السجل البدائي - الفصل 958

الفصل 958: الأثم.

تحول وجود روان إلى حالة لا يستطيع فهمها، حيث تم ضغط لحمه الأبعادي إلى حد لم يعتقد أبدًا أنه ممكن.

قد يبدو حامل الإرادة ذو المجال ذي الأبعاد الأعلى وكأنه بحجم الكون إذا أراد ذلك، لكنه لم يكن بهذا الحجم حقًا، كان جسده الضخم يتكون في الغالب من طاقات أبعاد أعلى، لكن روان مختلف، إن لحمه البعدي بحجم ألف مجرة وسلالة أوروبوروس البدائية هي فقط القوية بما يكفي لحمله، بحيث يمكنها بسهولة ضغط جسده إلى مظهره الحالي.

بالنسبة لدرع تينبريس يمكن أن يكون روان مصنوعًا من الهواء لأنه ضغطه إلى نقطة أصغر بكثير من الذرة.

لم يكن الألم هو الذي زعزع استقرار روان، فقد كان معتادًا على كمية لا يمكن تصورها من الألم، وبالنسبة له، أصبح الألم أشبه بحالة أخرى من الوجود، مثل المشي أو التنفس، لقد أصبح بالفعل جزءًا من حياته.

لو لم يكن قادرًا على تحمل الألم الشديد والتعذيب أثناء اللحظات التي تطور فيها، وصولًا إلى هذه النقطة، فبغض النظر عن القوى المتاحة له، لكان قد سقط.

كان للقوة ثمن، وفي كثير من الحالات، أصبح الألم هو العملة المتداولة، لكنه اعتاد على دفع هذا الثمن، وإذا تحولت درجة الألم التي عانى منها إلى شكل من أشكال المال، فإن روان سوف يكون من بين أغنى الناس في أي عالم.

عندما تناسخ، وهو بشري، فعّل سلالتين كليَّتي القدرة، وكان الألم الذي تحمله لتحويل جسده كفيلًا بدفع معظم الناس إلى الجنون. وقد ازدادت هذه العزيمة الجامحة بداخله على مر السنين حتى أصبح قادرًا على القول بجرأة إنه أتقن الألم بجميع ألوانه ونكهاته. لذا، فقد اعتاد الألم، لكن ما لم يعتاده هو هذا الظلام، وهذا الصوت اللعين!

“بووم!”

ما هذا الضجيج؟ كأنه قادم من مكان قريب من إدراكه، كحكة مُزعجة لا تُقاوم، تغرس وجودها في وعيه مرارًا وتكرارًا، وقد ملأ عقله حتى كاد يُفكر، وكل شيء كان مجرد ضجيج وظلام، وعقله غارق في النسيان.

“بووم!”

لم يكن هذا الظلام كالظلام الهادئ الذي وجد نفسه فيه قبل فترة وجيزة، بل كان مختلفًا… واعي، وبتوق برغبة كريهة للغاية أن يلتهمه دون أن يترك شيئًا خلفه. يا له من جوع عظيم، كيف يُمكن لجوع كهذا أن يوجد؟

في هذا الظلام الدامس، تحطمت حواسه تمامًا، مُدمَّرة في اتجاهات عديدة، حتى أن كل جزء منه أصبح مخدرًا. كان من المفترض ألا يشعر بشيء، ومع ذلك، كان لا يزال يشعر بهذا الظلام يتسلل إلى عقله، كالديدان. يحفر… يحفر… يحفر…

“بووم!”

“ما هذا الصوت؟!”

“في بداية العصر الأسمى، لللإعلان عن هذا التغيير العظيم، إبتكر البدائيون الخمسة مسارات للقوة، أطلقوا عليها اسم الدوائر العليا، وكان هناك تسع من هذه الدوائر، لاكن مسار واضح يؤدي إلى جانبهم، للوقوف بجانب البدائيين، أقوياء إلى الأبد، ومشرقين دائما…”

على حافة نوع غريب من الجنون الذي يتحدى أي نوع من التصنيف، سمع روان صوت الرجل العجوز سِيد، وأمسك به مثل طوق نجاة في عاصفة، وأخيرًا، أصبح لديه طريق عبر الظلام ولن يتركه، بقوة إرادة غريبة تمامًا، تجاهل الجنون المتنامي في عقله حيث استمر الظلام في التهام وعيه واستمع إلى الكلمات.

لقد جاء روان من أجل المعرفة، وسوف يُلعن إذا جائت اللحظة المناسبة لنشر تلك المعرفة وسمح لشيء تافه مثل الجنون أن يصرف انتباهه.

