السجل البدائي - الفصل 899

الفصل 899 كامل مرة أخرى

عملت سيرسي عبر الأرض، وشقت طريقها عبر قطع كبيرة من الأثير المتبلور والصخور بهدف واحد – الإجابة على النداء.

خرجت سيرسي من الأرض ككتكوتٍ يهرب من قوقعته لأول مرة، وانجذبت بنظرها بلا هوادة إلى هرمٍ مصنوعٍ من بلورات الأثير. كان يتلألأ بكل لونٍ تتخيله، بل وأكثر مما لم تستطع تخيله قط.

خطرت لها فكرة عابرة: ‘لقد كنتُ هنا من قبل، أليس كذلك؟ وقفتُ أمام عرشٍ وأديتُ قرباني لـ…’

كان الألم يستهلكها فسقطت على ركبتيها، وأدركت بشكل غامض أن ركبتها اليسرى قد تحطمت في الحادث السابق ولم ترغب حتى في تخمين عدد العظام التي تعرضت للكسر أو الكسر داخل جسدها.

هبت ريح باردة على جسدها، لكنها لم تجلب لها الراحة، بل على العكس، كادت أن تنهار على وجهها.

“لقد نسيت ما يعنيه أن يكون لديك جسد بشري، وأنا أعتذر عن الألم الذي تشعرثن به، ولكن في الوقت الحالي لا أستطيع لمسك يا سيرسي، يجب أن تكون روحك نقية…”

هذا الصوت… تعثرت على قدميها وبدأت في تسلق الهرم، تاركة قطعًا من لحمها على حوافه الباردة الحادة.

انجذبت كالفراشة إلى اللهب، صعدت إلى أعلى، مع أن كل حركة كانت تسبب ألمًا كألف إبرة ساخنة تخترق اللحم، إلا أنها استمرت في التسلق إلى أعلى. لقد تجاوزت حركتها حدود الإرادة، كان هدفها، وسبب وجودها هو التواجد في هذا المكان، في هذا الوقت.

“عندما كان العالم فتيًا، عند ولادة الطفل، يُدهن بزيت شعر أمه، والأب يلمس جبينه بإصبعه وهو يُنعم عليه بالبركات، وكان شيوخ القبيلة يُطلقون عليه اسمًا… ليس لي أب، وقد هربت أمي إلى أماكن مجهولة، وشيوخي… لقد ماتوا. لا بد أنكِ أنتِ… قريبتي.”

كانت الكلمات التي كانت تسمعها تحمل معنى لم تستطع تمييزه، لكن روحها كانت تستطيع فهم كل كلمة، ولم تستطع أن تفهم لماذا جلب هذا فرحًا كبيرًا في قلبها، لدرجة أن سيرسي نسيت الألم، واستقام ظهرها وهي تصعد بشكل أسرع، لم تعد تزحف، بل تقف على قدميها.

في هذا الوقت رسمت صورة مرعبة، لم يتبق لسيرسي أي جلد تقريبًا، باستثناء العضلات والأنسجة النازفة، التي كانت ترتدي فستانًا أزرق ممزقًا أصبح الآن أحمر بسبب دمها.

لم يتبق في جمجمتها أي شعر تقريبًا، لكن كراتها الزرقاء التي كانت تظهر من داخل المقابس الدموية كانت مليئة بنور الجنون وشيء لا يمكن وصفه.

بدأ الدم الذي يتدفق من جسدها بالارتفاع ويتبعها، بينما كانت تتسلق نحو قمة الهرم، ثم عندما بدا الأمر وكأن الرحلة أصبحت أطول، وصلت إلى وجهتها ورأت المخلوق جالسًا على عرش الأثير.

مثلها، لم يكن لديه جلد، بالكاد لديه أي عضلات أو عظام، لم تكن لديه عيون، ولم ينزف، حسب كل المؤشرات، كانت تنظر إلى جثة تركت في الشمس لعدة أشهر، لكن هذا لم يكن ما شعرت به وهي تقف هنا.

كل ما شعرت به هو الحياة، نوع من الحيوية العدوانية التي يبدو من المستحيل تقريبًا إخمادها.

كان سبب صعودها هنا، في الجزء الخلفي من لسانها، ولكن لسبب ما، لم تستطع التحدث، كانت الكلمات عبئًا عليها، مقيمة داخل صدرها، لكن رئتيها كانتا ضعيفتين للغاية لدفعها للخارج،

“إن الجسد والروح الفانية التي تملكينها نقيتان بما يكفي لرؤية ذاتي الحقيقية، لكنها أضعف من أن تُنطق باسمي. لقد تعمدتِ بالموت وعبرتِ عتبة الحياة مرات عديدة، وقد رأيتُ أعماق روحكِ، ورأيتِ روحي. لا تخافي يا سيرسي، سأمنحكِ صوتكِ.”

