السجل البدائي - الفصل 611

الفصل 611: الجنرالة رانا تيبيريوس

اهتزت الصحراء الشاسعة، وهزت القارب الذي كان الأمير الثالث على متنه. نظر حوله بانزعاج وحثّ القارب على الإسراع، وعندما فعل، انبعثت هالة خضراء باهتة من إلورا داخل جسده إلى القارب، فانطلق.

وعلى بعد مليار ميل إلى الجانب، بدأت سلسلة من القشور الشبيهة بالرمح في الظهور من الرمال، وتبين أن هذه القشور عبارة عن خصلات شعر كانت متراكمة لسنوات لا نهاية لها بسبب الرمال المتطايرة، كما ظهر رأس عملاق من الرمال بحجم مجرات متعددة.

لقد كان ضجيج ظهوره كافياً لزعزعة استقرار العاصفة الحاضرة دائماً، لكن وجوده خلق عاصفة أعظم هزت الصحراء الكبرى بأكملها.

صرخ الأمير الثالث بغضبه وتحديه وهو يغطي القارب بقشرة من الظلال، إحدى العيون الأربعة في صدره تشققت وكاد يصرخ من الألم.

كانت تلك العيون هي آخر شظايا العقل التي تبقى لديه، على الرغم من أنها قيدت قدراته إلى حد كبير، إلا أنها كانت الشيء الوحيد الذي أبقاه على حافة العقل.

كان لهذا الكائن الناشئ من الرمال القدرة على سحق الكون، ومع ذلك فقد سُجن إلى الأبد داخل هذا المكان. أحيانًا كان الموت رحمةً عظيمة.

كان رأسه بنيًا وأسود، يشبه رجلًا بملامح مبالغ فيها. كانت عيناه مغمضتين، لكن لهبًا أرجوانيًا يشتعل على حوافهما، كما لو كانت جفونه بواباتٍ تحجب جحيمًا لا يُسبر غوره.

على الرأس كان هناك تاج مكسور يبدو أنه مصنوع من زجاج منشوري يعكس غروب الشمس الباهت، لو كان روان هنا لكان قد وجد أوجه تشابه بين هذا التاج وتاج ضوء النجوم عندما كان يقبل جوهر الفوضى.

“يا ملك العدم! لا ينبغي أن تكون قريبًا من صحراء هذا الكون، ماذا يحدث؟”

تنهد الأمير الثالث من الصدمة والألم، وظل ساكنًا مثل التمثال، وللحظة كان كل شيء صامتًا في هذا العدم الشاسع، باستثناء الأشباح والصراخ الخافت، كان كل شيء ساكنًا، وبدأ الرأس ببطء يتجه نحو الأمير الثالث.

[لقد قيل أنه منذ عصور لا نهاية لها، أن الإمبراطور الأول والوحيد للعدم صمد أمام قوة الكون المتعدد بأكمله، وأنه في المعركة الكبرى التي هزت الخلق كله، تحطم أخيرًا بسبب الزئير المنزعج لبدائي سئم من شهية هذا المخلوق التي لا نهاية لها.]

[ولكن ذلك الجبار المجنون لم يهلك بل تحطم إلى مليون قطعة، كل قطعة من هذه القطع خلقت ملك عدم، وانتهى بهم الأمر بشكل جماعي إلى حكم ألف كون لعصور لا تعد ولا تحصى حتى جاء السماويون ليطهروهم من عروشهم الملطخة بالدماء.]

[لقد استغرق الأمر الكثير من الجهد ليتم ملاحظته من قبل أحد البدائيين، وحتى أكثر من ذلك لإغضاب أحدهم بشدة لدرجة أنه ترك عرشه العالي لتسليم عقوبته شخصيًا.]

[ كان إمبراطور العدم يستحق هذا الاهتمام لأنه كان أحد الكائنات النادرة للغاية في كل الأكوان العديدة التي تتحكم في قوى النسيان، وربما كان الكائن الوحيد في الخلق.]