“لقد تحطمت قوة الدوائر العليا إلى كل الخليقة، وفي كل الأبعاد.”

“أصبحت كل هذه القطع من الدائرة جزءًا لا يتجزأ من الواقع، وحملها الزمن عبر العصور، وستبقى حتى نهاية العصر الأسمى. ومع ذلك، لم تكن كل هذه القطع موجودة في الفراغ، بل كانت جزءًا صغيرًا من كلٍّ أكبر.”

“بوم، بوم، بوم،….. بوم! كيف تجرؤ…”

وكأنه منزعج من أن روان دفع تأثيره جانبًا، الصوت الذي كان يغمر وعيه بالإضافة إلى الظلام تضاعف في الشدة، حتى كاد أن يغرق صوت الرجل العجوز سيد.

كان بإمكان روان أن يشعر بأن إدراكه بدأ يتكسر، ليس فقط الشعور به، بل سرعان ما بدأ يسمعه مثل الزجاج الذي يتم سحقه تحت كعبي عملاق، لكنه ما زال يتجاهله،

“ليس كافيًا…” زمجر وأزاح كل شيء جانبًا، مركزًا على كلمات الرجل العجوز سيد التي كانت تتوالى بوتيرة أسرع فأسرع. لقد بلغ إتقانه للغة العليا حدًا جعله ربما ينطق بكلمة واحدة فقط، لكنها وصلت إلى روان كقصة كاملة.

“كل مخلوق سعى إلى الهروب من الحدود الفانية والصعود إلى قمة الوجود أخذ القطع المحطمة من الدائرة العليا، وبدأ في زراعتها، مما أدى إلى ظهور عصر من السلام والاستقرار، وتم وضع الفوضى التي لا نهاية لها في العصر البدائي للراحة.”

“ربما كان ذلك جهلاً أو غروراً، لكن من المعروف أن الإمبراطوريين، أبناء الفوضى الأوائل المارقين، هم من أطلقوا على شظية مسارهم اسم الدائرة العليا. كانوا يعتقدون أن شظيتهم هي أقوى وأكمل مسار قوة في الوجود، فبعد العصور الصغرى التي لا تنتهي، نسي معظمهم أن ما يزرعونه مجرد شظايا، وأن الدوائر العليا الحقيقية لا تزال عصية على الهزيمة.”

“بووم…بووم…بووم… ستستمع إليّ… أيها الأثم!”

هل كان ذلك صوتًا؟ حتى في حالة تركيزه التام، كانت الأصوات والظلام قويين بما يكفي لاختراقه، والصوت الذي تخيله، لو كان للمرض أو الركود صوت، سيكون هكذا.

تجاهله روان.

“فقط من بين سلالات البدائيين والقوى العظمى الأخرى خارج الواقع، ممن يدركون الأهمية الحقيقية للدوائر العليا، يمارسون التقليد المقدس المتمثل في مراقبة الدائرة الحقيقية، ولكن حتى من بينهم، تجاهل معظمهم هذا المسار… لقد مضت عصور صغرى بلا حصر… هذا الحمل ثقيل جدًا، والمهمة شاقة للغاية، والآن يا روميون، أنا متأكد أنك بدأت تشعر بذلك، وهو السبب في أن معظمهم لن ينجح أبدًا، حتى لو مُنحوا أعمارًا لا تُحصى. ومع ذلك، لم نبدأ بعد حقًا.”

“بووم!… لقد ارتكبت خطأً أيها الآثم… بوم! أستطيع رؤيتك، أستطيع رؤيتكم جميعًا.”

“اسمع جيدًا يا روميون، فأسرار الدائرة العليا الأولى كامنة في كل شيء حولك. محفورة في كل جزء من الواقع، ولكن لكي تراها، عليك أن تُحرم من كل جزء من الواقع الذي تعرفه، وأن تواجه ظلمة تينبريس، حيث يتوقف كل شيء، ولكن عليك أن تجدها.”

“بووم… يا لها من غطرسة… بوم… ادخل عالمي بلا تعويض أيها الآثم… لكنك لست وحدك، والآخرون معك جائعون أيضًا، مثلي…”

كان هذا الصوت المزعج الذي يُبعد ذهنه عن مهمته يُزعجه. وصل الظلام الذي يتسلل إلى وعيه إلى حدٍّ لم يعد بإمكانه فيه، مهما حاول، أن يكسب أيَّ مكان في عقل روان.

الترجمة : كوكبة