السجل البدائي - الفصل 1008

الفصل 1008: صحوة الجنون (10)

“نافير!! ابقَ متماسكًا، متماسكًا! أنت تبتعد عن الطريق.”

“اللعنة، لقد فقد نافير نصف رأسه، أورهوس، خذ مكانه، لا يمكننا…”

“أنا آسف، هذه هي قيامتي الأخيرة، لا أعتقد أنني أستطيع..”

“لقد تجاوزنا منتصف الطريق، وكل شيء من هذه النقطة يصبح أصعب، لكننا اقتربنا، نحن المستكشفون! نتحرك…”

لم يكن هناك داعٍ لانتظار الفساد ليقتله. ظن نوح أنه يموت بسرعة كبيرة، وأن موته بسبب الفساد سيكون نعمة. أما المستكشف السامي الذي كان يشجع البقية، فقد جُمّد، ثم قُطِّع قبل أن يُسحق إربًا، وبطريقة ما، استمر صوته طويلًا بما يكفي لتشجيعهم جميعًا على المضي قدمًا.

مع أن كل مستكشف من رتبة سَّامِيّ هنا رأى، ولو للحظة وجيزة، محيط الهالة النقية، وأدركوا جميعًا مغزى هذا الأمر. من بين كل الأسباب العديدة للموت في هذا العالم، كان الموت من أجل شيء قد يؤدي إلى خلاص عالمك بأكمله على رأس القائمة.

واصلوا تقدمهم حتى مع تناقص أعدادهم، مقدمين تضحياتٍ تضمن وصول شحناتهم الصفرية إلى وجهتها. تجاوزوا عددًا لا يُحصى من الفخاخ، ولم يتردد أحدٌ منهم حتى النهاية.

سقطوا أسرع فأسرع، تجذبهم قوة لا هوادة فيها، وحتى لو أرادوا التوقف، لم يستطيعوا. كان نوح يزأر بتحدٍّ منذ لحظة سقوطه، وإلى جانبه، فعل كل مستكشف الشيء نفسه، زأروا، وماتوا، لكنهم لم يتوقفوا عن القفز عائدين إلى الهاوية.

جنون؟ ربما، لكنهم كانوا مستكشفين.

لقد مات نوح ثلاث مرات بالفعل، ومن بين ألف وخمسمائة مستكشف من الرتبة السامية الذين بدأوا رحلة إلقاء الشحنات الصفرية، لم يتبقَّ منهم سوى ستين. لم تخفّ المخاطر مع انغماسهم في باطن الأرض، بل ازدادت مع كل ميل يقطعونه.

لقد توغلوا مئات الأميال في الأرض، ووصلت الشحنات الصفرية التي أسقطوها على طول الطريق إلى ما يقرب من مليون، وبدأت تأثيرات العديد من الشحنات الصفرية في الانتشار أمامهم، مما أدى إلى تطهير كل شيء على طول طريقهم لأميال، مما جعل الممر آمنًا من أي شذوذ، سواء مكاني أو غير ذلك.

كان خلفهم مشتعلًا باللون الأحمر، وكان ضوء الشحنات الصفرية يجعل الممر خلفهم يبدو وكأنه داخل الحلق وكانوا يسقطون في حلقه.

كان المستكشفون على بعد أميال قليلة من القاع، الذي بدا رمادي اللون في حواسهم الهالية.

“لقد اقتربنا من النهاية، لا أرى شيئًا، هل أنت متأكد من أن الكنز موجود في الأسفل؟” نادى مستكشف لم يكن نوح يعرف اسمه.

كان في الصدارة، وكان يقودهم جميعًا لفترة. كان أقوى مستكشف سامي رآه نوح على الإطلاق، ولكن للأسف يبدو أنه كان في آخر حياته، مع أن هذا لم يمنعه من البقاء في المقدمة ومواجهة معظم المخاطر. تمنى نوح معرفة اسمه.

“يجب أن نحذر من الآآآآآه…”

أيًا كان ما سيقوله بعد ذلك، فقد انقطع فجأةً وهو مُحطمٌ في الهواء، يتناثر الدم والدماء لمئات الأقدام. اتسعت عينا نوح حين أدرك أنه على بُعد بضع مئات من الأقدام، وكان خلف المستكشف المحطم مباشرةً، فصرخ: “انهيار مكاني!”

