السجل البدائي - الفصل 975

الفصل 975: تجلي الدائرة العليا

لا يمكن إنكار تفرد روان، فقوته وإمكاناته كانت مطلقة، وحتى مع أقل ما يمكن أن يُعطى له، سيكون قادرًا على صنع المعجزات منها.

كان السجل البدائي قد أطلق عليه سابقًا لقب البدائي الناشئ، وكان ذلك قبل أن يتطور إلى كيان بُعدي، كائن لم يفهمه حتى التفرد تمامًا. إن تطور جسده البُعدي دليل على قدرة تطوره.

على الرغم من الضغوط التي كان يتعرض لها أثناء تخطيطه للمعركة ضد الانعكاسات وأي أعداء غير متوقعين قد يظهرون، إلا أنه لازال يعمل أيضًا على قاعدة قوته ويبتكر شيئًا أفضل مما كان لديه سابقًا.

إنه مدرك تمامًا لحقيقة مفادها أن حالته العقلية وإمكاناته من شأنها أن تزعزع استقرار أي شخص ينظر إليها.

لذلك كان روان حذرًا من تخويف هذه الكائنات القوية بعرض كامل إمكاناته، لم يكن يريد الكشف عن الكثير لهم حتى لا يتمنوا شيئًا سوى امتلاك قواه، فهو يحتاج فقط إلى العثور على تلك النقطة المثالية بين الخوف والرغبة.

اتضح أن هذا أصعب بكثير مما كان يظن، فقد كسر كل مفهوم طبيعي مرارًا وتكرارًا عندما يتعلق الأمر بالكشف عن قدراته لهذين الاثنين، وحتى هذه اللحظة لم يبدأ في الحكم بدقة على ما يُعتبر عبقريًا عظيمًا في كل الواقع وكيف يمكنه تقليل مواهبه ليكون عبقريًا عظيمًا وليس وحشًا أو مسخا… ‘الرجل العجوز سِيد يعرف كيف يُسمي الأشياء، أليس كذلك؟’ فكر روان بسخرية.

ما هو الفرق بين الوحش المحبوب الذي يعتز به الناس لتميزه والمسخ الوحشي الذي يخيفك بسبب استحالة أفعاله؟

كان أندار مسخا محبوبًا، لقد أعتبر هذا الساحر عبقريًا مثاليًا، من النوع الذي أشادت به الجماهير باعتباره بطلًا للإصرار والمثابرة والشجاعة… إنه يواجه التحديات، ويعاني، ومن معاناته، يكسب النصر بجلد أسنانه.

سيكون لديه زملاء عباقرة يتنافسون معه في رحلته، سوف يلهمونه، وسيقع في الحب، ويتغلب على التهديد العظيم الذي يواجه الوجود، وسوف يحبه الجميع… كان أندار مثاليًا… المسخ المثالي.

لم يكن لروان مثيل. كل خطوة يخطوها كانت تتخطى حدودًا لا تُحصى. لن يكافح لعصور طويلة ليفهم تقنية قد تدمر الواقع، ففي معركته ضد أحد أشد أعدائه، أضعف نفسه لمجرد الحصول على لقب.

كان مسخا خارقًا، وحشًا يُرعب من يعرفه.

‘لذا، عليّ أن أجعل نفسي أفضل من أندار، وأقل من نفسي في نظرهم”، تنهد… ‘هذا أمر مزعج للغاية، لكن كل هذا من أجل قضية جيدة كما أظن.’

لقد كان من الأفضل لو أخبر الرجل العجوز أنه لم ينجح بعد، ووجد طريقة للقيام بأشياء أخرى، ثم بعد مرور بضعة آلاف من السنين، كشف أنه أتقن الدائرة العليا، لكن هذا من شأنه أن يتركه عالقًا داخل درع تينبريس لفترة أطول مما كان مرتاحًا له.

الحقيقة أنه سوف سيُصدمهم دائمًا. كان الرجل العجوز سيد يعتقد أنه يحتاج إلى عشرات الملايين من السنين على الأقل لينجح. لم يستطع روان أن يتحمل عبثه بهذه المدة الطويلة لمجرد أن يبدو بريئًا، وكأنه مسخ محبوب.

كان القط قد خرج من الكيس، ولم يستطع كبت كلماته. إن جزءًا منه يفهم هذا الموقف، ويعلم أنه لا يسعه إلا المضي قدمًا، لذا ظن أن عليه أن يكتشف عتبة المعجزات، ففي النهاية، ألم يأتوا من أرض المعجزات ؟

هذا يعني أنه بغض النظر عما اختار الكشف عنه، فسوف يُنظر إليه بالفعل على أنه مسخ، الشيء الوحيد المفيد هو العثور على تلك النقطة الجميلة، وجعلهم حذرين من موهبته، ولكن ليس بدرجة كافية ليخافوا منه إلى الحد الذي قد يدفعهم إلى اختيار قتله.