[ بعد كل شيء، كان النسيان هو السلاسل التي كانت تسجن بدائيا.]

“لا تفعل…” تأوه الأمير الثالث في ضيق. “لا تجعلني أقتلك مرة أخرى… لن أستطيع منع نفسي، ولديّ ابن ضال عليّ أن أقتاده.”

فتح الرأس عينيه تمامًا، وتنهد الأمير الثالث، فقد قطع ثمانين بالمائة من طريقه عبر الصحراء. إن تجاهل هذا التحدي، فسيأتي المزيد، حتى يُغمر ويُجرّ إلى معركة لن تنتهي إلا بفناء هذا الكون.

لم يكن خائفًا من المعارك، لكنه كان يفهم شهيته الخاصة، لقد عاش لفترة طويلة جدًا كإنعكاس، وأظهرت عاداته الأخيرة أنه بدأ يفقد تماسكه، وبدأ يفقد السيطرة على عقله، ذات مرة كان لديه أكثر من ألف عين والآن أصبح لديه أربعة… لا ثلاثة!

كان ازدياد رغبته في الفساد والجنون دليلاً على أنه بدأ يهوي. لقد عاش طويلاً… أطول بكثير مما يحق لأي انعكاس أن يعيشه.

إذا تم جره تحت موسيقى القتال الحلوة، فإنه سوف يفقد نفسه وينسى هدفه، السبب الوحيد لوجوده في المقام الأول.

‘لا! لا أستطيع تحمّل الفشل. هذا الصراع انتقل إليّ بإرادة…’

توقف عن الكلام ببطء بينما بدأت رؤوس ضخمة تبرز من الرمال حوله، كما نشأ اثني عشر ملكًا للعدم…

وفي المسافة البعيدة فتحت الشمس السوداء عينيها الثعبانية وحدقت فيه، بينما كانت تتقيأ جيشًا من الوحوش.

أطلق الأمير الثالث أنينًا من الانزعاج والإرهاق، وبدأ جسده الظلي في التوسع حتى وصل ارتفاعه إلى مليارات الأميال.

“حتى لو كنت انعكاسًا باهتًا لقطرة دم… سأذبحكم جميعًا حتى تتذكروا من أنا!”

ومع هذا الزئير من التحدي، بدأت معركة عظيمة داخل الصحراء.

*****

ركض ضابط عسكري شاب في ممر طويل نحو مكتب فخم. مرّ متجاوزًا الحارسين القويين اللذين كانا يحرسان الباب، وهو يُبرز هويته.

طرق الباب مرةً ودفعه، وحيّا الجالسة بالداخل. كانت امرأةً بشعرٍ مُحلوقٍ قصير، وجهها شابٌّ، لكن بتجهمٍ دائمٍ وابتسامةٍ ساخرةٍ على جانب فمها، حوّلت ملامحها إلى تهديدٍ عميق.

كانت ترتدي زيًا عسكريًا أحمر اللون يناسبها بشكل فضفاض، لكن الطريقة التي كانت تضغط بها هيئتها على الزي تشير إلى جسد مليء بالقوة.

“الجنرالة رانا تيبيريوس، أنا هنا مع تقرير عاجل يا سيدتي.”

تركت عيناها التقارير التي كانت تقرأها، وركزت على الضابط العسكري الشاب الذي ارتجف ارتجافًا شديدًا. كانت الجنرالة سامية أرض صاعدة حديثًا من عائلة تيبيريوس، وكانت مشهورة بشجاعتها في المعركة، وقلة صبرها على أي حماقة.

“تكلم يا ملازم تريفولد، لدي العديد من الأمور الملحة.”

ابتلع الشاب ريقه وبدأ بسرد تقاريره، وكانت الجنرالة مشهورة أيضًا بحدة ذهنها. كانت قدرتها على تذكر اسمه من بين ملايين الجنود الذين أشرفت عليهم أمرًا مرعبًا ومُذلًا في آن واحد.

الترجمة : كوكبة

———

الأمير الثالث العم