السجل البدائي - الفصل 1362

الفصل 1362: الأذى

لقد مر وجود روان دون أن يلاحظه أحد، لكنه كان يعلم أنه لن يمر وقت طويل قبل أن يكتشفه ثينوس، قد يعتقد الجبار أنه آمن في الوقت الحالي لذلك ركز على شفاء نفسه أولاً، لكن كائنًا حكيمًا مثل ثينوس لن يخفض حذره لفترة طويلة، ولن يسمح روان لهذا الجبار الماكر بالانزلاق من بين أصابعه.

إذا كان ثينوس يشبهه في أي شيء، فقد توقع روان أنه لن يبقى في هذا العالم لفترة طويلة، وسوف يمرر ببساطة أكبر قدر ممكن من فساده ويغادر إلى عالم آخر، وسوف يشطف ويكرر هذه الصيغة حتى ينتهي من الشفاء.

كان أقوى الخالدين هنا بالكاد خالدًا من البعد الرابع، وكان وحده يحمل أكثر من ستين بالمائة من الفساد الذي طرده ثينوس

نادى روان بهدوء: “إيفا”، فانبثق ظل ورائه، قبل أن ينفصل عنه ويقف بجانبه. لاحظ روان أنه قبل أن يستدعي سيدة الظلال، لم يكن يُلقي ظلًا، بل بعد ظهور إيفا ظهر ظل تحته.

لاحظت إيفا أيضًا هذا التطور ونظرت إلى روان بقليل من القلق في عينيها، وهي تعلم أنها تقف أمام روحه البعدية، مما يعني أن هذه هي المرة الأولى التي تتحدث فيها إلى هذه النسخة من روان، أرادت التعبير عن رغباتها في سماع أفكاره حول حالته العقلية لكنها كانت تعلم أن هذا ليس الوقت المناسب، وحتى لو كان ذلك مهمًا، فهناك طرق أفضل لإخراج روان من رأسه، ولذا ذكرت ببساطة الغرض الذي تم استدعاؤها من أجله في الأصل،

“أعمل على الحاجز، أعطني لحظة… ها هو، كل شيء جاهز، لكنني سأستمر في إضافة المزيد من حواجز العزل إليه، وكلما منحتني وقتًا أطول، زادت ثقتي بأن لا شيء سيفلت من هنا. بمجرد أن تعطي الإشارة، سيُحاط الكوكب بأكمله بالقلعة الخشبية. سينعزل ثينوس تمامًا عن الواقع.”

ـالقلعة الخشبية؟ اختيار تسمية مثير للاهتمام. أنتِ تعلمين أن الخشب من أضعف المواد التي أملكها. لماذا تُطلقين هذا الاسم على حصن منيع بينما لم تستخدم قطعة خشب واحدة في بنائه؟”

ابتسمت إيفا داخليًا، لقد اختارت هذا الاسم في هذه اللحظة لأنها كانت تعلم أنه سيلفت انتباهه، يبدو أنه على الرغم من اكتساب روح ذات أبعاد جديدة، فإن جوهر روان الأساسي لم يتغير، ربما يكون يعود ببطئ إلى جذوره.

“لا أذكر قط أنك كنتَ دقيقًا إلى هذا الحد في اختيار الأسماء. أعتقد أنني أفضل أنت البارد، الذي كان يتمتع بحس فكاهة رائع، على نحوٍ مدهش.”

“لديّ حس فكاهة، لكن ليس هذا ما نتحدث عنه هنا، أليس كذلك؟ أعرف اسمًا سيئًا عندما أسمعه. في مشروعكِ القادم، أتسائل ما هي منهجية التسمية التي ستتبعينها، ‘السيف الرقيق، درع الأرنب’؟ أفتقد تلك الأوقات التي كان فيها للأسماء وزنها.”

بدت سيدة الظلال وكأنها تفكر في الأمر، ثم ارتجفت قائلة: “حسنًا، لم يكن الأمر سيئًا للغاية… أليس كذلك؟ همم،” تأوهت إيفا بانزعاج قبل أن تغير موضوع الحديث بسرعة، “هل هذا ما يجب أن نركز عليه الآن؟ أعلم أنك بارد يا روان، لكننا على وشك قتل طفل رضيع، يجب أن تمنح هذه اللحظة كل البهجة التي تستحقها.”

هز روان كتفيه، “إنه ليس رضيعًا، بل على الأرجح حُمل به قبل ولادتكِ يا إيفا، وهناك أمرٌ يجب أن تتذكريه. يحق لنا أن نحزن على موتانا، هذا متوقع منا، لكن في اللحظة التي نبدأ فيها بقتل الآخرين، نفقد حقنا في المساومة على موتٍ نظيف أو أي موتٍ نختاره. هذا لا ينطبق على أعدائي فحسب، بل عليّ وعلى أطفالي أيضًا. إذا جاء اليوم الذي خسرت فيه هذه الحرب التي لا تنتهي، وكنت على وشك الموت، وإذا تبول العدو في جمجمتي، فلن أعترض على عدم قتله لي بشرف.”

“روان… هذا مثير للاشمئزاز.”

“آه… لقد نسيتِ أن لدي جذورًا بشرية.”

