السجل البدائي - الفصل 1064

الفصل 1064: العصر الصامت

في المرة الأولى التي استدعى فيها روان وعيه، كانت المحاولة متسرعة ووقحة، وكان من المحتم أن تلفت انتباه إرادة العالم، وإذا لم يكن لحقيقة أن وعيه يمكن اعتباره ميتًا، فإن العواقب التي واجهها ستكون أكثر شدة من مجرد صاعقة محنة.

ما لم يكن روان يعرفه هو أنه خلال أكثر من ثمانمائة ألف سنة من وفاته، كان وعيه يتجمع بين الحين والآخر، مما يخلق شموسًا ذهبية ضخمة سوف تتحطم إلى قطع بواسطة إرادة العالم.

بعد سنوات لا حصر لها من التحطيم المتكرر بواسطة البرق الضيق، أصبح وعي روان الميت الآن محصنًا تقريبًا ضد أضراره، وتغير فعل إرادة العالم إلى فعل القمع، وهذا ساعد روان في استيعاب الجزء الأول من وعيه لأنه بعد أن تحطم بواسطة إرادة العالم، يمكنه الاستجابة بسهولة لدعوة روان.

بالطبع، لم يعتبر روان إرادة هذا العالم ضعيفة، بل اعتبرها تُخصص مستويات مختلفة من القوة لمهام مختلفة. إذا هاجم بيريون الخالد وعيه المكسور مرة أخرى بهدف تدميره، فقد يستغرق الأمر مليارات السنين أو أكثر حتى يتشكل من جديد.

من الواضح أن إرادة العالم اعتبرت موت روان أقل تهديدًا، وكلفت برق المحنة المتواضع بقمعه، لكن هذا سيتغير إذا رُصدت حالة أخرى من صعود وعي روان بسرعة. ستشعر إرادة العالم بالتأكيد بوجود خطب ما، وستزيد من يقظتها.

ولهذا السبب، لن يستدعي روان الجزء الثاني من وعيه بنفس الطريقة التي فعل بها الجزء الأول.

لم يكن الأمر وكأنه لا يعرف طريقة أفضل لاستدعاء وعيه بطريقة أفضل في المرة الأولى التي حاول فيها القيام بذلك، لكنه كان ضعيفًا جدًا في ذلك الوقت لأداء هذا الاستدعاء بأي درجة من الدقة، مع قوته الأكبر في هذا الوقت، كان سيقوم بعمل أفضل.

لقد تفتت وعيه إلى عدد لا نهائي من القطع، وعندما أصدر أمره، جُمعت قطع الوعي في وحدة واحدة ليسهل عليه استيعابها جميعًا في كنز ميلاده دفعة واحدة. كانت خطوة محفوفة بالمخاطر، لكنه نجح. لكن الآن، وقد امتلك قوة عقلية كافية للصمود لفترة أطول، ولم يعد عليه هضم وعيه بالكامل دفعة واحدة، سيستدعي شظايا وعيه ببطئ.

لمس روان جبهته بطرف سبابته اليمنى، فانفرج لحمه قبل أن ينفتح كاشفًا عن ثقب بيضاوي الشكل يُمكن من خلاله رؤية جمجمته الزرقاء. كرر الحركة نفسها ولمس الجمجمة، فانفرجت كاشفةً عن دماغه الشبيه بالجوهرة، ولم يتوقف عن حركته، دافعًا إصبعه في رأسه حتى لمس دماغه.

ظهرت حفرة بيضاوية الشكل في دماغه، وكان بداخلها ما بدا أنه لا شيء في البداية، ولكن ببطئ يمكن رؤية أشكال غير واضحة، عمالقة ذهبية متجولة ذات ريش ممزق يتدلى على ظهورهم مثل العبائات، عندما تم الكشف عن الحفرة البيضاوية، توقف العمالقة جميعًا عن الحركة ونظروا إلى الأعلى، ووصلت نظراتهم إلى العالم الخارجي، وانفتحت أفواههم في صرخة يمكن أن تهز الخليقة بأكملها.

“يولشو ثياك…”

“العصر الصامت…”

انطلقت الصرخة من هذا البعد المظلم وعندما خرجت من الثقب في جمجمته تحولت من موجة صوتية إلى ضوء، لكن هذا الضوء كان على طيف لا يستطيع حتى الخالدون اكتشافه، وعلى الرغم من أن صرخة العمالقة كانت هائلة، فإن ما يمكن للعالم أن يسمعه أو يراه لم يكن سوى الصمت.

