السجل البدائي - الفصل 1026

الفصل 1026: المعركة الصامتة

لقد هُزم وحش الشيك الضخم الذي كان يذبح بني جنسه أخيرًا، ومن المحتم أن يحدث هذا. فرغم قوته وسرعته، وقدرته على قتل خصومه بضربة واحدة أو دفعة من أطرافه القوية، إلا أن الجثث من حوله بدأت تتراكم، ومساحة حركته تتقلص.

كان ينبغي للشيك أن يصمد لفترة أطول، لكنه رفض بعناد التخلي عن موقعه. ورغم قوته، إلا أن غرائزه المتنامية كصياد في قمة السلسلة الغذائية كانت تسيطر على تفكيره، وعلى الأرض التي ادّعى أنها لن تفارقه أبدًا.

بالإضافة إلى ذلك، شكّ روان في أن حالته غريبة، وأن هدوئه كان مثيرًا للريبة، وإن لم يكن مخطئًا، فإن هذا الوحش على وشك التطور من كارثة مستنيرة إلى كارثة بطولية. من ذكريات روان، عرف أن هذا مستحيل.

كان الشيك كوارث قيّمة، لكن صفة خلق الحياة كانت لعنةً على أجسادهم، ولم يتجاوزوا رتبة البطولة. كانت عملية استخلاص الحيوية من فضلات الشيك معقدةً وصعبةً، لكن روان استطاع بسهولةٍ استهلاك كل قطرة حيويةٍ من هذا الوحش، ومنحه فرصةً للوصول إلى مستوياتٍ أعلى لم تكن ممكنةً من قبل.

لقد طعنه مهاجموه بأطرافهم الحادة، لكن درعه كان أقوى بكثير من المعتاد، ولم تتمكن أطراف المهاجمين من ترك سوى خدوش صغيرة على درعه.

لم يتمكن عملاق الشيك من التراجع أمام هجماتهم، بل رد بقوة، وتحولت أطرافه التي لم يعد لديها مساحة للقطع إلى رماح، فمزق أعداءه بلا كلل.

ومن أكوام الجثث المتزايدة حولها، بدأ نهر من الدم الأسود المخضر يتدفق، وبعد فترة توقفت أيضًا أصوات الشيك المهاجمين، ربما كان صمت الشيك العملاق هو الذي أثر عليهم أو مئات من إخوانهم الذين لقوا حتفهم، أو الغرائز المخفية في دماء الكوارث، لكن الأصوات الوحيدة الخارجة الآن من هذه المعركة كانت صوت تمزيق اللحم، وكسر العظام والدروع، وتدفق الدم.

لقد زاد الصمت من قسوة هذه المعركة وجنون المشاركين فيها.

لقد بدأ المعتدون في تسلق جدار من الجثث وأصبح بإمكانهم الآن مهاجمة الشيك العملاق، وبما أن الشيك العملاق لم يتمكن بسهولة من اختراق أكوام الجثث التي تحيط به، لم يكن لديه سوى طرفين للدفاع عن نفسه، لكن ذلك لم يكن كافياً، وكان مغطى بعشرات من كوارث الشيك، وسرعان ما تضخم هذا العدد إلى المئات.

ظل الشيك العملاق صامتًا بينما بدأ درعه يصدر صريرًا حيث بدأت الشقوق تظهر ببطء عبر مفاصل الدرع، وكافح من أجل النهوض واستمر في مذبحته ولكن الوزن فوقه كان يضغط عليه إلى الأرض ويسحقه.

قد لا يتمكن المهاجمون من تفكيك درعه، ولكنهم قادرون على سحقه، حتى لو اضطروا إلى التضحية بالمئات الذين سيتم سحقهم إلى جانبه مع استمرار وزن المزيد من الجثث في التراكم على الكومة.

تنهد روان واستعد للتدمير النهائي لمضيفه، لم يكن يريد اتخاذ أي إجرائات من شأنها أن تكشف عن نفسه لإرادة هذا العالم، على الرغم من أنه قد يبدو أنه يجب استيفاء معايير معينة لاستدعاء الكائن الذي قتله، إلا أن هذا لا يعني أن وجوده لن يتم اكتشافه مرة أخرى إذا كان واضحًا للغاية.

