السجل البدائي - الفصل 1341

الفصل 1341: اشهد مجده (2)

لم تستطع لوحة العالم إيقاف الخالد، ووفاءً لاسمه، تحمّل ما فاق حتى قدرة عين بدائي لدقيقة. ورغم إصاباته البالغة التي لم تشفى بسبب قوة لوحة العالم، رفض التوقف عن الحركة، فكانت إرادته شعلةً لا تُطفأ، ومهما ظهرت أمامه الحواجز، فلن يتوقف عن المضي قدمًا.

كان كل جزء من جسده سلاحًا وهو يشق طريقه عبر الفضاء، حيث كانت إرادته وسلالته تُولّدان ومضاتٍ شبحية من الضوء الأخضر، آسرةً وشديدةَ الشدة. اخترق حاجزًا تلو الآخر، مُخترقًا واقعًا أصبح مُختومًا تمامًا، وفي إدراك لوحة العالم، كان هناك شعورٌ خافتٌ بالذعر، فكل شيءٍ من وجوده هنا هو إهانةً لإرادتها.

“لا يمكنك إيقافي، لأنني نهايتك.”

كان التوهج الأخضر المنبعث من جسد الخالد ساطعًا لدرجة أنه يشبه النجم تقريبًا، ومع ذلك لم يتمكن من إخفاء الثمن الباهظ الذي كان يدفعه حتى يتمكن من التحرك ولو بوصة واحدة في هذا الواقع حيث يجب أن يظل كل شيء ثابتًا.

مع عالم يبدو أنه أصبح متجمدًا ولا يمكن إلا للخالد أن يتحرك من خلاله، خرج صوت الضحك المجنون من ثينوس مرة أخرى، مزقت صراعات الجبار الذي لم يولد بعد جرحًا كبيرًا في رحمه، وننظر من خلاله عين صفراء محمومة واحدة بقزحية ذهبية لامعة مرقطة بنقاط عديدة من مادة سوداء تشبه الحبر.

كانت العين تتوهج ببراعة، لكن ضوئها غرب. هناك خطأً يصعب فهمه، كأن ضوء عينه يُحاكي الضوء، لكن خللاً في طريقة إدراك ثينوس للعالم جعل ما ظنه نورًا شيئًا آخر.

كان من السهل قراءة عاطفة ثينوس، ربما لأنه كان صغيرًا، أو لأنه لم يكن يهتم بإخفاء ما يحدث في ذهنه، لكن كل شيء عنه كان قاسيًا، وقسوة تتجلى في طبيعته.

إن محاولته المتكررة والفشل في إيذاء عين الزمن قد وضعه في مزاج مدمر، ومشاهدة جسد بيرييون المكسور ينزل من السماء، ويترك آثار الدماء عبر نصف الأفق، أشعلت شغفًا محمومًا داخل ثينوس، أراد أن يؤذي هذه اللعبة الجديدة التي لفتت انتباهه.

في داخل عقل ثينوس كانت هناك عويلات الملايين من الأرواح التي أحرقت حتى تحطم أصل أرواحهم، وبقدر ما أحب الصوت، فإنه يفضل الصمت فقط، وإذا لم يكن بإمكانه الحصول على الصمت، فإن العالم الخارجي يجب أن يذوق ما كان يختبره في الداخل، ربما فقط حينها سيكون لديه قدر من الراحة، حتى يتمكن من ترتيب عقله.

لمعت عيناه، ولأن روان كان ينظر إلى ثينوس عن كثب في تلك اللحظة، ولم يعد هناك أي حاجز من الرحم يحجب بصره، فقد استطاع أن يلمح الآلية الفريدة التي يُطلق بها ثينوس قواه. لم تكن هذه القوة تُطلق بالأثير أو الجوهر أو أي شكل آخر من أشكال الطاقة التي يعرفها روان، بل هي أشبه بسمة فطرية في جسد ثينوس، والمثال الوحيد الذي استطاع روان أن يجده هو مجال قوته الفطري وقدرة التحريك الذهني التي لم تكن مدعومة بأي مخزون طاقة في جسده، بل هي ببساطة جزءًا منه.

في اللحظة التي سبقت وميض عين ثينوس، كان ما حدث غريبًا ومرعبًا، اختفى في غمضة عين، لكن روان التقط كل عملية.

انفجرت عشرات المليارات من الأيدي، جميعها بمخالب حادة شريرة، من قزحية ثينوس، مصحوبةً بفيضان من الدم الأسود. كانت لهذه الأيدي عيون مغلقة في وسط راحاتها، ثم انفتحت تلك العيون كاشفةً عن مشاهد مُرعبة وكارثية. لو أن تلك العيون كانت بوابات لواقعات لا تُحصى، لكن جميع تلك الواقعات كانت مُرعبة.

[في أحد المشاهد كان هناك مهرجان كبير حيث جلست قبيلة حول نيران ضخمة وأكلت جثث أعدائها في الحرب، بدءًا بأطفالهم، إنها طريقة نفسية قاسية للحرب أظهرت للقبائل الخاسرة مستقبلهم وهو يُستهلك أمام أعينهم ثم الإناث وأخيرًا تم أكل الذكور جميعًا.]