لم تكن الهالة الرمادية أدناه هي المكان الذي انتهى فيه النزول، لقد كانوا جميعًا مخطئين في افتراضاتهم، بدلاً من ذلك، كان قسمًا كاملاً من الفضاء قد تحطم إلى قطع، لم ير نوح شيئًا كهذا من قبل، لقد كان يعتقد دائمًا أن الفضاء في هذا العالم مستقر بما يكفي بحيث لا توجد طريقة لكسر الفضاء على هذا النطاق.

“أطلقوا كل ما تستطيعون!” صرخ نوح بينما انطلقت حبات الخرز الحمراء من ذراعيه بسرعة البرق.

في البداية، كان نوح قادرًا فقط على تفعيل وإطلاق عشر شحنات صفرية في المرة الواحدة، ولكن بعد التلاعب المتكرر بالموت باعتباره الدافع الرئيسي لتحسينه، أصبح الآن قادرًا على إطلاق ثلاثين شحنة فارغة في وقت واحد.

ومع ذلك، أمام ما كانوا على وشك مواجهته، خشي أنه حتى لو تمكنوا جميعًا من إطلاق ألف دفعة واحدة، فلن يكون ذلك كافيًا. استهلك الصراخ والموت الثانية التالية، حيث تم تجهيز الشحنات الصفرية وإطلاقها نحو الفضاء المتشقق أدناه. كصب الماء في وعاء من الزيت المغلي، توسعت الشقوق المكانية وتحطمت حتى وهي تتبدد في العدم.

أطلقت المساحة المضطربة كمية غير معروفة من الشذوذ المكاني التي اختفت في وقت قصير ولكنها لم تجعلها أقل خطورة.

في تلك الثانية الواحدة، مات ستة عشر مستكشفًا بسبب هذه الشذوذات المكانية المتجولة، وزاد الثقل الجسدي والعقلي حول أكتاف نوح وبقية المستكشفين لأنه منذ فترة قام الصاعدون بتعديل الكنوز المكانية للشحنات الصفرية التي ستظهر حول أجساد الأحياء.

أصبح هذا ضروريًا عندما انخفض عدد المستكشفين الساميين الأحياء لدرجة أنه لم يعد من المجدي انتظار موت البقية قبل تكليفهم بمهمة الشحنات الصفرية. كانوا يموتون بسرعة كبيرة، وكان عليهم إتمام المهمة على أكمل وجه وفي وقت قصير ما لم تكتسب قطعة السماء الحية قوة كافية لإبادة كل شيء.

بالنسبة لنوح، فإن اللحظات القليلة التالية مرت في ضبابية، فقد انحرف، واستدار، وتسارع، وتباطأ، وفقد أجزاء من جسده بسبب الدموع المكانية عندما تأخر في مناوراته أو قرر التضحية بأجزاء أقل أهمية من جسده لإبقاء نفسه على قيد الحياة لفترة كافية لإعادة نموها.

في هذه المرحلة لم يعد لديه ساقين، ولم يهدر طاقته في محاولة إعادة نموهما، فقد احتفظ فقط برأسه وجذعه وذراعيه، وباستثناء ذراعيه التي ظلت سليمة، كان باقي جسده صورة للدمار.

لقد كانت واحدة من أكثر الثواني رعباً في حياته بأكملها، وكان على نوح أن يستخدم حواسه بالكامل وأكثر وهو يتعمق في كل ما كان قادرًا عليه، تجاربه، خسائره، وانتصاراته، وسحب كل ذرة معنوية يمكنه جمعها واستمر في وضع الشحنات الصفرية، متجاهلاً الوزن المتزايد على ذراعه حيث مات المزيد والمزيد من المستكشفين من حوله دون أي أمل في قيامتهم مرة أخرى.

كان هو من احتفظ بمزيد من الهالة الأساسية لقيامته في النهاية، ومع ذلك بدا أنه هو من حافظ على حياته أكثر من الآخرين. لم يجد نوح هذه المفارقة مضحكة.

لقد اكتشف أن الشيء الوحيد الذي دفعه إلى ما هو أبعد من حدوده هو فكرة أنه كان أول من رأى هذه الكارثة تنزل، وبطريقة ما، أصبح مصيره مرتبطًا بها الآن، وحتى إن كان هذا هو آخر شيء يفعله في هذه الحياة، فسوف يجد نوح جذر هذا اللغز.

كانت يداه تتحركان في ضبابية، من بعيد بدا كأن له أذرعًا متعددة، ثم فجأةً كما بدأ، انتهى.

نجح نوح. لكنه كان وحيدًا، كل من تبعه هلك.

الترجمة : كوكبة

——

حبيت شخصية نوح