السجل البدائي - الفصل 1363

الفصل 1363: الطعنة

ما أدهش روان هو صوت ثينوس، الذي كان يتمتع بجودة غريبة ذكّرته تقريبًا بالكنز وورمتونج، لأن صوته كان يتردد مرتين كما لو أنه شخصان يتحدثان في نفس الوقت.

كان صوته مألوفًا أيضًا، بدا مثل صوت بيريون ونيميسيس، لذا من الواضح أن الجبار لم يسرق طاقة هذين الاثنين فحسب، بل أخذ أشياء أخرى أيضًا، وأحد هي أصواتهم، وربما شيء أكثر، كان ذكاؤه مريبًا، بدأ ثينوس يتعلم بسرعة كبيرة، وهذه المعرفة لم تكن تأتي من عقله وحده.

الغرائز التي دفعته إلى الفرار إلى هذا العالم على الرغم من أنه ينبغي أن يكون آمنًا في العالم الذي صنعته لوحة العالم، والأساليب التي استخدمها لنشر وعيه في أجساد الجميع هنا، بحيث على الرغم من جنونه، فإن البحث عنه سيكون مستحيلاً تقريبًا، كل هذا وأكثر يثبت أن ثينوس إمتلك أكثر من مجرد ذكريات.

عندما سمع سؤال ثينوس المجنون، أشرقت عينا روان مثل مصباحين مزدوجين، وهز رأسه رافضًا، وأجاب:

“لا، أنا لا أحب صوت صراخهم.”

رمشت عيون ثينوس الكثيرة، “بالطبع، لا يعجبك هذا. ليس هناك ما يكفي! بالكاد تسمعهم، أريد المزيد… المزيد… المزيد! أخبرني لماذا يبكون؟!”

“لستَ بحاجةٍ إلى المزيد من الناس لتعذيبهم لتعرف إجابة هذا السؤال يا ثينوس، فالإجابة كانت أمامك منذ البداية. أعتقد أنك تعرفها أيضًا، لكنك تختار الكذب على نفسك، أو ربما لا تعرف معنى الكذب والحقيقة، على الأقل ليس عندما يتعلق الأمر بك، لذا يمكنني إخبارك إن أردت.”

ضاقت العيون في شك، وعرف روان في تلك اللحظة أن ثينوس قد أدرك من هو، إذا لم يكن قد اكتشف ذلك من البداية بالفعل، لكن روان كان قادرًا على فهم هذا الجبار بشكل أعمق مما أدركه ثينوس، وما أخبره به للتو كان طُعمًا قاتلًا أبقاه في مكانه.

همس ثينوس،

“لماذا هذا يؤلم؟”

تحدث روان ببطء،

“إنهم يبكون… إنهم يتألمون… لأنهم، على عكسك، كاملون.”

رمشت عينا ثينوس في حيرة، ثم تحول هذا الانفعال سريعًا إلى غضب، “لا أفهم! ما الذي يجعلهم كاملين، ولماذا لا أملكه؟”

ابتسم روان وقال: “اقترب مني، وسأخبرك”.

“لا، أنت تريد قتلي، هذا ما أفهمه.” أجاب ثينوس ببرود: “مع أنني أتسائل لماذا لم تبدأ بذبحي، فأنت لم تُضيع كل هذا الوقت في أول مرة رأيتني فيها، أم أن… ها، أرى أنك أحمق. الشيء الوحيد الذي تغير هنا هو وجود هذه الأكوام من اللحم، أنت… تُحبها.”

“بالطبع أنا أحبهم، وأنا لا أحبهم فقط يا ثينوس، بل أحسدهم أيضًا.”

بدأ ثينوس يضحك بطريقة غير مصدقة إلى حد ما، “الحسد؟ مثل هذا الضعف؟ إذا كنت أنت هكذا، فقد كنت مخطئًا في الهروب منك.”

“يا لك من طفل أحمق،” بدأ جسد روان يتوهج، “معرفة أن هذه هي شخصيتي، كان يجب أن تجعلك تهرب لأنني لن أقاتل جسدك، بل روحك.”

تراجعت العيون، دافعةً نفسها نحو السماء، “لقد تذوقتُ أسلحتك، وأعلم أنك قتلت تريليونات، ومع ذلك أنت مستعدٌّ للمخاطرة بروحك من أجل هؤلاء القلة البائسة؟! روان، ظننتُ أنني من يُفترض أن أكون مجنونًا. لقد وُلدتُ قبل ثوانٍ، لكنني أعرف معنى النفاق عندما أسمعه.”

“اه، أتسائل من هذا الذي سرقت منه ذكائك، لكن لا يهم. ستصرخ روحك، وهم بالسعادة لأنك قد تفهم الألم أخيرًا.”

انفجر جسد روان في الضوء، وبدا أن جسده يتحول إلى شمس ذهبية كبرت وابتلعت كل شيء، كانت عيون ثينوس تتلألأ بسرعة وهو يسعى لسرقة القوة المستحيلة أمامه، لكن لم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى دخل الذعر في عينيه لأنه لم يستطع لمس الشمس المتوسعة، ومع هدير خافت مملوء بالغضب والخوف، هرب.