[وفي عين آخرى يوجد هناك مشهد لوجود شيطاني ضخم يقطع ملايين الأميال من قارة كنت في سلام قبل لحظة، وقد تم تنفيذ آلاف المذابح في أقل من ساعة، وبحلول الوقت الذي أشرقت فيه الشمس في السماء، تحول المحيط بأكمله حول تلك القارة إلى اللون الأحمر.]

[وباء الطفيليات آكلة اللحوم يدمر عوالم بأكملها …]

[مخلوقات الظلام المتغيرة الشكل تذبح ببطء كل كائن في العالم على مدى آلاف السنين، مما دفع السكان إلى الجنون بالشك والهستيريا.]

كانت هذه من بين أكثر الأهوال البسيطة التي يمكن رؤيتها في هذه العيون، والكثير منها أسوأ بكثير، حواس روان استوعبت كل ذلك، وأدرك أن ما ينظر إليه هو مشاهد كل حياة حدثت داخل نجم الهلاك عبر العديد من العصور الصغيرة التي استخدمتها لوحة العالم لتطهير ثينوس من دنسه.

حتى في الموت، كانت أرواح الملعونين تعود دائمًا إلى ثينوس، وقد أصاب اليأس والجنون جسده المريض أصلا، مما أدى إلى تشويه عقله إلى ما هو أبعد من حالته الملتوية بالفعل، ومع ذكرياته وروحه التي تنمو مرة أخرى داخله بعد تحريره من الصحراء الكبرى، انتشرت تلك العدوى مرة أخرى في جميع أنحاء جسده.

ومع ذلك، اكتشف روان أنه في كل مرة تومض فيها عيون ثينوس، فإن ما يفعله في الأساس هو تطهير جسده من تأثير تلك الأرواح الملعونة، إلى جانب هالته الغريبة التي كانت تستخدم لنفي كل الطاقة داخل أجساد أولئك الذين تم لمسهم.

لم يكن هذا الجبار بسيطًا، فقد كان يُقاوم الفساد غريزيًا، وهو أمرٌ صادمٌ بصراحة. مع كل ما أصبح عليه ثينوس، وجد روان أنه لا يزال يتمتع بقدرٍ كبير من الذكاء، أو على الأقل، بالحذر.

****

كان الهدف الذي لاحقه ثينوس هو الخالد، وبينما كافح من أجل اختراق حواجز لوحة العالم، اكتشف بيريون موجات الحقد المتجهة نحوه، وحاول تجنبها، فإنطلق بقوة وإمكانات كبيرة لدرجة أنه فقد ذراعه اليسرى بسبب انفجارها إلى قطع تحت الضغط الثقيل للقوة التي اضطر بيريون إلى توزيعها في جسده.

ومع ذلك، فإن التقنية التي أطلقها ثينوس إمتلكت قدرة غريبة على ملاحقة هدفها، ولم يكن بإمكان الخالد تجنبها أكثر من قدرة البشر على تجنب ضوء الشمس الذي يلامس جلدهم تحت حقل مفتوح.

بصوتٍ أزيزٍ خافت، غُطِّيَ الخالد بسحابةٍ سوداءَ مُلوِّثةٍ مليئةٍ بصرخاتِ تريليون روحٍ مُعذَّبة، وتوقفَ تقدُّمه فجأةً إذ اختفت كلُّ طاقةٍ في جسده. لا، لم وختف، بل اختُطفت!

كان روان يراقب عن كثب جميع التبادلات التي حدثت، وبالتالي كان قادرًا على رؤية أن الطاقة المسروقة من الخالد تم توجيهها إلى عين ثينوس، حيث استهلكتها تلك الأيدي بلهفة قبل أن تغرق مرة أخرى في العين، وكل هذا حدث بسرعة كبيرة لدرجة أنه بالنسبة لمعظم المراقبين، كل ما سيرونه على الإطلاق هو عين ثينوس تومض ببساطة وقوى هدفه قد فقدت.

كان هناك صوت مضغ من ثينوس وأصبح صوت الضحك الغريب أعلى.

توقف هجوم الخالد دون أن تدعمه طاقته، فأقرع منهزمًا. لا يزال على ملايين الأميال من الأرض، ولولا قمعه لقطع هذه المسافة في أقل من ثانية، لكن الزمن لا يمكن عكسه، وأخطاؤه كلفته كل شيء. ثم خطر ببال بيريون أمرٌ ما، فقد شاهد المعركة بين روان والقوى داخل نجم الهلاك، وآه يعكس الزمن، ربما…

لقد كان من الواضح أنه لم يكن الوحيد الذي كان يدرك أنه على الرغم من أن كل شيء بدا يسير ضد خطط روان، مع سلالة الدم الزمنية الخاصة به، ألا يمكنه ببساطة عكس كل ما حدث؟

كما لو كان ذلك ردًا على تلك الفكرة، بدأت عيون روان تومض، وميض خافت من الضوء له شكل غامض يشبه الساعة الرملية يظهر في أعماق عينيه.

الترجمة : كوكبة