السجل البدائي - الفصل 1110

الفصل 1110: ذكريات النار (7)

الفتاة ذات الشعر الأبيض رأت التحول في المزاج بين الجميع هنا عندما ذكر هذا الاسم والتفتت إلى أندار،

“من هو هذا روان؟ هل هو سامي، أم مُهيمن، أم شيطان، أم ساحر كبير، أم كائن غريب من خارج الكون مثلك؟”

أوقفت الإمبراطورة، التي كانت عيناها ترمشان بعنف وفمها يرفرف كسمكة خارج الماء، تصرفاتها الجنونية، فأعطاها شللها وقتًا لاستيعاب ما كان يحدث وتجاوز الصدمة الأولية. ورغم صدمتها الهائلة، كانت الإمبراطورة سكارليت عبقرية نادرة، واستطاعت أن تفصل أفكارها ببطء حتى استقر عقلها نوعًا ما.

التفتت إلى فيوري ورأت الصدمة في عينيه، فضحكت ضحكة خافتة كادت أن تضحك، ‘لماذا كان خائفًا؟ بالطبع، لا يمكن أن يكون روان كورانيس. صحيح أن الطفل كان كاسرًا، مما جعله مميزًا بعض الشيء، لكن كان هناك آلاف من الكسّارين الآخرين الذين رأتهم. من المؤكد أن هذا الصبي الأحمق لم يعتقد أنه الشخص نفسه’. ثم عاد عقلها إلى الحادثة التي حاولت فيها فهم مصير روان وكاد تاجها أن يتحطم.

أدركت فجأةً أنها لا تفهم شيئًا عن الواقع واللاعبين الحقيقيين الذين يديرونه. أفعال السامين الغريبة، والحرب العجيبة التي اندلعت من العدم، والدمار اللعين للكون بأسره، كلها بدت وكأنها تشير إلى رجل واحد. “هل كنتُ بعيدة كل البعد عن الواقع؟” شعرت الإمبراطورة بعودة ذاكرتها إلى طبيعتها عندما ألقى مالاكيث الظل على عمودها الفقري. نهضت ببطء ونظرت حولها خلسةً كفأر، لكن عينيها كانتا تلمعان بفضول وهي تستوعب كل ما يحدث حولها، تشعر وكأنها طفل حديث الولادة فُتحت عيناه أخيرًا.

أجاب أندار أخيرًا على سؤال الفتاة ذات الشعر الأبيض، مما لفت انتباه الجميع هنا إليه،

“في الحقيقة، لا أعتقد أنني أعرفه جيدًا. إنه من النوع الذي لم يُكلف نفسه يومًا عناء الشهرة أو فرض إرادته على الآخرين. أعتقد أن السبب هو أنه يمر بالواقع بسرعة فائقة، وكل شيء يتلاشى بالنسبة له، فلا شيء يدوم. يمكننا أن نقضي مليون عام في استكشاف قوة تقنية ما، ولن يستغرق سوى ثانية واحدة قبل أن يتركها. كل شيء يتلاشى… إلا هو، ولا أحد يضاهيه.”

فيوري على الجانب، شحب عند هذه الكلمات، ذاكرته تحاول التوفيق بين روان الذي عرفه منذ بضع سنوات فقط وهذا الكيان الذي يبدو أنه لا يمكن معرفته والذي يمكنه إنشاء وتدمير الكون بأكمله، كل هذا بدا سخيفًا جدًا بالنسبة له وإذا لم يكن يعاني منه، فسيعتقد أنه تحت تأثير تعويذة.

لاحظ أندار انزعاج فيوري، لكنه لم يهتم بذلك كثيرًا، كان يرد على سؤال من ستاف التي بدا يائسًا لمعرفة الإجابة، تذكر شيئًا وضحك بخفة،

“في آخر لقاء لنا، كنتُ أتحدث معظم الوقت، بينما كان هو يجلس ويستمع إليّ. أعني، لقد استمع إليّ بصدق. يقول الناس إنهم يستمعون، لكن لا يمكن أن يكون الأمر هكذا أبدًا، حيث تُسمع كل كلمة وتُفهم بعمق، كأنني أنظر في مرآة روحي. لم أشعر بمثل هذا السلام في حياتي قط، وتمنيت أن يدوم إلى الأبد. أجلس معه بجانب النار وأُسلمه قلبي، لأني أعلم أنه في كل الخليقة، لا أحد يعرفني أكثر، ولن يعرفني أحد أبدًا”.

