبح غير قابل للاكتشاف تقريبًا، وعندما تأكد من اكتمال الاستعدادات، اجتاح وعي روان الكون وجمع المواد السماوية الأكثر كثافة التي يمكنه العثور عليها، مثل الثقوب السوداء، والأقزام البيضاء، والنجوم النيوترونية، وحتى نجوم الكوارك، والتي كان هذا الكون يحتوي على كمية مفاجئة منها.

على الرغم من عدد الأكوان التي انتشرت في كل الوجود، اكتشف روان أن كل كون لديه ميزات فريدة معينة تفصله عن الباقي، مثل بصمات الأصابع، لا يوجد كونان متماثلان، قد تكون هناك أوجه تشابه وثيقة، ولكن لم تكن هناك نسخ دقيقة.

هشم كل هذه الأجرام السماوية الكثيفة معًا ليُكوّن حساءً أكثر كثافةً بلا حدود، وصنع عرشًا بسيطًا ليريح جسده المُنهك. تجسد جسد روان من العدم، وأمامه عرش مصنوع من حديد أسود، طوله ألف ميل، وجلس عليه ببطء.

أراح روان مرفقه الأيمن على مسند الذراع وقبضته المغلقة على جانب رأسه، وأغلق عينيه وسقط في نوم عميق، ولم يتبق سوى جزء صغير من وعيه للإشراف على بعض الأمور.

كان الكروبيم، على شكل سيوف سوداء طويلة، يحيطون بعرشه. بعد معركة طويلة ومرهقة، بلغ عقله أقصى طاقته، وكان روان بحاجة إلى الراحة.

*****

في أعماق أرض الميراث، بدأ عرش بدائي الفوضى الذي لم يتغير منذ نهاية العصر البدائي ينزف.

كان العرش المصنوع من حجر غير معروف ودم متجمد، به شق في المنتصف كان من المفترض أن يقسم العرش إلى نصفين، لكن إرادة لا يمكن تفسيرها بدت وكأنها تمسك به، لكن كان هناك جزء كبير من الجزء العلوي من العرش تم قطعه بواسطة شفرة غير معروفة.

عندما رأى روان عرش الفوضى لأول مرة، كانت الخيانة أول ما خطر بباله. رأى بسهولة بدائي الفوضى جالسا على عرشه، ثم جاء أحدهم خلفه، وبضربةٍ قوية، شقّ رأس العرش، وعلى الأرجح قطع رأس بدائي الفوضى أيضًا.

الشق الذي كاد أن يمزق العرش إلى نصفين لا بد أن يكون نتيجة صراعات الموت التي خاضها البدائي، لم يكن العرش في الأصل مصنوعًا من الحجر والدم، بل كان الأخير مجرد نتيجة لسفك الدماء البدائية عليه.

ولكنه كان يعلم أن كل هذا مجرد خيال ولم يكن يعرف التاريخ الحقيقي لهذا العرش، وربما كان الوحيدون الذين يعرفون هم البدائيون أنفسهم.

هذا العرش، الذي هو أكبر من الكون بمراحل، كان دائمًا يحوم في قلب أرض الميراث، وكان مصدر ثقة لأبناء بدائي الفوضى، إذ أن لهذا العرش المكسور قوة لا يضاهيها في الواقع سوى بدائي آخر. كان هذا الأساس هو ما جعل أرض الميراث مجالًا بدائيًا، مانحًا إياها موارد لن يكون لها أي حق فيها لولا دعم بدائي.

بدأت أجزاء العرش المصنوعة من دمٍ متجمدٍ لكائنٍ مجهولٍ بالذوبان، وعندما سقطت أول قطرة دمٍ من العرش، ارتطمت بالأرض بقوةٍ تعادل انفجار مليار مستعرٍ أعظم دفعةً واحدة، وتولد من تلك القطرة محيطٌ هائلٌ من الدماء. اهتزت أرض الميراث بأكملها حتى النخاع، وتجمد كلُّ مخلوقٍ يحمل سلالة الفوضى في مكانه، ولو للحظةٍ واحدة، قبل أن تبدأ الصرخات.

ألمٌ عجزَ عن فهمه معظم الخالدين اجتاحَ أجسادَ أبناءِ الفوضى، فانهارَ الضعفاءُ منهم جنونًا، وسرعانَ ما تبعَهُ الموتُ، مُريحًا إياهم من عذابِهم. لم يكن عددُ القتلى معروفًا، لكن سلالةَ بدائي الفوضى كانت الأكثرَ انتشارًا في الواقع، وكان أقلُّ تقديرٍ مُتحفِّظٍ لعددِ القتلى بمئاتِ التريليونات.