*****

داخل بُعد روان المكسور في الكون الميت، عاشت سيرسي في أعماق بحر الظلام البدائي، محمية بأمان من قبل اثنين من الملوك الذين كانوا يراقبونها.

تسارعت أنفاسها فجأة عندما دخلت ذكريات لم تكن موجودة في ذهنها، ثم علمت الحقيقة التي أخفاها روان عنها لفترة طويلة لأنها ستصبح الشخص الذي سيجعله كاملاً.

رأت نفسها في زمنٍ آخر حدث ولم يحدث، كانت فانية تقف أمام عرش كائنٍ مُقدَّر له أن يحكم كل ما كان، وما يكون، وما سيكون. رأت سيرسي كل ذلك المجد، فأقرّت به، لكن يد القدر، أو قوىً أعظم لم تفهمها، وضعت لغةً مجهولةً على طرف لسانها.

ضوء أرجواني غطى جسدها واختفت، وعبرت المكان والزمان وظهرت بجانب جسدها الفاني المكسور، الذي كان يكافح من أجل التحدث.

كان الأمر بسيطًا أن تندمج مع نفسها، مثل نهر يدخل المحيط، نقاء روحها الفانية وقوة جسدها السامي أعطتها القوة لتقول اسمه.

ذهبت إلى ركبتيها وأخذت إحدى يدي روان المنكمشة، لا شيء سوى العظام وقطع حمراء من العضلات الخيطية وقبلتها، الكلمات التي خرجت من فمها لا ينبغي أن ينطق بها بشر أو خالد، لم تفهمها، لكن روحها فهمتها…

“ترّشيكرهل فليهياز يونيمرير…”

“مخرب الأكوان…”

“إبن الكاتب…”

“يولشو ثياك…”

“العصر الصامت…”

“الي اسمه أطول من ون بيس…”

“خلوبراههل فرومور ريهييرك…”

“الروح اللانهائية..”

“ويفرل إيركار…”

“صانع الحقيقة…”

******

تحركت اليد التي كانت تمسكها فجأةً، وشعرت بجسدها يرتجف ويتمدد. وحيث شعرت بالبرودة من قبل، انبعث دفءٌ لطيف، ثم سمعت صوتًا عميقًا ولكنه لطيف، كان أحلى صوت جهير سمعته في حياتها، يحمل سلطانًا جعل روحها ترتجف.

“أنا أقبل حقائق طبيعتي التي رأيتها”، قال الصوت، ثم اتخذ نبرة مرحة، “لكن الأمر طويل بعض الشيء، كيف يمكنني أن أقدم نفسي لأي شخص يسأل؟”

رفعت سيرسي رأسها فرأت أجمل مخلوق رأته في حياتها. شفتان حمراوان كالخطيئة، وعينان تتألقان بكل ألوان الخليقة، وشعر طويل يشبه الماس المنسوج.

كان على رأسه تاج متحرك، بدا وكأنه ينظر إليها بفضول ولم تستطع منع نفسها، فبدأت تضحك.

*****

في تلك اللحظة، كان روان عاجزًا عن الكلام. كان يعرف أسماءً طويلة، لكنه لم يتخيل يومًا أن اسمه الحقيقي سيكون طويلًا إلى هذا الحد.

“ترّشيكرهل فليهياز يونِمرير أولكسهو ثياك، خلوبراههل فرومور ريهييرك ويفريريل إيرخَار.”

لقد دحرج الكلمات على لسانه، وتذوق كل كلمة واستشعر القوى الهائلة بداخلها، وعرف أنه لا يستطيع أن ينطق بها باستخفاف، لأن هذه الأسماء جاءت من لسان إينوك.

دخل هواء بارد إلى رئتي روان فابتسم، كان يشعر بهذا الإحساس، بشكل أعمق مما يمكن لوعيه أن يترجمه له، ولمس صدره حيث كان يشعر بدقات قلبه… قلبه الفاني.

كان هذا الجسد الذي كان يسكنه هو سلالة أوروبوروس الجديدة التي تم إنشاؤها من التهام عالم أعلى، وحتى على المستوى الفاني، كانت قوية بما يكفي لاحتواء سلالة شيول التي اخترقت الدائرة العليا الخامسة وأصبحت الآن سلالة على مستوى الخالد.

كان بإمكانه أن يشعر بوجود سامين تريون وهم يتحركون متسابقين للوصول إلى جانبه، رافعا فكه بيد واحدة، فتح راحة يده اليسرى، وأصبح الهواء فوقها ضبابيًا عندما أكدت الحقيقة نفسها وظهرت الصفحة الأخيرة من السجل البدائي أمامه.

الترجمة : كوكبة