السجل البدائي - الفصل 941

الفصل 941: غريب

لاحظ روان أن النقل الآني، إن كان ما حدث للتو، سريع، كان أشبه بالانتقال من غرفة إلى أخرى وهذا ما أثار دهشة روان، فقد عرف أنه عبر مسافة عظيمة بشكل لا يصدق والتي يجب أن تقيس مئات الأكوان في العرض، لكن بدا الأمر كما لو أن كل المساحة في أرض المعجزات كانت واحدة بالنسبة لهذه البوابة.

يجب أن تكون هذه سمة فريدة لبعد أعلى، حيث يمكن الوصول إلى الفضاء، مهما بلغ اتساعه، في أي لحظة. يشبه الأمر انتقال كائن ثنائي الأبعاد من النقطة أ إلى النقطة ب، بينما يستطيع كائن ثلاثي الأبعاد رؤية النقطتين في الوقت نفسه والوصول إليهما دون أي مشاكل. لا بد أن هذه البوابة تستخدم السمة نفسها.

ما يعنيه هذا بالنسبة لروان هو أنه في أرض المعجزات، باستثناء أنه وضع بعض القيود القوية حول موقعه، فإن المسافة لم تكن عاملاً، إذا كان أي شخص يعرف موقعه، فباستخدام هذه البوابات سيكون قادرا على الوصول إليه على الفور، وربما قد لا يحتاج حتى إلى البوابات إذا كان حامل الإرادة على مستوى البعد الخامس.

لم يكن لدى روان أي فرصة أخرى للتفكير في هذا الأمر الغريب عندما وجد نفسه على ارتفاع بضعة آلاف من الأقدام في الهواء ثم ارتطم جسده بالأرض بقوة كانت تتجاوز الخيال.

اتسعت عيناه من الصدمة وأبطأ إدراكه إلى حد الزحف، كان الأمر كما لو أن الزمن قد توقف، شعر أن الأرض بدأت تطلق أنينًا عاليًا يمكن سماعه لملايين الأميال وفي تلك اللحظة توصل إلى إدراك رهيب، حيث التقط آخر تلميح لطاقة البوابة التي كانت على وشك الاختفاء في الأعلى، استولى عليها روان وتم نقله عن بعد إلى البؤرة الاستيطانية.

ظهر روان على الأرض، وكان مظهره في حالة من الفوضى، ضحك على نفسه للحظة قبل أن يقف على قدميه ويخرج ببطئ من البؤرة الاستيطانية، وترك رسالة خلفه للحراس بأنه سيعود، ثم عاد إلى الخراب المتجمد.

لم يُبدِ أي إشارة، لكنه لاحظ أن أباريق النبيذ التي تركها خلفه قد اختفت. الغريب، أنه عندما ترك الحارسين، كانا قد عادا إلى جبابريهما، ربما كان لديهما دمية ذاتية التنظيف داخل هذا الكوخ، لكن هذه الملاحظة لم تكن جوهرية بالنسبة له في تلك اللحظة، فتركها لأحد أعمدة وعيه الأصغر وهو يغادر موقع الإلدار.

رحب به الحارسان ودعا له بالسلامة، مع أنهما حاولا إخفاء ضحكتهما في قلبيهما. فلما لم يلحظا رحيل حارسه معه، ظنّا أن شيئًا كهذا سيحدث.

كانت هناك أسباب تجعل من المستحيل على الفانين التجول في أرض المعجزات دون البقاء في جيب أو مع الحماية المستمرة لقوة أعلى.

إن ثقل البعد الأعلى سوف يسحقهم إلى العدم، تمامًا كما يمزق أرواحهم إلى أشلاء، لا يمكن للروح الفانية أن تستوعب وجودها في البعد الرابع، فقط الروح الخالدة التي لمستها قوى أعلى مثل النية أو الإرادة يمكن أن توجد هنا.

كانت سلالة السليل المُقدّس قويةً لدرجة أنها قد تعيش في بُعدٍ أعلى دون خوفٍ من الموت، لكنها بالتأكيد لن تكون مرتاحة. بدا أن هذا السليل لا يروق له احتمال إجهاد روحه على شفا الانحلال.

ظنّ كلاهما أن حامي هذا السليل ربما أراد أن يُلقّنه درسًا، لذا لم يكن محميًا عندما دخل أرض المعجزات. ومع ذلك، كانا يُدركان قوة السليل المُقدّس، وأدركا أنه لن يكون من الصعب عليه عكس المشكلة، هذا أمرٌ يتجاوز قدراتهما، فقاما بواجباتهما كحراس، لكن عقلاهما لم يكونا بعيدين عن الخمر داخل كنزهما المُخزّن، والرغبة الشديدة في شربه.

