السجل البدائي - الفصل 1236

الفصل 1236: همسات الإنت

كان بإمكان شمسي الصعود أن تشعرا بوضوح بقوة العظام المحيطة بأشجار الصعود الضخمة ذات الأبعاد السبعة المائة، وكان بإمكانهما أن يشعرا بأن هذه المجموعات من العظام تنتمي إلى كيانات قوية على نحو مماثل، وكان هذا هو السبب، على عكس البقية، في أنها لم تنهار إلى غبار العظام.

اهتز الصاعد الشمس تريلمول، “ما كل هذا؟ منذ متى وقفت هذه الأشجار فوق جثث أعدائها؟.”

مازال ديلوس يلمس غبار العظام، وتمتم، “بحسب تكهناتي، على الأقل لمدة مليار سنة أو أكثر، للحصول على صورة أكثر وضوحًا لهذا الأمر، سيتطلب الأمر أن نتحقق من قطع العظام الأكثر اكتمالًا في المستقبل”.

على وشك التحرك للأمام، أوقف تريمول ديلوس، “إذا كانت بقية الأشجار خلفنا نائمة، فهناك احتمال كبير أن تكون الأشجار أمامنا نائمة أيضًا، لكن لا يمكننا المخاطرة ولا ننسى السبب الآخر لوجودنا هنا.”

“أعلم،” عبس ديلوس، “أشعر به بوضوح أكبر، لذا علينا التحرك. لا تقلق إذا وقعنا في خطر، سأضعك في نطاقي، وهذا سيمنحك وقتًا كافيًا للهروب من هذه الفترة الزمنية.”

نظر تريلمول إلى شريكه بنظرة عميقة، “ليس عليك فعل ذلك. أستطيع مواجهة أي معركة قادمة بنفس القدر معك، ولا يزال بإمكاننا المغادرة دون محاولة التجسس على أسرار الماضي.”

هز ديلوس رأسه، “لا، يجب على أحدنا أن ينجو مما هو آت، نحن هنا من أجل الإجابات ولا يمكننا المغادرة بدونها.” تنهد، “إذا كان هناك أي شخص بيننا يجب أن ينجو، فيجب أن تكون أنت، لأن لديك إرادة الرعاية، بينما أنا أفضل للقتال.”

هز تريلمول رأسه بحزن، “أخشى أن العالم الذي سنعيش فيه سيحتاج إلى هذه الإرادة للقتال وليس للرعاية”.

“هذا هو السبب تحديدًا وراء أهميتك”، جادل ديلوس، “لا بد من وجود شخص ما لإعادة البناء. كفى من التردد، تراجعوا بينما أتحقق من الأمر.”

تقدم الصاعد ديلوس بحذر نحو مركز الأشجار الضخمة لأنها كانت مرتبة في دائرة، وكانت أكبر كتلة من العظام في منتصف تلك الدائرة، وسار ببطء كما فعل، استغرق الأمر منه شهورًا للوصول إلى حافة تلك الدائرة، وتردد قليلاً قبل أن يدخل ببطء إلى الظلال التي تلقيها الأشجار الضخمة.

بدأت الهمسات.

في البداية لم تكن عالية الصوت مثل طنين النحلة من مسافة بعيدة ولكن بعد ذلك استمرت في النمو كلما ذهب أعمق واقترب من المركز حتى لم يستطع تجاهلها وكاد يتعثر عندما أصبحت تلك الهمسات أجزاء من الكلمات، لكنها كانت تُقال بلغة لم يستطع فهمها.

ومع ذلك، كانا النية من تلك الكلمات واضحة وضوح الشمس. استطاع ديلوس سماع الألم وشعور الخيانة في تلك الهمسات، فوجد نفسه يسير نحو إحدى الأشجار. كان بإمكانه مقاومة الإكراه إن شاء، لكنه لم يحاول، لأنه شعر بشيء يجذبه إليها، شعر بقلب مقاتل، ومثله، عرفت الشجرة التي جذبته المعركة أكثر من أي شجرة أخرى.

وبينما كان يقترب من الشجرة، تحول الهمس إلى صراخ، ولولا قدرته على التكيف والتأقلم مع أي ظروف ضارة، لربما دفعته الأصوات إلى الجنون جزئيًا.

جاء الصاعد ديلوس أمام الشجرة الضخمة ولمسها وحدث هدير في رأسه جعله يتألم من الألم، ثم كان هناك صمت كما لو أنه أصيب بالصمم، لكن هذا الصمت كان عميقًا وجاء بالفهم.

