السجل البدائي - الفصل 1153

الفصل 1153: الفجر (6)

عرفت الشمس الحمراء أن وقتها قصير، ولذلك كرهت نفسها، وذلك، فإن كل ثانية من وجودها كانت تجعلها تكره تلك اللحظات أيضًا، وتتمنى زوالها. كانت الشمس الحمراء مجنونة، وهذا الجنون ازداد كلما كبرت، مما زاد من قوتها وزاد من سرعة هزيمتها.

يوجد بداخلها غضب وكراهية تجاه مبتكرها كان أعظم من أي غضب أو كراهية يمكن أن نشعر بها تجاه العالم، وقد علم مبتكرها بكراهيتها وسخر منها، وهذا الوعي مثل سكين يخرج من الزاوية الصغيرة من الظهر حيث لا يمكن لليد الوصول إليها، مما يجعل كراهية الشمس الحمراء تزداد مع كل لحظة تمر.

كان هذا عملاً آخر من أعمال البعد الأعلى، الذاكرة/العقل. بهذه القوة، يُمكن لشرارة واحدة أن تُدمّر أكوانًا متعددة.

تسببت أصوات الشمس الحمراء في ارتعاش حتى أقوى مباركي الدم من الخوف، وفقد الكثير منهم توازنهم حيث ضعفت أجسادهم، والشيء الوحيد الذي يمكنهم فعله بالكاد هو التمسك بشعلتهم الذهبية ومشاهدة السماء بأكملها تتحول إلى اللون الأحمر الدموي.

الشك والخوف والرعب… غمرت مشاعر سلبية شتى عقول الناس هنا. كانوا أقوياء، لكن قوة عدوهم كانت ساحقة، فرغم نسبهم المحترم، لم يكن لهم الحق في الوقوف أمام قوة حامل إرادة من البعد السادس.

“أحضروا لي نيرانكم!!!”

لقد قطع هدير الطفل السامي كل الضوضاء، وأفاق المباركون الذين كانوا يرعون النيران من مرضهم، ونظروا في رعب إلى مدى اقتراب الشمس الحمراء من مدينتهم.

كانت مدينتهم السامية في قاع محيطٍ لا نهاية له، وكان محيطها ظاهريًا مئات الأميال. كان مبارك دم هنا يقف فوق المدينة، في مركزها، أسفل الدروع التي تغطيها مباشرةً، على ارتفاع عشرات الأميال في الهواء، ليتمكنوا من تقدير عظمة القوة القادمة نحوهم، حاملةً كل الكراهية الموجودة.

كانت هناك كمية لا يمكن تصورها من المياه المحيطة بمدينتهم، وكانت الشمس الحمراء تجعل المحيط يبدو وكأنه بركة، وأصبح لونه الأحمر الدموي كل شيء، وعلى الرغم من أنه كان لا يزال على بعد مئات الأميال، إلا أن حجمه كان هائلاً لدرجة أنه كان الأمر كما لو كان من الممكن مد اليد إليه ولمسه.

لم يكن هناك سوى مائة ألف من المباركين واقفين، أي ما يقرب من ألف لكل حصن تم بناؤه.

تجمعت ألسنة اللهب الذهبية التي أشعلوها، بلغ قطرها أكبر من ألف قدم، وتتوهج كنجم ساطع. كان مشهدًا مذهلًا، لكن أمام ضخامة الشمس الحمراء، بدا ضئيلًا للغاية.

“لا زال بإمكاننا الصمود!”

لم يكن معروفًا من صرخ بهذه الكلمات أولًا، ولكن اتضح لاحقًا أنه والد الطفل السامي، وقد ردد الباقون هذا الشعور. شعروا بالخجل لأنهم في النهاية سيسقطون جميعًا ويتركون العبء لشخص واحد فقط – أصغرهم هنا.

“نعم، سنصمد!”.

“يمكننا الصمود!”.

نهضوا جميعًا وبدأوا تحولهم. رجال ونساء من لحم ودم، جلسوا يومًا ما متربعين، نهضوا كعمالقة ذهبيين، طولهم مئات الأقدام، وهدّوا إلى السماء المليئة بالدماء.

“سوف نصمد!”

ابتلع الصبي ريقه والتفت إلى الضائع، “هل سبق لك أن رأيت شيئًا مثل هذا من قبل؟”

“مثله؟” أجاب الضائع، “عدة مرات أكثر مما أستطيع أن أحصيها.”

أثرت الشمس الحمراء على المدينة.

