السجل البدائي - الفصل 1007

الفصل 1007: صحوة الجنون (9)

انضم إليهم نوح ريثماست في الانحناء تجاه الصاعدين، والحقيقة هي أنه على الرغم من أن مجرد رؤية وسماع أي شيء كان عميقًا داخل الأرض كان كافيًا لقتله، إلا أنه لا يزال هناك سحر رهيب في قلبه لينظر إلى ما يحدث أدناه.

كان بحاجة لمعرفة ما الذي تغير، حتى من هذا الارتفاع، يستطيع سماع صوت صفير عالٍ كأعاصير هائلة تهب بعنف، وعرف أن شيئًا ما قد تغير، ولكن ماذا؟ كان نوح خائفًا جدًا من معرفة ذلك. بإمكانه تقبّل الموت، ولكن ليس بسبب الغباء.

ينبغي على نوح أن يكون حكيمًا بما يكفي ليُبعد الأفكار التي قد تُؤدي إلى عواقب وخيمة عن ذهنه، مهما دعته الحاجة إلى النظر إلى الهاوية، لكنه أدرك أنه قد لا تُتاح له فرصة الاختيار بنفسه قريبًا، فقد أُعيد إلى الحياة بهذه السرعة لسببٍ ما. لحسن الحظ، لم يُبقَ في الظلام طويلًا، لكن ما سمعه بعد ذلك جعله يقشعر، ويندم قليلًا على العثور على قارة الأمل الجديد.

كما هو الحال دائمًا، كان من المستحيل معرفة أي من الصاعدين كان يتحدث،

“ما يكمن تحت الأرض ليس قطعة من السماء، على الأقل ليس قطعةً نفهمها حاليًا، ولكن من قبيل الصدفة أنه كذلك… قطعة من السماء، وهي حية، وما سمعناه كان صرخة استيقاظها التي أدت إلى فساد هالتكم الأساسية. مما نستنتجه من خلال النظر إلى أنويتكم، فمن المرجح أن تضطروا للموت عدة مرات قبل إزالة الفساد، لكنكم هنا لمهمة، أنتم مستكشفون، وبالتالي لا يزال بإمكانكم الاستفادة. ربما تكون هناك فرصة للقضاء على هذا الفساد إذا غادرتم الآن، لكنكم لن تغادروا، بل ستتوغلوا أكثر. تصالحوا مع أنفسكم.”

‘فساد؟ أي فساد؟ ما زلت أشعر أنني بخير!’، مسح نوح جسده بحركة سريعة، وهو يفحص كنوز ميلاده ولحمه، ولم يكتشف شيئًا في البداية، لكنه بعد ذلك تعمق في نفسه، ولمس خلاياه، فانتفض من الصدمة والاشمئزاز.

كانت خلاياه تتحور وتلتهم بعضها البعض. بدت الخلية المتحولة كأفاعي صغيرة تُعدّ بالملايين، ورغم أن الأمر سيستغرق بعض الوقت، ففي غضون ساعات قليلة، وربما أقل، توقع أن ينفجر جسده مرة أخرى في وابل من الأفاعي قبل أن يتحول إلى رماد.

لن يُشكّل هذا مشكلةً لو مات بضع مراتٍ أخرى، لكنّ الصاعدين أرادوا منهم التوغل أعمق في الأرض، فلم تعد فرصة الفساد مُجرّد فرصة، بل ضمانة. إن لم يجدوا طريقةً لاحتواء هذا الفساد، فمصيرهم الموت.

قد يظن المرء أنه بعد كل هذه آلاف السنين من الحرب، سيكون نوح قد إعتاد على فكرة الموت. لكنه لم يكن كذلك.

“كما يجب أن تدركوا جميعًا الآن، فإن خطورة هذا الفساد غير معروفة، وإلى أن يتم التعامل مع الكيان الأسفل، من غير المعروف إن كان أي منكم سينجو، لكننا مستكشفوا المجهول والشر، ولطالما كان هذا قدرنا. مصيرٌ مليئ بالخسارة والحزن، والبقاء على قيد الحياة على حافة الوجود. نقف على ذلك الخط الرفيع المعلق فوق الهاوية وسط عاصفة عاتية.”

(كوكبة : الأخ محسب نفسه دون سميث)

لقد سمع نوح العديد من الخطب مثل هذه من قبل، حتى أنه ألقاها على مستكشفين أقل شأناً، ولم تبدو أبدًا أكثر جوفاء.

