السجل البدائي - الفصل 952

الفصل 952: فهم جديد

لم ينس روان أن الوعي الذي استخدمه عندما التقى كين قد تم تعديله بعناية ليكشف فقط عما أراد أن يراه الخائن العظيم، ولكن هذا كان قبل أن يعرف عن انبعاثات الروح وإمكانية أن كين لم يكن يبحث حقًا من خلال ذكرياته فقط ولكن من خلال روحه أيضًا.

كان كين قد قال فقرة محيرة، مأخوذة من حياة روان السابقة على الأرض، وقد أخذها على أنها هراء، وطريقة لإبعاده عن لعبته بسبب الكشف عن أنه كان على علم بأن روان كان متحولًا.

“يبدو الأمر كما يلي: … قُطع حجر من جبل، ولكن ليس بأيدي بشرية. ضرب الحجر القدمين، فحطم الحديد والطين تمامًا. ثم سُحق الحديد والطين والبرونز والفضة والذهب وتطايرت دون أن تترك أثرًا، مثل قشور القمح وقت الدراس. أما الحجر فقد أصبح جبلًا هائلًا غطى الأرض كلها.”

للحظة، كاد روان أن يُصاب بالذعر، لكن بقوة إرادة اكتسبها من التعامل مع مواقف مُرعبة مُختلفة والتغلب عليها جميعًا، طمأن نفسه، وهو أمرٌ لم يكن سهلًا، لكن كان عليه ببساطة أن يُجبر نفسه على التكيّف. مهما كانت التغييرات التي حدثت بالفعل داخل بُعده، فلن تُحلّ بمجرد الذعر، بل يُفضّل أن يتعلم المزيد عن انبعاثات الروح من الرجل العجوز.

كان كين مخادعًا بارعًا، بإمكانه إقناع أي شخص بصدق أكاذيبه، لكن لم يكن هناك ما يخفي دهشته في النهاية عندما فاز روان. لقد أضاع جزءًا أساسيًا من اللغز هنا، ولن يحله إلا عقل تحليلي رصين.

“ركز يا روميون!” أضاف صوت الرجل العجوز الخشن بعض الإشراق إلى عيني روان، وأزال آخر ما علق بذهنك من ضبابية. “لا تدع أخطاء الماضي تُثقل كاهلك، فهناك فرصة سانحة لك لتحقيق تقدم كبير في المستقبل، ركّز على ذلك، ولا تُفرط في التفكير في أخطاء الماضي التي لا سبيل لك لفهمها، وركّز على الاختبار الذي أمامك. لا تُبدد تعاليمي بالتركيز على ماضٍ يُمكن تصحيحه بسهولة من خلال أفعال الحاضر.”

أومأ روان برأسه إقرارًا، وتم توجيه جميع أعمدة وعيه الأقل إلى كشف أسرار اختفاء كين داخل بُعده، بينما ركز على هذه المعركة في الماضي والتي دلت على نهاية عصر وبداية عصر جديد.

كان الهدف هو تعلّم أقصى ما يمكن وتوظيف هذه المعرفة الجديدة في تعزيز قدراته، ودفعها جميعًا إلى آفاق أعلى، وتصحيح عيوب جسده. متعلمًا من أخطاء الماضي، لم يُركز روان على كل شيء كما اعتاد، بل اختار تجاهل البصر الذي استخدم وعيه، ووجّه عقله نحو جسده البعدي، مستخدمًا رؤية ثعابين أوروبوروس البدائية.

لقد اعتاد روان على استخدام وعيه لإدراك العالم وتجاهل دون وعي عيون جسده، وفي كثير من النواحي، كان لا يزال يتكيف مع عملية إنشاء عمود الوعي الأساسي، وتخصيص إدراكه لتيار واحد من التركيز.

باعتباره عقل خلية، لم يكن من طبيعته أن يمتلك رؤية مفردة، وباستخدام بصره الواعي كان بإمكانه التركيز على العديد من الأحداث في وقت واحد، ولكن إذا استخدم بصره الجسدي كان الأمر عكس ذلك.