*****

كانت إيفا تقف بين السحاب تراقب العالم المزدهر في الأسفل. أصوات التجارة، وصخب الحشود، وضحكات الأطفال، ومعارك المزارعين في طريقهم نحو الخلود، كان المشهد مفعمًا بالحيوية، لكن بمراقبة دقيقة من عيون الجميع هنا، يمكنك أن تشعر بالألم والتعب في نفوسهم.

لقد فهمت أن حالة الأرواح على نجم الهلاك كانت أسوأ بكثير، وأن ما كانت تشهده هو مجرد بداية لعملية مرعبة من شأنها أن تجرد هؤلاء الأشخاص ببطء من كل ما يعرفونه ويحبونه، ارتجفت إيفا، وهي تعلم أن مثل هذا الكيان السرطاني يشترك في نفس الجذور السماوية مثلها مما يجعله حبة يصعب ابتلاعها.

فجأة أصبح العالم من تحتها ساكنًا، وكأنه تجمد في الزمن، وتوقفت أنشطة الجميع، وأصبحت عيناها متصلبة، لقد قام روان بحركته.

كما لو أن كل إنسان على وجه الأرض كان دميةً تُحركها خيوطٌ خفية، ارتفعت رؤوسهم بقوةٍ هائلة بينما انطلق الظلام والدم من كل فتحةٍ في وجوههم. انفجرت عيونهم وآذانهم وأنوفهم مع اندفاع الظلام من أجسادهم بقوةٍ هائلة، وكان هناك الكثير منه في كل جسدٍ لدرجةٍ بدت مضحكةً تقريبًا، وعندما انتهى الظلام من الخروج من أجسادهم، انهارت جميعها على الأرض بلا حياة.

تنهدت إيفا بارتياح، إذ يبدو أن روان قد نجح. كان شفاء أجسادهم أسهل بكثير من شفاء أرواحهم.

كان من الأسهل ببساطة القضاء على ثينوس أثناء وجوده داخل أجساد هؤلاء الناس، وبإمكان روان جمع بقايا أرواحهم، لكن هذا من المرجح أن يمنحه فقط إمكانية الوصول إلى طاقة أرواحهم وليس أصول أرواحهم لأن سكان هذا العالم لا يعرفونه، وكما تعلم روان، فإن فساد ثينوس يمكن أن يلطخ أصل الروح، وهؤلاء الناس بغض النظر عن عدد المرات التي يتجسدون فيها في المستقبل، إذا لم يتمكنوا من الوصول إلى المستوى البعد الثامن، فسيتم إدانتهم بحياة من التعذيب والكابوس.

الطريقة الوحيدة لإنقاذهم كانت أن يجبر روان ثينوس على الخروج من أجسادهم وأرواحهم، وقد نجح في ذلك.

مع اختفاء الظلام من أجساد الناس، بدأ يتجمع في السماء، وتصطدم بعنفٍ مروع حتى انكشف جسد ثينوس الضخم. سعى الجبار، الذي لا يزال يتخذ شكل طفل رضيع برأسٍ يشبه لحمًا مشوهًا ومريضًا، إلى الهرب، وحفرت أطرافه في الفضاء، لكن محاولته مُنعت، وترددت صرخة خوفه في أرجاء الكوكب.

انعطف رأسه فجأةً ثلاثمائة وستين درجة، وعيناه تتحدقان في المكان الذي وقفت فيه إيفا، لكنها كانت قد اختفت. في اللحظة التي رأت فيها سيدة الظلال الظلام ينبثق من أجساد الناس، غادرت، مدركةً أن هذه المعركة تفوق قدرتها.

تحرك جسد ثينوس وظهر في المكان الذي وقفت فيه إيفا وبدأ يلمس الفضاء، وكانت عيناه فضولية وتمتم، “ظلال؟”

بدا الواقع وكأنه يتحول من حوله وأطلق ثينوس زئيرًا من الغضب، لكن نظرة سريعة حوله كشفت أن العالم تحته قد اختفى وأنه كان في مساحة رمادية يبدو أن حجمها لا نهائي.

برزت عيناه فجأةً من الصدمة عندما انفجرت شفرة طويلة من منتصف رأسه، مليئة بقوة تدمير هائلة، وضرب جانب رقبته بقوة هائلة. أدى مزيج هذين الفعلين القويين إلى تفجير رأسه بالكامل. لم يتسنَّ للجسد الممزق أن يطير بعيدًا قبل أن ينهار إلى رماد.

كان جسده يتأرجح في حالة من الذعر عندما سمع صوت روان، “يا له من إهدار … حتى بدون أي معرفة بها، لا يزال بإمكانك الشعور بظلالها.”

ضربت قوة هائلة أخرى جذع رقبته، حيث كان رأسه الجديد ينمو، فتحوّله إلى رماد. شعر ثينوس بوخزات في جسده وهو يتحول إلى رماد، ومع تجدده ببطء، عادت إليه وخزات أخرى.

الترجمة : كوكبة