لم ينس روان رؤيته أو إمكاناته، لم يكن ليُصبح بدائيًا فحسب، بل سيتجاوز ذلك المستوى. لقد شكل تهديدًا لكل بدائي موجود، وهو يدرك ذلك.

إلورا والرجل العجوز كانا ابني بدائي، وقد تغلغلت إرادته عميقًا في جسديهما. حتى لو لم يُريدا ذلك، إن علما بوجود تهديد متزايد ضد سلفهمع البدائي، لخنقا روان في مهده.

تنهد روان وانغمس في وعيه، فعلى الرغم من وجود تغييرات هائلة داخل بُعده، إلا أنه لم يقم بالتحقيق فيها في هذا الوقت، بدلاً من ذلك، سافر عقله إلى حواف فضائه العقلي، حيث يمكن العثور على تسعة تيارات من الضباب الرمادي الغامض.

مثل الجداول الضخمة، كانت هذه الخطوط التسعة من الضباب ضخمة، كل منها يمتد لملايين السنين الضوئية، وعندما استخدم وعيه، رأى أنها أحاطت ببعده بالكامل.

من بعيد بدا الأمر كما لو أن هناك تسع حلقات رمادية تحيط ببعده؛ ذكّرته بحلقات زحل، وهو كوكب صغير في عالمه السابق، ولكن بدلاً من حلقة واحدة، كان هناك تسعة منها.

كانت هذه الحلقات التسع تهتز بالإمكانات، كل منها لم تكن مستيقظة بعد، إن مستوى القوة الذي إمتلكته أرعبه، إن هذه هي العلامة التي بشرت ببداية عصر جديد، داخل فضائه العقلي وجد التسامي للعصر الأسمى وكان … مجيدًا.

مرة أخرى، انتابه شعور بأنه على وشك إحداث تغييرات كبيرة في الواقع، والتي كانت أبعد بكثير من مستوى قوته الظاهرة.

إن الإنجازات التي أصبح قادرًا على القيام بها تتجاوز كل الفانين والخالدين تقريبًا، والأن يمكنه إحداث تغييرات كبيرة في كل الواقع بمجرد بذل القليل من الجهد.

لقد لمس وعيه أول حلقة من الضباب وخارج جسده، حدث تغيير هائل.

ظهرت حلقة ضبابية من الضباب حول جسده يبلغ محيطها الإجمالي حوالي سبعة أمتار، ومع صوت خافت تم دفع كل شيء بعيدًا عن داخل الحلقة، تاركًا محيط روان خاليًا من الهواء.

انطلق عمود غير مرئي من الطاقة من موقعه، وإندفع إلى الفضاء والأرض من تحته، تاركًا روان معلقًا في الهواء فوق فوهة بركان بعمق ثلاثين قدمًا، والسحب تدور كما لو أن نيزكًا شق طريقه من خلالها.

بدأ مجال الرجل العجوز سيد في الارتعاش عندما بدأت السحب الداكنة المغطاة بوهج أرجواني في الارتفاع من الشرق، وكأنها تظهر من العدم وتهز مجاله حتى أساسه، اندلع صوت عالٍ من موقع روان يحمل موجة صدمة قوية، وحرارة شديدة حولت المناظر الطبيعية الخلابة لهذا البعد إلى واحد من الرماد والظلام.

كانت عينا روان مغمضتين، فلم يكن قد لاحظ تمامًا ما بدأ يحدث حوله، بل شعر فقط براحة شديدة، وكأن العالم قد تقاسم معه فجأةً عبئًا كان يحمله. انطلق وعيه إلى الأمام، ولمس الدائرة الثانية من الضباب.

خارج جسده، نزلت كارثة، لكن المناطق المحيطة بروان كانت هادئة، حتى أن المراقب قد يسميها مقدسة.

لم يكن شيء يستطيع أن يلمسه، حتى الجسيمات التي كانت أصغر من الذرات، وعلى الرغم من أن محيطه كان محرومًا من كل جسيم، حتى الضوء، ويبغي أن يكون مظلمًا، إلا أن العكس هو صحيح لان محيطه كان منيرا.

امتدت حلقة الضباب لسبعة أمتار أخرى عندما انضمت إليها حلقة ثانية، وكانت تحوم على ارتفاع بضع بوصات فوق الحلقة الأولى.

الترجمة : كوكبة