كان لديه بالفعل الأدوات اللازمة للوصول إلى فضائه العقلية، ولم يكن موت هذا المخلوق مشكلته. أغمض روان عينيه، وانتظر لحظاته الأخيرة من السلام، بينما كان يشق طريقه للوصول إلى فضائه العقلي طوال هذه الفترة، وعلى عكس محاولته الأخيرة، فقد وصل إلى هذه المساحة بسهولة بفضل مئة عقل أقوى.

وعلى الرغم من حقيقة أنه لم يتمكن من الوصول إلى مساحته العقلية في العامين الماضيين، إلا أن وجوده كان يشكلها دون وعي، ولن يستغرق الأمر الكثير لإكمال العملية.

إذا كان دماغه البشري الضعيف قادرًا على إكمال مهمة تشكيل فضائه العقلي في عام واحد، فإن مائة دماغ أقوى أخرى كانت قادرة على القيام بهذه المهمة في لحظة واحدة، وكانت ومضات الضوء التي كانت تنطلق بشكل فوضوي تتحول إلى كرة زرقاء كبيرة.

لقد كان مشهدًا رائعًا حيث كانت ملايين الأضواء المتوهجة التي لم تتوقف عن حركتها قادرة على الانحناء بطريقة تتوافق مع جميع اتجاهاتها لإنشاء هذه الكرة التي كانت مليئة بالقوة.

استولى عقل روان على الفضاء العقلي ودخله. كان من المفترض أن تكون هناك ميزة أمان في إرادة العالم لاختبار أي شخص يرغب في الوصول إلى فضائه العقلي، لكن روان طوّر هذا الفضاء العقلي دون استخدام أي موارد من العالم نفسه، لذلك لم يصل إليه أي تأثير، مما منحه وصولاً غير مقيد إلى هذا المكان. داخل الفضاء العقلي لهذا الجسد، كانت هناك أرض قاحلة، محيطها بالكاد يزيد عن مائة قدم، وتمتلك قدرًا ضئيلًا من القوة. كان مجرد وجود وعيه الضعيف بداخله يتسبب في انهيار جزء كبير منه، وكان على روان تعيين عقد وعي في المهمة لتخفيف آثار وجوده على هذا المكان.

لن يبقى هنا طويلاً، فهو يحتاج هذا المكان فقط من أجل استدعاء بقية نفسه التي تحطمت في جميع أنحاء العالم.

بفضل جسده ذي الأبعاد، كان وعي روان مماثلاً لجسده، لذا فإن استعادة وعيه المحطم كانت بمثابة استعادة جسده. وبهذا، استعاد معظم قوته، وأصبح بإمكانه استخدام جميع قدراته مرة أخرى.

ما كان مطلوبًا منه هو أن يبدأ باستدعاء نفسه.

قد تُصبح هذه العملية مُعقدة للغاية إذا لم يكن لديه الأداة المُناسبة لهذه المهمة، وتلك الأداة هي اسمه الحقيقي. في اللحظة التي كان على وشك بدء استدعاءه، حذّره حدسه من خطر. كان الأمر غامضًا وغير ملموس، واضطر روان إلى التوقف للحظة ليتمكن من استيعاب محيطه بشكل صحيح ليفهم جذر هذه المُشكلة.

تأوه منزعجًا عندما أدرك أن المساحة العقلية لهذا الطفل لا تزال ضعيفة للغاية بحيث لا يمكنها التعامل مع استدعاء اسمه الحقيقي، وعلى الرغم من حقيقة أنه لم يكن بحاجة إلى هذا الجسد وكان مستعدًا لتدمير مساحته العقلية في لمح البصر، فسيكون كل هذا عديم الفائدة إذا انفجر الفضاء بأكمله قبل أن ينطق بالمقطع الأول من اسمه.

يبدو أنه سيضطر للبقاء داخل هذا الجسد لفترة أطول، وإن كان الأمر كذلك، فهو بحاجة إلى مزيد من الحيوية. خرج وعي روان من الفضاء العقلي، متوقعًا العثور على وحش شيك عملاق ميت، لكن على نحو غير متوقع، كان الكارثة لا يزال متماسكًا، يقوم بعمل مفاجئ رغم أنه كان على وشك الموت.

كان يأكل.

الترجمة : كوكبة