السجل البدائي - الفصل 1060

الفصل 1060: الإيمان

كان روان يفيض بطاقة الروح بعد كل هذا الوقت الذي قضاه داخل الكون وخارجه، وهو يحيط بموت العديد من الكائنات الحية. حتى في الموت، ظل وعيه محتفظًا بالقوة، ولن يُفاجأ بأنه ظل يجمع الأرواح لما يقارب مليون سنة.

لفترة طويلة، لم يستخدم هذه الأرواح، بل كان يُجهّز نفسه انتظارًا للحظة المناسبة. مع أن روان ادّعى رغبته في تحسين أساسياته إلى حدّ كبير قبل المضي قدمًا بالموارد المتاحة له، ورغم صحة هذه الأفكار تمامًا، إلا أن هناك مبررًا خفيًا وراء جمعه طاقة الروح طوال هذه الفترة دون استخدامها، وهو أن كل ذلك كان استعدادًا لأمرٍ رهيب، لكنه لم يستطع إيجاد مصدر تلك الرهبة.

لم يُخفّف ازديادُ جزءٍ كبيرٍ من وعيه هذا الخوف، بل زاده. لم يكن الأمرُ حتى معرفةَ أن عيني بدائيّ الزمن قد خرجت عن سيطرته، بل كان شيئًا أعمق.

لقد عرف أنه حتى عندما اكتمل وعيه مسبقًا، كان يفتقد الذكريات، وكان هناك اسم إضافي يزعجه دائمًا – نيميسيس.

بدا أن فكرة هذه القوة الغامضة قد ولدت من العدم، لكن روان اعتقد أن كل انتكاساته، وكل آلامه، حتى الموتين اللذين عانى منهما بسرعة في هذا العالم على يد إرادة العالم كانت كلها بسبب نيميسيس، وكان الأمر كما لو أنه حتى لو تم مسح عقله وروحه من كل التفاصيل حول هذه القوة المجهولة في الماضي، فإنه سيظل يتذكر اسمه لأنه أصبح محفورًا في وعيه.

بدا هذا العدوّ قويًا فوق المنطق، جامدًا لا يُمسّ، لكنّ روان كان يعلم أنّه لن يستسلم أبدًا ويقبل إسائة الأقوياء، وماضيه دليلٌ كافٍ على ذلك. حتى في ظلّ استبداد الأمير الثالث، وجد طريقةً لعزل سلالته عبر الزمن لمساعدته في اللحظة المناسبة.

وُضعت خططٌ مُحكمةٌ في كل خطوةٍ من خطواتِ الطريقِ لجعلِ هذا الحدثِ ممكنًا، ولن يُستبعدَ روانُ نفسهُ أبدًا من هذهِ المعركةِ أو أيِّ معركةٍ في المستقبلِ، مهما كانَ مُنافسُه. قد لا يكونُ قد فهمَ بعدُ بعضَ أسرارِ الماضي، وخاصةً تلكَ المتعلقةُ بذكرياتِهِ المفقودة، لكنَّ روانَ كانَ مُؤمنًا تمامًا بنفسهِ وبأيِّ قرارٍ اتخذهُ في الماضي.

لقد عرف أهمية التضحية، وأهمية وضع يدك التي تنزف في الماء لجذب أسماك القرش، وأهمية تحمل الإساءات التي لا تعد ولا تحصى من أجل اللحظة المناسبة عندما ينظر إليك المسيء ليتفاخر، وفي تلك اللحظة يكشف عن حنجرته.

نعم، إذا كان هناك شيء واحد يفهمه روان عن نفسه، فهو التضحية.

بفضل وعيه الفريد، أدرك روان أنه يكاد يكون من المستحيل محو ذكرياته دون إذنه. فقدان أجزاء من ذكرياته يعني أنه أجبر نفسه على النسيان. لن يشكك أبدًا في خططه، بل سيمضي قدمًا وفقًا لغرائزه.