“أنت لن تكون ممتعًا في الحفلات، أليس كذلك؟”

“على الأرجح”، ثم ابتسم روان، “تعلمين، لقد مرّ وقت طويل منذ أن حضرتُ حفلة، آخرها كانت على كوكب تريون عندما كنتُ بشريًا، كنتُ على هامشها، ولديّ خادمة وروح. وبعد ما يقرب من مليار عام، هذه هي المرة الأولى التي أفكر فيها بحفلة.”

“أوه، هذا أمر مؤسف، يجب علينا إصلاح ذلك.”

“ما الذي أصابك يا إيفا؟ لم أعتبرك قط شخصًا يفضل الميول البشرية.”

“حياتك مازالت صغيرة يا روان، لا أحد يُسعد أكثر من الخالدين. مع ذلك، لقد سئمت من مشاهدة هذا الرجس، فالدرع مكتمل، ولا يوجد ما أضيفه، دعنا نقضي على هذا الكابوس الصغير ونعود إلى المنزل. أستطيع أن أرى ما وراء ظلال هؤلاء الناس، روان، أرواحهم، وما يفعله بهم. أعلم أنك تظن نفسك الشرير، لكن هذا… هذا الشيء، سيُزيل عنك هذه الفكرة.”

نظر روان إلى سكان هذا العالم، نظر إليهم بتمعن. في البداية، كان متجاهلاً، لعلمه أن ثينوس حاليا داخل أجسادهم ويستخدمها كمصفاة لإخراج الفساد إليهم. لقد أدرك بالفعل أنهم جميعًا أموات، ولم يكونوا يدركون ذلك بعد، ولذلك لم يكلف نفسه عناء النظر إلى أرواحهم حتى لا يفزع ثينوس. لكن من السهل عليه أن يشارك بصرإيفا، التي غطت ظلالها العالم، وفي ظلال أهل هذا العالم، لم يرَ الشر فحسب، بل مخلوقًا يتلذذ به.

“الدرع جاهز يا روان، قل الكلمات، ودعنا ننهي هذه العدوى.”

كان روان صامتًا لبعض الوقت قبل أن يقول، “أريد أن أنقذهم”.

“أوه،” اتسعت عينا إيفا، ثم ابتسمت، “ثم سوف ننقذهم.”

*****

“لماذا هذا يؤلم؟”

سأل ثينوس أرواح اثني عشر مليار فاني وهو يسلخهم أحياءً ويأكل جلودهم. سأل هذا السؤال، لكن يبدو أنه لم يكن يبحث عن إجابات، إذ بدأ بنزع عظامهم، فعل ذلك ببطء شديد، ضامنًا أن تشعر أرواحهم بأقصى قدر ممكن من الألم، وحرمهم من عزاء الجنون وهو يبتلع جنونهم. لقد كان ذلك لذةً لذيذة.

“لماذا هذا يؤلم؟”

لقد سمح لرجل أن يذبح عائلته بأكملها مرارًا وتكرارًا في حلقة لا نهاية لها باستخدام قبضته فقط، متأكدًا من أن العائلة كانت على علم بكل ما يحدث …

“لماذا هذا يؤلم؟”

لقد تم جلب كل روح في هذا العالم أمام مذبح ضخم كان ظل ثينوس يحوم فوقه وتم تقطيع أجسادهم إلى قطع وخلطها معًا، ومع ذلك ظلت عقولهم نشطة، وحافظوا على سلامتهم العقلية، ورغم أنهم لم يكن لديهم أفواه أو رئات، فقد صرخوا وصرخوا …

“لماذا هذا يؤلم؟”

فوق هذا الامتداد الشاسع من المعاناة، كانت مئات العيون تتطلع إلى الأسفل في إثارة بينما كانوا يتمعنون في العيد المجيد الممتد أمامهم، وفي تلك العيون كانت أحلام الواقع كله منحنية نحو رؤيته.

لم يكن هذا كافياً على الإطلاق، فقد كان قد بدأ للتو تجربته، وأراد أن يعرف ما الذي سيشعر به كل كائن حي موجود… يصرخ، ويتألم، ويخاف، وإلى أي مدى ستصل أصوات رثائه؟

“لماذا هذا يؤلم؟ لماذا… لماذا… لماذا…”

لقد أرادها، تلك الرؤية حيث أصبح كل شيء كما…

‘انتظر… كان هناك شخص يقف هناك، وهو لا يصرخ… لماذا لا يصرخ؟’

نزل وعي ثينوس نحو الشكل الوحيد الذي يقف في آخر كومة من اللحم والعظام المذبوحة، والتي ترتجف في تشنج مميت، ومئات العيون التي كانت أكبر من الأقمار، مليئة بالأيدي التي كانت تمسك بكل شيء ولا شيء في نفس الوقت، توقفت فوق الشكل المفرد وسأل،

“لماذا لا تصرخ؟”

لكن الشخصية لم تنظر إليه، بل إلى حقول الأجساد اللامتناهية، روائعه الجميلة التي كانت تتشكل ببطء. سرعان ما اكتشف ثينوس أنه لا يتوق إلى الألم النفسي بقدر ما يتوق إلى الجسدي… كان يتوق إلى الألم، يتوق إليه لأنه لم يكن يعرف معناه.

أصبح صوته فضوليًا عندما سأل، “هل تحب أن تسمع صراخهم أيضًا؟”

الترجمة : كوكبة