السجل البدائي - الفصل 1155

الفصل 1155: الدروس النهائية

كان الصبي مذهولاً. في خضم دهشته وألمه، أدرك أنه لا يمكن لوالديه بأي حال من الأحوال كبح جماح ثعبان أوروبوروس، ومع ذلك فقد فعلا، وبدا الأمر كما لو أن القشور قد أُزيلت عن عينيه، ففهم الأمر.

في هذا العالم، القوة للأقوى. كيف يستطيع رجلٌ واحدٌ أن يقف في وجه محيطٍ أو أن يُصارع تسونامي حتى يُخضعه؟

لقد أرشده والداه إلى الطريق. كانت الإرادة هي كل شيء.

يستطيع الإنسان أن يفعل أي شيء إذا كان مستعدًا للتضحية. لطالما أخبره والداه أنه يمتلك المعرفة لكنه يفتقر إلى الحكمة. ظنّ أنه لم يعد بإمكانه تعلم شيء منهما، ومع ذلك تبيّن أنه مخطئ تمامًا.

نهض من وضعيته المستلقية وانحنى نحو والديه وبدأ بالسير نحوهما، مر بالضائع الذي وقف وفمه مفتوحا في ذهول مما كان يشهده، وضوء غريب يتدفق من عينيه لأنه بدا وكأنه قد توصل إلى إدراك ما.

توجه الصبي نحو والديه وبدا كل شيء متجمدًا حولهم الثلاثة، أصبحت الشمس الحمراء وأوروبوروس البدائي مجرد خلفية لهم الثلاثة، ومع حجمه الحالي، كان مثل الفأر بجانب قدميهما العملاقة، وبالكاد يمكن ليديه المرفوعتين الوصول إلى إصبع قدم والدته، همس،

“الفجر…” ثم التفت إلى والده، “الفجر…”

كانت عيون والديه مغلقة كما لو كانا نائمين ولكنهما ما زالا يبتسمان عندما سمعا صوته،

“لقد ناديتنا أخيرًا باسمنا، لقد نادانا طفلنا أخيرًا باسمنا… لكننا لم نتحمل بعد أيًا من ضرباتك”، تحدثت والدته بابتسامة، والدم الذهبي يتساقط من جانبي شفتيها،

“شكرًا لك على كل ما فعلته من أجلي، لم تجبرني على معرفة ما تريد، بل أظهرت لي الطريق، وسمحت لي بالاستفادة منه.”

وبعد أن قال هذا بدأ جسده ينمو، ولم يتوقف عند حجمه الضئيل السابق الذي كان أقل من عشرة أقدام، ففي لحظة قصيرة أصبح أطول من والديه، والآن أصبحا بحجم النمل أمامه.

كان يقف على ارتفاع آلاف الأقدام، وانحنى وحجم ثعبان أوروبوروس البدائية من الرقبة، حيث اندلعت كنوز ميلاده من ظهره مع نافورة من الدم الذهبي، وقبل أن يتمكن الثعبان الناري في يديه من المقاومة، هاجمته الكنوز الميلادية التسعة في أشكال ثعابين ضخمة من جميع الزوايا ومزقته إلى قطع.

بدأ شكلهم في التحول قبل أن تأخذ كنوز ميلاده شكل ثعابين ضخمة ولكن كان هناك شيء مفقود جعلهم غير مكتملين، والآن بعد التهام جوهر ثعبان أوروبوروس البدائي، بدأت أجسادهم في ملء المساحات الفارغة.

كانت الشمس الحمراء على بعد بضع عشرات من الأقدام منه، لكن هذا العملاق الذهبي لم يكن حتى ينظر إليها، بدلاً من ذلك، انحنى وحمل والديه برفق ووضعهما خلفه، وأدار ظهره للشمس الحمراء، وداعب بلطف وجوه والدته ووالده،

المس ببطء لشفاء جروحهم الخطيرة،

“دعا طفلكما يريكما كل ما تعلمه.”

الثعابين التسعة خلفه، والتي أكملت تطورها المرتجل، فتحت أفواهها المرعبة وزأرت، وفي حناجرها جحيم من لهب ذهبي. كانت هذه الثعابين جوهر جوع أوروبوروس.