*****

كانت تأرجحات مدمر روان ميكانيكية تقريبًا في البداية، فقد حسب بدقة أفضل زاوية وقوة وملايين العوامل الأخرى التي دخلت في صنع تأرجح مثالي لمدمره، وبمساعدة روحه، كان حصاد روان لسلسلة الإرادة في أقصى قدر من الكفاءة.

لم يعتقد أبدًا أن القمة لم تعد كافية بالنسبة له.

أدرك روان أنه لا ينبغي له أن يدفع إدراكه إلى الخارج للتحقيق فيما يحدث في الخارج لأنه بغض النظر عن مدى فحص الصاعدين للعالم الخارجي، فقد ركزوا مليون مرة أكثر من الجهد على العثور على جذر الكارثة داخل فقاعة اللانهاية، لكنه لم يهتم.

كانوا يُظهرون له عزمهم، فكيف سيصمد بعد اليوم إذا كان أقل ما يمكنه فعله هو ملاحظتهم؟ سينظر إلى أطفاله الرائعين، كالنجوم، يا له من بريقٍ ساطع.

لقد استمع إلى خطتهم الجنونية، وعرف ثمن ما سيفعلونه. أراد روان أن يمنحهم الوقت والحرية لاستكشاف قدراتهم ببطء لقرون، صغارًا، كان عليهم أن يزحفوا، لكنهم بدلًا من ذلك، ارتدوا أحذية طويلة وتحملوا نير المعاناة، وكانوا يحرثون حقوله المليئة بالصخور والفخاخ التي لا تُحصى.

“هل وُجد بطل رواية عديمُ الفائدةِ مثلي؟ أقفُ دائمًا خلفَ الشخصيات الجانبية وهم يحملونَ ما لم يُقدَّرْ لهم أن يتحملوه.’

اصطدمت الشمس الحمراء بالمدينة، وتمنى روان أن يتمكن من التراجع، ولكن حتى لو ارتجفت روحه، ظل شكله مثاليًا.

حطمت الكراهية حقل القوة فوق المدينة، وبدأت تشق طريقها عبرها. تأوهت المدينة كما لو كانت كائنًا حيًا، وبمعنى ما، كانت حية، وإن لم يكن ذلك بطريقة يفهمها معظم الناس.

وبينما اقتربت موجة الكراهية من مركز المدينة، وعلى بعد أميال قليلة من الوصول إلى جسده، بدأت التحصينات في التحرك، كل مائة وواحد منها، مرتبة في نمط على شكل نجمة، حيث اندلعت موجات صدمة متعددة منها والتي انتشرت عبر بقايا المدينة التي بشرت بإطلاق مائة وواحد عمود ذهبي من اللهب التي اندفعت مع هدير، ظهرت تقريبًا مثل ثعابين أوروبوروس الضخمة عندما اصطدمت بجدار الكراهية.

كان ألمعها يأتي من الطفل السامي، الذي على الرغم من مرور ما يقرب من يومين من التعذيب المتواصل، لا يزال لديه القوة العقلية لاستدعاء المزيد من النيران الذهبية أكثر من أي شخص آخر.

لم يبدُ أن الكراهية لاحظت النيران التي تناثرت على جانبها. واصلَتْ زحفها بلا هوادة. ومع ذلك، لم يتراجع أبناؤه. حتى وهم يحاربون الكراهية، لم يكفوا عن صقل النيران.

استمر سقوط المزيد والمزيد منهم، وتقلصت أعدادهم من الآلاف إلى المئات، لكن أولئك الذين ظلوا تحت وطأة توقعات كل أولئك الذين قاتلوا معهم، تجاوزوا حدودهم مرارًا وتكرارًا، وبدأوا في إضاءة النقطة الخامسة من نجمهم.

أدى هذا إلى تموّج وتكثّف أعمدة اللهب الذهبية، فلم تعد تبدو كلهب بل كالبلازما، كنهر ذهبي. كان التوهج المنبعث منها ساطعًا لدرجة أنه لوّن جدار الكراهية بأكمله الذي كان يكاد يكون في قلب المدينة.

في اللحظة الأولى، انطلقت الكراهية، وهذه هي المرة الأولى التي بدأت فيها بالتباطؤ. بدت الشمس الحمراء وكأنها تهتز، ثم بدأت إرادة شريرة، راضية بالتهام كل شيء بوتيرة ثابتة نسبيًا، بالتجمع نحو المدينة.

بدأت عيون لا تعد ولا تحصى تنبثق من الشمس الحمراء، وتشع بالإشراق قبل أن تركز على المدينة وأولئك الذين تحدوا إرادتها.

الترجمة : كوكبة