كان إنشاء عمود وعي قوي واحد لمحاربة هذا الحدث وصنع توازن داخل وعيه، ولكن في الوقت الذي فعل فيه هذا أثناء وجوده في الخرب المتجمد، لم يكن حتى قد فكر في مسألة التوازن.

هذه المرة تجاهل وعيه وبعد أكثر من ألف عام منذ أن أعاد إنشاء جسده اللحمي، بدأ في استخدام عيون أوروبوروس البدائي.

أول ما فعله هو إغلاق إدراكه بالكامل، لا التركيز على بُعده والمحفزات العديدة فيه، بل إغلاقه تمامًا، فإقتلع عينيه من بُعده بأكمله، تاركًا إياه في ظلام دامس وصمت، كإنسان وضع نفسه في خزان حرمان حسي. كاد إحساسه بذاته أن يتلاشى.

كاد روان أن يلهث، فقد عاش لفترة طويلة في عالم مليء بالمعلومات، من أصغر التغيرات في الذرة إلى التحولات في الطقس عبر ملايين العوالم، إلى أصوات المليارات من أطفاله، والأصوات الهادئة للطبيعة عندما تدفع البذرة نفسها إلى الأرض وتجمع النملة الطعام لمستعمرتها.

كانت كل لحظة مليئة بالأصوات والأحاسيس والمزيد … بلا نهاية.

كان الظلام والصمت مُذلّين، إذ أبعدا كل شيء عن ذهنه، وسمحا له بالتركيز على نفسه فقط. حتى ألف عام من عزلته لم تُضاهي ثانيةً واحدةً طاف فيها إدراكه في الفراغ والصمت.

‘لماذا لم أفعل هذا من قبل؟ لماذا لم يخطر ببالي قط أن أبتعد عن كل شيء وألتزم الصمت.’

مع العلم أن هذا الفكر كان معيبًا بعض الشيء حيث كان الوقت الذي قضاه في الخراب المتجمد بمثابة انتقال بسيط أظهر أنه بدأ يفهم مفهومًا جديدًا ببطئ، قرر إسكات هذا الجزء من عقله وفهم كل ما كان يشعر به.

تفاجأ روان قليلاً وضحك لأنه لم يرغب في مغادرة هذا السلام الذي اكتشفه، لكنه أدرك أن ذلك كان بمثابة غرق في اللامبالاة. كان هذا الصمت المجيد يشفي عقله، لكنه كان أنانيًا. في مرحلة ما من حياته، أصبح أبًا لكونٍ موجودٍ في داخله. أي نوع من الأباء سيكون إذا انعزل عن أبنائه؟

لقد كان إدراكًا متواضعًا بالنسبة لروان عندما اعترف بأن أطفاله كانوا مسؤولية لا يستطيع تجاهلها.

في ذلك الظلام، كان قادرًا على ملاحظة وعيه بطريقة لم يفعلها من قبل، ووجد نفسه من جديد.

تنهد روان في داخله، ‘ما أروع هذا؟ أن تجد نفسك مرارًا وتكرارًا، ترى الكون في حبة رمل، تجد ألف لغز في كلمة واحدة.’

من الظلمة ولد النور.

فتح روان عينيه.

لقد منحه إعادة بناء جسده عيونًا جديدة، عينًا ملونة وجميلة كألمع جواهر الواقع. لم تكن عيون روان المنشورية تحتوي على لون واحد، بل مئات الألوان. كانت قزحيته تشبه مئات شظايا الضوء المتكسر التي تلاقت معًا لتُشكّل شيئًا فريدًا من نوعه.

بعد أن دخل الخراب المتجمد، قرر روان إخفاء ضوء عينيه، وخفته حتى أصبح لونه أخضرًا عاديًا، وكذلك شعره الطويل المتدفق الذي يشبه الماس، فقد جعله ببساطة أشقر، ومع بعض التعديلات الطفيفة على وجهه، كان قادرًا على تقليل جماله إلى شيء يمكن للآخرين فهمه بسهولة.

الترجمة : كوكبة