السجل البدائي - الفصل 1369

الفصل 1369: التغييرات (2)

مثل شمس زرقاء، امتد حضور الملكة الفضية غريبا عبر الفضاء، وقواها التي تجاوزت المكان والزمان والذكريات والمصير والقدر استحوذت على كل الوجود أمامها، ونظراتها التي نظرت إلى المسافة بأعين تبدو وكأنها تتطلع من خلال الواقع جعلت قلوب جميع الخالدين تهتز في خوف.

كان الخالدون من البعد الثامن أساطير، فهم الخالدون الذين وصلوا إلى قمة الوجود، وكانوا أقل من قلة وفوق الجميع، وفي واقع حيث تم التعامل مع البدائيين كمفاهيم أو قوى طبيعية، كان الخالدون من البعد الثامن يُنظر إليهم بشكل جماعي على أنهم قمة الواقع.

ماذا رأت؟ في أوج قوتها، حيث كان كل شيء أمامها مجرد قطعة صغيرة على رقعة شطرنج كبيرة، ما المصائر التي يمكنها أن تستوعبها؟ ما المصير الذي يمكنها تغييره؟ كيف سيكون الحال لو كانت في مكانها؟

كانت كل هذه الأسئلة في قلوب كل خالد هنا، لكن لم يكن أحد يعلم أنه في عقل غريبا، فقط الذهول، ونوع من الخوف الذي كان من الصعب تعريفه وبالتالي من الصعب التغلب عليه يملأ روحها.

عاشت غريبا طويلًا، ومع مرور الزمن الذي استطاعت عبوره، رأت من الماضي ما استطاعت قواها استيعابه، ومع ذلك، لم تصادف أي ذكر لشيء مماثل حدث في الماضي. بدت التغيرات في الواقع، وتدمير الطريق المتجمد، وذلك الكيان المجهول، كلها مترابطة بشكل غريب.

انحنى لها الرجل ذو الشعر الأزرق، سوروس، الأول من نسلها وهو خالد مجيد من البعد السادس، وحركته أقل عمقًا بقليل من بقية الخالدين خلفه للدلالة على أنه الأمير المفضل وحاكم إيروفا.

“يا أيتها الملكة الفضية، يا أمي، لقد شرّفتينا بحضوركِ. سامحيني، فحضوركِ مبكر جدًا، ولم يكن من المتوقع حصوله إلا بعد مليار عام على الأقل.”

بدت غريبا مندهشة بعض الشيء من صوت سوروس، ولوحت بيدها لتتجاهل قلقه قائلة: “يا طفلي، أخبرني ماذا حدث هنا في اللحظات القليلة الماضية؟”

كان الرجل ذو الشعر الأزرق متوترًا بعض الشيء، وحتى كخلود من المستوى الأعلى، لم يستطع إلا أن يتلعثم، “أعتقد أن إنتاجنا من غبار النجوم البلوري يسير وفقًا للخطة، بل إننا نتجاوز التوقعات وسنرسل دفعة، تبلغ قيمتها ستين تريليون طن، في غضون عشرة ملايين سنة على الأكثر لمساعدتك في غزوك الجديد والمجيد للأرشيف السماوي،”

بينما كان ينظر إلى مستشاره الرئيسي خلفه والذي شحب قليلاً عند ذكر هذا العدد الكبير من الغبار النجمي الذي تم تسليمه في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن، لم يستطع إلا أن يعطي إشارة مطمئنة لسوروس، الحاكم المعين لإيروفا، واكتشف بغضب كيفية تعزيز الإنتاج لتلبية الحصة وأدرك أنه سيتعين عليه البحث في جيوبه الشخصية والعديد من الخالدين هنا معه، وهذا من شأنه بالتأكيد أن يولد العديد من الأعداء، لكن لم يكن لديه خيار، لم تكن هناك قوة أعظم في إيروفا من غريبا.

نظر سوروس إلى أمه، ولم ير أي رد فعل منها، ولم تبدو مهتمة بالقرابين التي سيتم إرسالها إليها، والتي يمكن أن تكون شيئًا جيدًا أو شيئًا سيئًا، فتح فمه ليتحدث مرة أخرى، لكنه توقف وظل صامتًا، لمجرد أنه كان أول نسلها، لم يمنحه القدرة على التحدث دون أن يُطلب منه ذلك.

ومع ذلك، بتفكير سريع، مدعومًا باقتراحات سريعة من مساعدين متعددين إستشارهم قبل أن يهرع لتحية الحاكم الحقيقي لإيروفا، استنتج أن سؤال والدته ربما لم يكن يتعلق بالقرابين التي يجب تقديمها لها، بل بتغيير واضح جدًا حدث مؤخرًا، وهو – يا للعجب! – الطريق المتجمد الذي اختفى! ما كان يعيبه هو أنه لم يستطع ربط هذه الأدلة البسيطة معًا عندما طُرح عليه سؤال يتطلب إجابة واضحة.