انتشرت الصرخة بسرعة خارقة للطبيعة، مستهدفةً ركن الواقع حيث يقبع الجزء الثاني من اسمه الحقيقي المرتبط بجزء آخر من وعيه، وهزّت رعشةٌ يكاد يكون من المستحيل رصدها العالم بأسره، ومثل الفراشات في اللهب، بدأت قطعٌ صغيرة من الضوء الذهبي، كاليراعات، تظهر من الواقع قبل أن تتلاشى بصمت كما لو كانت مجرد خيال من أحلام سامي مجنون. كانت هناك أصوات رعد خافتة في الأعلى، لكنها أيضًا اختفت بعد أن لم يظهر شيءٌ خارق للعادة.

داخل السفينة، سرعان ما أحاطت بجسد روان ذراتٌ ذهبية من الأضواء، ظهرت حوله بالآلاف، وبدأت تتدفق إلى ثقب جبهته. تَشَوَّهَ وجهه من شدة التركيز، بينما بدأ اللون الأزرق الذي كان يُشكِّل ردائه، والذي لم يكن قد طُرِحَ عليه بعدُ بلون الذهب، يتحوّل، حيث بدأت نجوم ذهبية جديدة وأجرام سماوية جديدة تتشكل ببطء وتملأه.

كان داخل كنز ميلاده معركة استيعاب مستمرة، حيث اصطدمت العديد من الأجرام السماوية بوعي روان واستوعبها، وتضمنت هذه العملية فك رموز كل مكون من مكونات هذا النجم أو الكوكب على الفور تقريبًا، ووضعها داخل كنز ميلاده.

لم يعد جسد روان هشًا كما كان من قبل، وعلى الرغم من صدور أصوات معدنية عالية من عظامه، إلا أنه لم يعاني من أضرار كما حدث له من قبل.

ظهرت المزيد من البقع الذهبية من وعي روان لتملأ الفجوات التي اختفت في رأسه.

بقي روان على هذا الوضع ثمانية عشر يومًا، يستجمع وعيه تدريجيًا، وتحول رداءه الذي يبلغ طوله خمسمائة قدم إلى اللون الذهبي، باستثناء أطرافه الزرقاء الزاهية. أخيرًا، انتهى الأمر، فنهض وبدأ يبحث في القدرات والذكريات التي اكتسبها من هذا الاستيعاب.

فتح كفه، فظهر سيفٌ عظيمٌ استقرّ عليه. بدا السلاح كأنه مصنوعٌ من ضوءٍ خافتٍ ونارٍ باردة، وكأنه غير واقعيٍّ كتشوّهٍ في الفضاء.

مرر روان أصابعه على النصل وتنهد. كان مدمره نائمًا، ويمكن اعتبار هذا ظله، لكن قوة التدمير التي يمتلكها هذا النصل في هذه الحالة كانت مرعبة، خاصةً أنه لم يُظهر أي أثر لقوته.

حرك يديه فاختفى النصل، وحل محله لهب أبيض متوهج. ومثل مدمره، كانت “الشعلة المفقودة” لا تزال في حالة سبات، لكنه كان لا يزال قادرًا على استخدام جميع قدراتها، التقارب والتباعد.

حرك يديه وبدد اللهب الأبيض، وفي الوقت القصير الذي تمكن من إخراجه، اختفت كل الجماجم من حوله لمئات الأقدام، حيث جمع التقارب كل طاقتهم وكتلتهم، وأخذها في حد ذاته، وهذا حدث فقط لأن الوهج الخافت من اللهب أضاء الفضاء المحيط لأقل من ثانية.

لم يعد روان أعزلاً، فتعمق في الذكريات الجديدة التي استطاع الوصول إليها وأغمض عينيه. بدأت ثغرات كثيرة في ذاكرته تمتلئ، وأخيرًا استوعب سلسلة الأحداث التي وقعت عندما كان في قارة الأمل الجديد.

عبس روان ونظر إلى الأرض، وحواسه تدفعه عبر السفينة والكاتدرائية والآلاف من طوابق قلعة مدى الحجر حتى وصل إلى الأرض أدناه واستمر في دفع وعيه إلى أعماق أكبر، لمئات الأميال حتى وصل إلى حاجز.

الترجمة : كوكبة