إن صرخات غضب البدائي حتى وهي مكتومة بسلاسل النسيان لم تكن شيئًا يمكن لأي كائن متوسط من الأبعاد الدنيا التعامل معه، ومع ذلك لم تنته هذه الكارثة، كانت ببساطة قطرة دم واحدة تسقط من عرش كان أكبر بكثير من أي كون، ويمكن تخيل أن كمية الدم التي تشكل الجزء المتجمد منه يمكن أن تغرق جزءًا صحيًا من الواقع.

معظم هذه الوفيات التي جاءت من أول قطرة دم كانت من الأطفال الضعفاء للفوضى، كلهم خالدين من الأبعاد الدنيا، ولكن ماذا سيحدث عندما تبدأ المزيد من قطرات الدم في السقوط، الثانية والثالثة والرابعة… كان من الممكن أنه في غضبه، يمكن للفوضى البدائية أن تمحو جميع أطفاله.

******

في اللحظة التي سقطت فيها أول قطرة دم، تجمد كين وشامران وروان، في لحظة، لقد فهموا كل ما حدث وما سيحدث، وأدركوا بشكل أكثر وضوحًا من أي شخص آخر ما يمكن أن يعنيه غضب البدائي لوجودهم المستمر.

كان هذا غضبًا لا ينبغي إثارته، وقد فعل ذلك شخص ما، ولهذا السبب ستكون هناك عواقب.

لو كان هناك شيء واحد يُمكن فهمه، فهو مصدر خوف كين، والسبب الرئيسي الذي دفعه لخيانة الفوضى. وهو معرفته بأن وجودهم كله يعتمد على رغبة البدائيين، حتى أهوائه.

لم يتمكنوا من محاربتهم، ولم يتمكنوا من إيجاد طريق للهروب منهم، إذا أراد أحد البدائيين موتك، فلن يكون لديك خيار سوى الموت.

اعتبر روان هذا الأمر ساخرًا جدًا بالنسبة للخالدين مثلهم، الذين اعتادوا على إملاء حياة وموت الجماهير حسب أهوائهم، ومطاردة أي أهداف يسعون إليها، قبل لحظة، استولى كين على العديد من الأكوان والأبعاد في قبضته وسحق عددًا غير معروف من الأرواح لمجرد أنه كان مضطربًا، ربما لم يلاحظ حتى آثار أفعاله، بعد كل شيء، كل شيء تحته نملًا، ومع ذلك عندما جاء الوقت الذي كان من المقرر أن يُنزل به مثل هذا المصير، أصبح عدائيا للغاية تجاهه.

استغرق روان بعض الوقت ليدرك هذا النفاق في تفكيره، ومع هذا الإدراك، تغير مصدر دافعه. كان يعتبر نفسه قويًا للغاية، لكن هذا لا يعني أنه معصوم من الخطأ. أنه معرض للسقوط في أي لحظة، وإن حدث، فلن يتذمر أو يشتكي، فقد فهم قوانين الغابة، وسيلعب بالأوراق التي أُتيحت له.

تنهد روان ونظر إلى وجهي الخالدين من الأبعاد العليا أمامه. يبدو أن أساس تكيفه العقلي لم يكن مشتركًا بينهما، فقد عاشا فوق الوجود، وفكرة أن خلودهما وسلطانهما يمكن أن يُقضى عليهما بسهولة كما يُقضون على كل من هم أدنى منهما، هزتهما في الصميم وجعلتهما يُفكران في وجودهما.

ومع ذلك، كان روان يعلم أن مرآة الانعكاس هي المرآة التي لا يملك سوى عدد قليل من الشجاعة للنظر فيها، ولا حتى الاعتراف بوجودها، وكما كان يتوقع، تم رفض أي محاولة للدبلوماسية.

تلعثمت شاماران في حالة من الصدمة والسخط، وتم التخلص من صورة الخالدة الهادئة والمتماسكة بينما حدقت في روان في غضب، لم تكن محاولاتهمل للعثور على جسده الحقيقي تؤتي ثمارها، ومع حجم الوجود ومدى سهولة الاختباء إذا كان المرء يعرف الأماكن الصحيحة للقيام بذلك، فسوف يستغرق الأمر سنوات عديدة لتحديد موقع هدفها.

“أنت تعلم ما حدث مع الطريق المتجمد يا روان. لا أتهمك بتدميره، فأنا أعلم أنك عاجز عن فعل ذلك، ومع ذلك، فأنت المذنب في هذا الموقف، والحل الوحيد هو الاعتراف لي بكل ما حدث داخل نجم الهلاك، والأهم من ذلك، من هم الجناة وراء هذا الجنون! انتبه جيدًا للكلمات التي ستقولها لاحقًا، واخترها بحكمة.”

الترجمة : كوكبة