تعهد ميترال بأخذ قطرة واحدة فقط وترك الباقي لأحفاده الذين قد يكون لديهم أضعف الفرص للصعود إلى حالة ذات أبعاد أعلى وكانت هناك حاجة إلى روح قوية ليكون مثل هذا الشيء ممكنًا.

عاد روان إلى الخراب المتجمد، ولو علم بما يدور في أذهان الحارسين، لكان يهز رأسه من الإحباط. على عكس ما يعتقدانه، لم يكن ليُسحق تحت وطأة البعد الأعلى، بل على العكس تقريبًا. كان جسده على وشك أن يشق طريقه عبر البعد!

في اللحظة التي دخل فيها روان إلى أرض المعجزات، شعر على الفور بجذب بين بُعده وهذا البعد الأعلى الذي عمل كنوع من المغناطيس لجسده، وملأه بانفجارات لا يمكن السيطرة عليها من الطاقات ذات الأبعاد الأعلى، وفي لحظة، تضاعف وزنه بعامل الآلاف، وحتى مع كل قوته، لم يستطع تحمل مثل هذا الوزن.

وفي لحظة كان على وشك أن يُدفع إلى أعماق الأرض حيث اندفع إدراكه بسرعة وتعلم أنه إذا دخل إلى الأرض فلن يتركها.

ستتضاعف القوة الجاذبة على جسده كل مليون ميل يخترقها في الأرض، وكلما سافر أعمق في الأرض، سيتم سكب المزيد من الطاقة ذات الأبعاد الأعلى في جسده، وهذا يعني أنه في أقل من بضع دقائق، سيصبح بُعد روان ثقيلًا جدًا لدرجة أنه سيكون أثقل بملايين المرات مما يمكنه حمله وهذا الوزن لن يتناقص.

كمحاولة أخيرة، نشر قدرته على الحركة عن بعد لملايين الأميال لامتصاص وتوزيع وزنه، كان هذا الفعل هو ما أدى إلى أنين الأرض واكتشف أن وزنه يجب أن ينتشر لتريليونات الأميال لإحداث أي فرق ذي معنى، لذلك استسلم بسرعة قبل أن تؤدي جهوده إلى كمية هائلة من الدمار حيث أن وزنه سيسحق كل شيء لملايين الأميال.

هذا من شأنه أن يؤدي إلى حالة حيث بدلاً من ترك حفرة صغيرة على شكل جسم في الأرض، فإنه كان سيترك حفرة يبلغ قطرها ملايين الأميال والتي من شأنها أن تؤدي إلى أعماق غير معروفة من هذا البعد، لذا اتخذ روان المسار العقلاني وانتقل بعيدًا.

لم يكن يتخيل قط أن جسده البُعدي سيتفاعل مع بُعد أعلى بهذه الطريقة. لا بد من وجود طاقة هائلة تتسرب داخل بُعد أعلى، وخاصةً بُعد مرتبط ببدائي، وقد كان متصلاً بتلك القوة منذ اللحظة التي وطأت فيها قدمه أرض المعجزات.

كانت المشكلة أنه لم يتمكن من عزل هذه القوة بعيدًا عن جسده، لأنها متصلة به بطريقة لم يستطع التحكم بها بعد، والتي تمر عبر الزمن.

أطلق روان صوتًا من الإحباط وأغلق عينيه في تفكير، متأملا في الأساليب التي يمكنه استخدامها لاختراق هذا الحاجز.

ازدادت الحكة التي كان يشعر بها، فانفتحت عينا روان فجأةً، وعلى بُعد أقدام قليلة منه كان عملاق، رجل عجوز بشعر أبيض طويل متطاير ولحية بجسد سامي يوناني. “ستحتاج إلى زرع بذرة في العدم لتنجو هناك.”

رمش روان وقال “عفوا؟”

رفع الرجل العجوز عينيه، “أنت غريب، أليس كذلك؟ بامتلاكك إرادة من مستوى البعد الثالث، سأقدم لك الحل للمشكلة التي تؤرقك. لكي تعيش في بُعد أعلى، عليك أن تغرس نفسك في العدم… غريب.”

نادى صوت حاد: “أبي!”

“ماذا؟! فقط القدماء يخيفونني، أنا أثني على الصبي.”

الترجمة : كوكبة