بفضل القوى الحسابية السابقة لوعيه، كان روان متأكدًا من أنه سيكون قادرًا على التنبؤ بأفعاله المستقبلية بمستوى شبه مثالي من الدقة، وأيًا كان ما قد يحدث له في هذه اللحظة أو أي قرارات كان سيتخذها في المستقبل، كان سيتخذ الترتيبات ويترك الضمانات في مكانها.

كان هذا احتمالًا شاقًا للإيمان بشيء لا يستطيع إثباته بسهولة، لكن روان آمن بنفسه، وكانت عودة قدرته على التلاعب بطاقة الروح هي كل الأدوات التي سيحتاجها للبقاء والازدهار.

لم يكن عليه أن يلاحق سباق الفئران الذي يخضع له كل من في الوجود عندما كان قادرًا على إنشاء موارده من الهواء على ما يبدو.

كان هذا هو السبب الرئيسي لعدم خروجه من مدى الحجر نحو هدفه الأول.

بعد أن عزل تيار طاقة الروح الذي كان يوجهه هذا الوعي المحدود، حوّله ببساطة من مُنشئ حيوية إلى مُنشئ هالة الصعود المُنقّى. لم يكن هذا يعني أنه لم يعد مضطرًا للقتل من أجل الهالة، بل يعني فقط أنه لم يعد مضطرًا للمخاطرة غير الضرورية في ذلك. مخاطر كتحويل قارة بأكملها إلى ساحة معركة. لو كان سيئ الحظ وكان أحد الصاعدين حاضرًا في تلك المعركة، لكان ذلك نذيرًا لنهايته.

في هذه اللحظة، كانت تريليونات الخلايا في جسده تمتلئ بالكثير من هالة الصعود النقية لدرجة أن ما يقرب من عشرة بالمائة من عقد وعيه تم تكليفها بإخفاء إشعاع الهالة الذي كان من المفترض أن يجعله يشبه نافورة الهالة المتحركة.

في تلك اللحظة، كان مظهر روان صادمًا حقًا. الوجه والجسد الذي أظهره لنايلا، رغم جمالهما الأخّاذ، قد يكونان مقبولين بمعايير الخلود، لكن ربما لو لاحظت ظلاله، لأغمي عليها من الرعب.

كان ردائه الذي يبلغ طوله عشرين قدمًا، يرفرف حوله مثل سحابة ذهبية، وكان شعره الأحمر أيضًا هو نفسه، وكانت عيناه…

في رتبة الأسطورة، استمر كنز ميلاده في النمو، بينما ازدادت أسسه صلابةً وكبرًا مع كل نفس يتنفسه. ومع كل ما أراده من هالة، بدأ روان يدفع هذا الجسد الفاني إلى أقصى حدود هذا العالم.

بصفته صانع عوالم، امتلك روان رؤى فريدة في تكوين الوجود وصنعه، وبدأ تدريجيًا بتفكيك طبقات السيطرة التي يُتيحها هذا العالم. لم يكن يُغيّر شيئًا، بل كان يتعلم القواعد فقط ليتمكن من كسرها.

لإنشاء أول جوهر عالمي له، كان على روان أن يفهم كل مكون من مكونات العالم، حتى تلك التي تنتمي إلى عالم أعلى مثل العوالم العليا، وقد دمج كل معرفة بإرادة العالم في وعيه، ولم يكن أي شخص آخر يعرفه قادرًا على اختراق إرادة العالم مثله.

كان نظام طاقة نجم الهلاك يُفضّل الروح، ولذلك لم يُركّز كثيرًا على الجسد، مما أتاح لروان مجالًا لتوسيع نطاق تلاعبه. اتضح لاحقًا أن سقف نمو جسم الفاني لم يُحدّد، ولكن بما أن أي كائن فاني لن ينمو ليصبح ضخمًا جدًا إلا إذا سُحق تحت وطأة ثقله، فإن هذا الإحتمال كان بلا معنى.

لكنه كان مثاليا بالنسبة لروان.

الترجمة : كوكبة