ضحك أندار ساخرًا من نفسه، “كان هذا الكائن الظلي محقًا، فأنا لستُ مجرد ساحر عادي، لقد صنعت على يدي منشئي نفسه، ولدت لأتفوق. ولأُنافس أي مخلوقٍ وُجد في الخليقة. مُنحتُ القدرة على الوقوف إلى جانبه. لقد وهبني من لحمه ودمه، وسحبني من حياةٍ عاديةٍ تمامًا إلى حياةٍ أسير فيها بين ذروة المواهب، وما هو الثمن الذي طلبه مقابل هذا، أعتقد أنكم ستتسائلون. لا أحد يُعطي هدايا بهذا الحجم دون انتظار مقابل…”

“ما هو الثمن؟” لم يكن فيوري يعلم حتى عندما قاطعه أندار والتفت إليه في دهشة، هذا السامي الغريب والمكسور لغز في حد ذاته، لأن أندار استطاع أن يرى أوجه تشابه خافتة بين فيوري وروان من ملامح وجهه.

ابتلع فيوري تحت نظرات أندار، وجعلته شرارته السامية المكسورة يشعر وكأنه نملة أمام جبل، لكنه طرد الكلمات من فمه: “ما هو الثمن الذي دفعته مقابل قوتك؟ لو راهنت، لكان كل شيء، أليس كذلك؟ كما تعلمت في هذه اللحظات القليلة الماضية، للقوة ثمن. ثمن يكون دائمًا أعظم مما يُمنح. لا أحد يريد الخسارة، وكل صفقة كانت من أجل ربح في النهاية.”

ابتسم أندار، “نعم، هناك دائمًا ثمن للسلطة، والثمن الذي طلبه مني كان واحدا من أكثر الأشياء المؤلمة التي تخيلتها على الإطلاق، وسأفعل أي شيء تقريبًا لعدم دفع هذا الثمن”.

لعق فيوري شفتيه، “ما هو الثمن؟”

أبعد نظره عنه، همس أندار، وكانت نبرة صوته غريبة، كما لو أنه هو نفسه لم يستطع فهم الإجابة،

“الحرية، ثمن قوتي كان الحرية. لماذا يمنحني هذه القوة الهائلة ويدفعني بعيدًا عنه، وهو يعلم أنني مستعدة لدفع أي شيء لأكون بجانبه؟”

همست الفتاة ذات الشعر الأبيض التي أطلقت على نفسها اسم ستاف: “هل أخبرك لماذا أعطاك حريتك؟”

تردد أندار، فقد وضع كلمات والده عميقًا في قلبه، ولم يتحدث عنها حتى مع ميرا، لكن كان هناك شيء في عيني الفتاة يطالب بالإجابات لأنها كانت في نفس القارب مثله.

نظر إليها وإلى الشخصية الغامضة التي حمتهم هالتها من دمار الكون. وقف كأنه عملاق، ورغم أن أندار كان يعلم أن هذا الرجل قد مات، إلا أن قلبه ارتجف عندما نظر إليه. كان هناك تشابه واضح بين الفتاة وهذا الرجل، فسأل:

“هل كان والدكِ؟”

أومأت برأسها، ولم يعد أندار يتردد وتحدث،

“أودُّ أن أظنَّ أنني أفهم سببَ منحي الحرية، لكنني سأخبرك كما روى لي حرفيًا”. قال لي: “كما يكشف الزمنُ أسرارَ الماضي وفسادَه، إذا أردتُ تغييرَ الواقع، فعليَّ أن يبدأ هذا التغييرُ بي. إذا أردتَ صنع أعداء، فحاولْ تغييرَ شيءٍ ما”.

“لقد كسرتُ قيود العبودية التي فرضت عليّ، وأدركتُ أن أطفالي لن يتمكنوا من تحقيق كامل إمكاناتهم إذا لم أعرف كيف أحررهم. لن أكون مثل أبي والآباء. عليّ أن أترككم، حينها فقط ستتألقون حقًا…”

الترجمة : كوكبة