“لا يُمكن إحياء ألفٍ منكم إلا مرتين إضافيتين، ستكونون أول من ينزل إلى الأسفل، ويبدأ بإلقاء شحناتٍ باطلة على فوهة الأمل الجديد. لا نفهم ما يوجد هناك، لذا أول شيء هو احتواؤه. سيتبعكم الباقون. هذا كل شيء، اذهبوا إلى مواقعكم واستعدوا للسقوط. الكيان في الأسفل يستهلك الهالة المُنقّاة، فلا مجال للتأخير، ويجب ألا نسمح له بأن يزداد قوة.”

****

كان نوح يقف خلف المستكشفين الساميين، ممسكًا بجهاز تخزين خاص يخزن عشرات الآلاف من الشحنات الصفرية. كانت مهمتهم النزول إلى الحفرة ووضع شحنة صفرية كل ألف قدم.

كانت آثار الشحنات الصفرية بسيطة. كانت تتمثل في تجريد الفضاء المحيط من أي شكل من أشكال الطاقة، باستثناء تلك المسموح لها بالوجود.

لآن الشحنة الصفرية أداة قوية، فقد رآها نوح مستخدمة مرة واحدة، لكن تلك شحنة واحدة فقط، وفي المجموع، كانت الشحنات التي يحملها جميع مستكشفي الرتبة السامية فيما بينهم تصل إلى الملايين.

لقد بذل المجلس قصارى جهده، وكان من الممكن أن يؤدي هذا العدد الكبير من الشحنات إلى إغلاق مائة ألف قارة.

“يبدأ!”

توجهوا جميعًا نحو سبابة السفينة الحربية، وشاهد نوح المستكشفين الأوائل وهم يقفزون من السفينة دون تردد. كان يعلم أنهم سيفعلون، ليس لعدم شعورهم بالخوف، بل لأنه واجبهم.

أسرع مما توقع نوح، وصل دوره، فاندفع نحو حافة الإصبع وقفز. هبت الرياح بقوة متجاوزةً أذنيه، إذ سمح لنفسه بالتأثر بالجاذبية، مع أن الهواء فوق الفوهة، الذي بدت عليه كفم وحش عملاق، كان أثقل من المعتاد، مما زاد من سرعة سقوطه بشكل كبير، كما لو كان يُسحب نحو الأسفل.

لم تمر سوى ثوانٍ حتى شعر نوح بطقطقة في أذنيه وهو يخترق حاجز الصوت، تاركًا وراءه موجة صدمة وهو يسقط بسرعة أكبر. تجاوز حافة الفوهة، فاختفى الضوء فجأة، وغرق في الظلام.

أدرك نوح أن عينيه عديمتا الفائدة، فأغمضهما ومدّ يده إلى حواسه الهالية. انفجر العالم بالألوان. رأى فقاعات حمراء كبيرة قطرها عشرات الآلاف من الأقدام، متداخلة. كانت هذه هي الشحنات الصفرية التي تجرد الفضاء من كل شيء، حتى الجزيئات.

لقد أدى هذا إلى تجريد الهواء من المخاطر التي لا تعد ولا تحصى والتي لاحظها نوح عندما وصل لأول مرة إلى القارة والعديد من المخاطر الأخرى التي لم يرها، ولكن كان هناك ثمن لهذا التقدم.

ازدادت سرعة نوح في السقوط، وسرعان ما بدأ يرى آثار رماد تطفو في الهواء، كأول المستكشفين الساميين. كُلِّفوا بتطهير الطريق وقمع الكيان الذي تحته، لكنهم لم يتمكنوا من تجنب كل خطر قبل اكتمال حقل القمع.

وبعد فترة وجيزة، رأى نوح أنه سيصل إلى النقطة التي لم تعد فيها حقول القمع موجودة، ومن بين الآلاف الذين قفزوا أمامه، لم يبق سوى المئات وكانوا يسقطون مثل الذباب.

“أنا مستكشف المجهول والشر، وهذا هو مصيري.”

تماسك نوح، وزأر مطلقا عشر شحنات صفرية، وهو يغوص في المعركة، فجائت صواعق الصقيع، والتشوهات المكانية، وعشرات الظواهر الغريبة الأخرى تملأ محيطه. تجنب ما استطاع، وبدأ بإطلاق شحنات صفرية على جدار الحفرة، وكان قد أطلق المئات منها قبل أن ينفد حظه، ويشقه تمزق مكاني إلى نصفين.

بعد ساعة، استيقظ نوح صارخًا، وبجانبه سوارٌ مكانيٌّ للشحنات الصفرية. صر على أسنانه، وقفز من السفينة.

الترجمة : كوكبة