وبينما كان العملاق الذهبي يشفي والديه ببطء، انقضت ثعابينه التسعة المتطورة على الشمس الحمراء، لم يحاولوا صدها، لم تكن هذه هي الطريقة التي تعمل بها ثعبان أوروبوروس، بل رأوا الشمس كغذاء.

تمددت أجسادهم إلى تماثيل ضخمة ملأت المساحات الصغيرة التي تفصل بينهم، فمزقت العيون العديدة التي كانت تشاهد الحدث الجاري بالكراهية والاستمتاع، واخترقت رؤوسهم الشمس الحمراء، ومع هدير غريب بدا وكأنهم يصرخون ويستنشقون في نفس الوقت، بدأوا في التغذية.

في البداية، لم تبدو الشمس الحمراء وكأنها تلاحظ أي تغيرات، ولكن فجأة، عبر أفضل امتداد لجسمها الذي يمتد لملايين الأميال، خفت ضوؤها الساطع، وتوقفت عن الحركة.

صمتت الأصوات التي لا تعد ولا تحصى الخارجة من الشمس الحمراء، ثم بدأت بالصراخ، لأنها، لأول مرة منذ ولادتها، عرفت الألم والخوف، لدرجة أنها طغت على مساحتها العقلية بأكملها.

ربما كانت قوية جدًا، لكن مبتكرها لم يصمد طويلًا، ولذلك لم يكن لعقلها أي دفاعات تُذكر في موقف غريب كهذا. لم تعرف الشمس الحمراء كيف تعالج الألم أو الخوف، فظلت عالقة، عاجزة عن الحركة، عاجزة عن الفهم، لا تملك إلا الصراخ.

ارتجف العملاق الذهبي عندما استهلك جسده بواسطة النيران الحمراء، كانت ثعابينه تستنزف الكثير من الطاقة لدرجة أن ردود الفعل التي وصلت إليه كانت أكثر مما يمكنه التعامل معه تقريبًا، لكنه تعلم درسًا أساسيًا اليوم، كانت الإرادة هي كل شيء!

مهما علت الأمواج، سينتصر عليها، مهما كبر الجبل، سيُخفّض. نظر إلى الشموس السبع الذهبية تحته، وأشار، فانطلقت الشمس المركزية نحوه.

لقد عانى من أجل هذه الشمس الذهبية مرات لا تحصى، والآن أدرك أنهم تعرفوا عليه بالفعل، وما تبقى له هو أن يفهم نفسه والإمكانات الموجودة بداخله،

أدخل الكرة الذهبية إلى صدره، فذابت ودخلت داخل جسده وعلى الفور اختفت النيران الحمراء التي كانت تحترق عبر جسده.

ارتجف العملاق الذهبي، وتراجع خطوةً إلى الوراء، ثم زأر. انبعث من فمه شعاعٌ ذهبيٌّ شقّ الشمس الحمراء نصفين، واستمرّ في الامتداد حتى اصطدم بالعتبة الفاصلة بين القارات الدنيا والعليا.

ما حدث بعد ذلك كان مرعبًا، ووواقبه ستكون أكثر خطورة لو لم تكن العتبة ذات وظيفة علاجية.

كان لدى الطفل السامي تقنية واحدة أراد إحضارها إلى القمة، وتلك التقنية هي تقسيم الشريحة، والتي يمكنها تحويل شريحة واحدة إلى كمية لا نهائية في اللحظة التي تصل فيها إلى هدفها.

لم تستطع الشمس الحمراء التي انقسمت أن تصمد ولو لثوانٍ معدودة، رغم مخزون الطاقة الهائل الذي منحته إياها الذاكرة/العقل. انتشر جشع الأوروبوروس في جسدها، فاستهلك كل ما لديها. في ثانية واحدة، اختفت الشمس الحمراء التي بلغ قطرها ملايين الأميال.

في السماء، كان يحدث أمرٌ أشدّ وطأةً. بدأت العتبة تتحطم. شُفيت فورًا بالطبع، لكنّ المراقب كان ليظنّ أن العالم مُعطّل، لأنّ السماء فوق رؤوسهم كانت تختفي ثمّ تظهر مرارًا، وكانت الرؤى التي تُكشف كلّما حدث ذلك مُرعبة.

ولأول مرة منذ الأزل، رأى العديد من سكان القارات السفلى الوجه الحقيقي لعالمهم.

الترجمة : كوكبة