هزة على كتفه أبعدته عن الصمت والتفت ليرى تريلمول خلفه وأصبح غاضبًا،

“لقد قلت لك أن تنتظر أخباري، لماذا دخلت هذا المكان عندما…”

غرق ديلوس في صمتٍ عميقٍ عندما أدرك أمرًا هامًا. لمس الهواء أمامه فلاحظ أن قدميه قد غاصتا في الأرض حتى كادت تصل إلى ركبتيه، فتمتم بارتباكٍ: “منذ متى وأنا واقفٌ هنا؟”

أجاب تريلمول ببطء: “لقد كنتَ تلمس هذه الشجرة منذ عشرة آلاف عام يا ديلوس، لم أستطع الانتظار أكثر، وكان عليّ أن أتأكد إن كنتَ قد ضللت الطريق قبل أن أغادر هذا المكان نهائيًا.”

أمسك ديلوس بمعصم تريلمول فجأةً، “أعرفه، أعرف أسرار ماضينا!” تمتم تريلمول بهدوء: “لقد وجدتُ آثار الطاقة المألوفة، وهي للكوارث.” بدا حماس ديلوس واضحًا في البداية، وكان على وشك أن يبدأ بإخبار تريلمول بكل ما تعلمه من تواصله مع الشجرة، لكنه فتح فمه وقال:

“ماذا قلت للتو؟”

“قلتُ إنني وجدتُ آثارًا للكوارث، انظر، في وسط كومة العظام، الكوارث تختمر”.

“ماذا… لا، هذا غير ممكن،” هزّ ديلوس رأسه نافيًا، “لا يمكن أن تكون هذه هي المكافأة بعد كل هذا العذاب.”

عندما لاحظ تريلمول حالة زميله الصاعد، أخرجه من الأشجار في طريق العودة، لأنهشعر برغبة ملحة في لمس الأشجار وكان خائفًا من أنه إذا فعل ذلك، ربما ينضم إلى ديلوس وسيبقيان هنا إلى الأبد.

استغرق الأمر بعض الوقت حتى استعاد ديلوس كامل قواه العقلية، ثم بدأ العمل بصوت باهت دون أي تحفيز،

“حاربنا الكوارث، بينما حاربوا المدمرين، واستمرت هذه الحرب على مدى ثلاثين مليار عام. آه تريلمول، كان عليك أن تراهم في أوج عطائهم، فحضارتنا لا تُقارن بما حققوه… هؤلاء الإنت الإيليوميون.”

اهتز تريلمول، “هل ذلك إسمهم؟”

أومأ ديلوس، وتابع: “أجل، ولم يكونوا دائمًا كذلك. كل شجرة هنا كانت ترتفع أعلى، وأغصانها تمتد على نطاق أوسع، وجذورها تصبح أرجلًا ضخمة. لقد انتصروا على المدمرين، الوحوش المرعبة التي تتغذى على الحياة رغم كل الصعاب، ومكافأةً لنصرهم، تم إسكاتهم جميعًا.”

كان نور عيني ديلوس قد اتخذ لونًا مخيفًا، “لقد ظلوا على هذه الحالة لمليار عام، وأعتقد أنني أعرف السبب، فقد كانت المملكة تصنع شيئًا جديدًا من بقايا المدمرين. لقد كانت تبتكر الكوارث، وأعتقد أنه عندما يكتمل إنشائهم، سيظهرون ويتغذون على كل إنتٍ هنا.”

وكأن كلماته كانت الحكم النهائي الذي يبشر بنهاية هذا العصر، انطلق مجس أسود ضخم من وسط الحقل، وترددت صراخ سامين الكارثة المألوفة.

نهض الشمسان من موقعهما، فقد كانت غريزة محاربة سامين الكارثة متأصلة في عروقهما، ولكن بعد ذلك سمعا صوت طقطقة أعلى وهذه المرة كان قادمًا من الأعلى.

عند النظر إلى الأعلى، كان هناك شيء ينزل من السماء، ويترك وراءه لهبًا أزرق، ومع رؤية الصاعد، حددوا بسرعة ما كان يسقط من السماء فأصبحت نظرتهما ملونة بالارتباك.

كان نيزكًا ضخمًا يشبه بيضة حجرية. ونشأت حيرتهم حين أدركوا أن بيضة حجرية مماثلة قد هبطت في العالم في المستقبل.

اهتزت الأرض عندما ارتطمت البيضة الحجرية بالأرض على بُعد آلاف الأميال.

“لماذا كان هذا الدخيل هنا أيضًا في الماضي؟”

الترجمة : كوكبة