‘هذا هو الأمر’، فكّر، ‘هذه هي القشة التي ستُفقد أمي صوابها، وسأُسلم حكم إيروفا إلى جينا، أو الأسوأ من ذلك، إلى آدا. عليّ استعادة مكانتي بسرعة، ولكن كيف؟’ مع ذلك، مهما كانت طريقة تفكيره، أو اقتراحات مساعديه الكثيرة التي همسوا بها، كان يعرف والدته جيدًا لدرجة أن الصمت هو الخيار الأمثل في مثل هذه الأوقات.

عندما مرّ ما بدا وكأنه أبدية، لكنه لم يكن سوى لحظة، تنهدت الملكة الفضية، وأقسم سوروس، الذي كان يعرف والدته جيدًا، أنها كانت خائفة، لكن هذا مستحيل، من المفترض أن يكون الغضب هو ما لاحظه، وعلى الأرجح هو بسبب أدائه، كان هناك العديد من الخالدين من جميع أنحاء العالم هنا، ومن المؤكد أن أداءه السيئ سيقوده منافسوه لدفعه من مقعده. ومع ذلك، دفع صوت غريبا عقله بعيدًا عن الوحل الذي غرق فيه.

“عودوا إلى مواقعكم واستعدوا، سيصل السماويون بعد لحظات. أعلم أن لديكم جميعًا أسئلة، وسأجيب عليها في الوقت المناسب. سوروس، تعال معي.”

مع إشارة من يدها، اختفى سوروس وغريبا، وفي أحد أعظم الأبراج في إيروفا، أشرق ضوء فضي ساطع في جميع أنحاء هيكله وأشرق على جميع أقراص هذا العالم، مما يدل على أن الملكة قد عادت.

تبادل ملايين الخالدين في الموكب النظرات بقلق، بينما تناقلوا المعلومات بسرعة البرق. معظمهم عالقون الآن في إيروفا بعد تدمير الطريق المتجمد، وبعضهم هنا ليسوا بالضرورة حلفاء للسماويين، بل كانوا هنا فقط لأغراض التجارة نظرًا لاستقلال إيروفا وإمكانية الحصول على موارد سماوية فريدة معينة يمكن استبدالها بثروات طائلة في بقاع بعيدة من العالم.

وعلى الرغم من أنه لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً بالنسبة للعديد منهم للوصول إلى استنتاج مفاده أن السماويين قد يكون لديهم مخاوف أكبر في أذهانهم من الخالدين الذين كانوا يهربون البضائع الممنوعة والموارد السماوية، إلا أن الموكب سرعان ما تفرق، وعاد العديد منهم إلى قاعدة برج غريبا على أمل أن يتمكنوا من استقبال الملكة.

*****

كانت غريبا صامتة لأيام. محصورة في حقل زمني قد يمتد من ثانية واحدة إلى عقود إن شائت، تنظر إلى ذريتها السبعة وهم نائمون أمامها في سبات عميق.

مرة تلو الأخرى، فحصت حواسها كل جانب من جوانب وجودهم، من الجسدي إلى غير المادي، فحصت أرواحهم وذكرياتهم وأجسادهم بشكل متكرر ولم تر أي تغييرات في حالتهم، كانوا نسلها، مرتبطين بجسدها وروحها، ومع ذلك عرفت أنهم ماتوا وبطريقة ما عادوا، لا يمكن لمجموعتي بلورات سلالة الدم داخل أرواحهم أن تكذبا.

ضحكته في النهاية، حين قدّم لها ذلك الكيان المجهول ما يُسمى بهدية، سكنت وجدانها، ولم تكن غريبا تعلم إن كان ذلك الكيان قد وضع مجموعتي بلورات سلالة الدم عمدًا لتعذيب روحها. تستمر رحلتك.

فجأة أضاء ضوء محدد داخل عيني غريبا، فنهضت وأشارت بيديها إلى صغارها السبعة بينما أشرق ضوء ساطع بين أصابعها.

مرت الأيام، وشقّ نورٌ ساطعٌ عتمةَ هذا الفضاء، ودخل كيانٌ سماويٌّ هائلٌ غير مرئيّ إلى عالم غريبا. كادت دفاعاتها أن تكون ورقًا أمام قوة هذا الكيان السماويّ، وأشرق نوره على كامل هذا الفضاء كاشفًا عن وجود غريبا جاثيةً على ركبتيها، وأجسادُ ذريّاتها السبعة مُستلقية حولها.

لم يعودوا في سبات عميق، بل ماتوا، أطفأت أمهم أرواحهم بهدوء، وظلوا في مكانهم كما لو كانوا نائمين. هرع الجميع للعثور على أمهم بفرحة غامرة، لكن مصيرهم كان مروعًا.

نبض الضوء من الوجود السماوي ودخلت كلمة واحدة إلى وعي غريبا،

“لماذا؟”

لم ترد، فقط فتحت كفها وكان بداخلها أربعة عشر بلورة متصدعة لسلالة الدم استخرجتها من أرواحهم.

همست غريبا،

“لم أعد أعلم هل هم أطفالي أم لا…”

الترجمة : كوكبة