السجل البدائي - الفصل 592

الفصل 592: تلاشي الوفيات

صمت الأمير الثالث وهو يواصل صنع قطعة الخشب التي تجلّى بها، واستغرقه ثلاثة أشهر لإتمام عمله. طوال هذا الوقت، لم يتوقف عن الكلام، بل تضاءل كلامه حتى سقط لسانه، لكنه وضع غرزًا في فم إلورا، فخرج صوته من فمها.

لقد كان ما صنعه رثًا، وكان عبارة عن قارب يبدو أنه من صنع نجار مخمور بدأ للتو في تعلم حرفته، لكنه بدا راضيًا بشكل لا يصدق عن عمله.

وضع الأمير الثالث يديه على وجهه، وسقطت عينه اليسرى من محجريها، وكانت الأصابع التي كان يستخدمها في صناعة القارب ملتوية ومكسورة، ومع هزة خفيفة من جسده، سقطت يده اليسرى وضحك ببطء، لكن فم إلورا كان يتحرك.

“حتى مع لعنتي، انظري إلى جمال صنع يدي. حتى لو كان كل ما أراه ظلالاً وخراباً، وإدراكي دودة تزحف في التراب، و يدي وأصابعي مصنوعة من أغصان وأعواد هشة…”

“… لن أُحرم من حقي. سأُكافأ على معاناتي كاملةً، هذا ما أعدك به.”

صعد إلى القارب واستقر، ومع صرير وفرقعة عالية، بدأ القارب في التحرك نحو الصحراء، وبعد فترة وجيزة كان جسد الأمير الثالث المكسور والوحيد مغطى برمال الصحراء… وجهته غير معروفة.

*****

سار رجل ذو شعر ذهبي طويل في شارع عالمٍ بشري مجهول. كان حضوره خافتًا كأنه غير موجود. كشبح، تسلل بين الحشد الصاخب حتى توقف في مكانٍ ما واستنشق الهواء.

لقد جعله هذا الفعل مرئيًا حيث ساد الصمت الخافت بين الحشد بحضوره، حيث كان فردًا مذهلاً، هز رأسه وانزلق إدراك الحشد من جسده وواصل الناس المرتبكون أنشطتهم اليومية، ويتساءل الجميع عن سبب توقفهم في المقام الأول ولماذا شعروا بإحساس شديد بالحزن والخسارة في قلوبهم كما لو أنهم فقدوا أعظم فرصة سيصادفونها في حياتهم.

أدار روان رأسه، ونظر إلى مطعم في الهواء الطلق، حيث تضم قائمة طعامهم المشويات والنبيذ المُخمّر منزليًا. زعموا أنهم يقدمون أفضل مشويات في العالم، لأن صاحبهم كان سامي أرض، وكان يصطاد أفضل حيوان غريب لهذا المطعم يوميًا.

ذكرى جعلت روان يبتسم ووقف في الطابور منتظرًا دوره، ولم يستغرق الأمر وقتًا طويلاً حتى وصل إلى الخوادم لتقديم طلباته، وطلب كل شيء في القائمة، بما في ذلك كل النبيذ الذي كان لديهم فائضًا.

نظر إليه النادل، وهو شاب في العشرين من عمره تقريبًا، بنظرة غريبة،

“ يا الهـي ، حصصنا هنا ضخمة جدًا. أصحاب المطعم لا يبخلون بجزء من المبلغ، إذا فهمت قصدي، فكل شيء بكميات كبيرة. أؤكد لك ذلك، إلا إذا كنت تقيم حفلة، فاعذرني.”

ابتسم روان وربت على بطنه، “لا حفلات، كل هذا من أجلي، أنا أكبر مما أبدو عليه، لا تقلق، يمكنني أن أتحمل كل شيء.”

“إذا قلت ذلك… فسيكون ذلك 1200 قطعة ذهبية، يمكنك الدفع مقدمًا أو استخدام سند إذني مصدق من المملكة.”

فتح روان راحة يده اليمنى وبدا أن 1300 قطعة ذهبية ظهرت عليها كلها مرتبة بدقة داخل صندوق مفتوح كبير،

“الباقي لك”

بدا النادل مرتبكًا وقبلها بشكرًا، حيث كانت قطعة ذهبية واحدة تساوي أجر يوم عمل بالنسبة له.

جلس روان منتظرًا حتى يتم إعداد وجباته وتغليفها ثم جمع كل شيئ، وبخطوة واحدة اختفى، كاد النادل أن يصرخ من الصدمة عند هذا الاختفاء، قبل أن يتحقق ليرى ما إذا كان الذهب قد بقي وتنفس الصعداء عندما رأى أن كل شيء قد تم حسابه، ولكن سرعان ما تم مسح ذكرى هذا الحدث من ذهنه.

عندما ظهر روان كان أمام شاطئ، ونظر حوله قبل أن يجلس، وبينما كان ينحني للجلوس، شكلت الرمال تحته كرسيًا كبيرًا، كما تم إنشاء طاولة أمامه من الرمال، لكنها لم تشبه شيئًا مصنوعًا من الأرض بل كانت تشبه البلورات، حيث تم ضغط الرمال معًا بإحكام شديد حتى تغير هيكلها.

كان الكرسي والطاولة يلمعان من الشمس فوق الرأس، ومع عبوس طفيف من روان، غربت الشمس ووصل الغسق، كان بإمكانه سماع صراخ الخوف من الكوكب بأكمله، لكن الرياح توقفت وعاد الصمت.

رتب الطعام والنبيذ الذي أحضره أمامه وبدأ يأكل ببطء، ولكن سرعان ما اكتشف أنه لم يعد هناك أي متعة في هذا النشاط.

كان بإمكانه التذوق، ويمكن وصف النكهات بأنها رائعة ولكنها كانت مكتومة… صغيرة.

سوف يحتاج إلى تناول شيء يحتوي على نكهة أفضل بمليون مرة من هذه الوجبة لتلبية حتى أقل تفضيلاته.

يمكن مقارنة هذه الوجبة لروان بإنسان يُقدم له حبة أرز واحدة، بغض النظر عن مدى لذة أو نكهة تلك الحبة من الأرز، فهي لا تزال قليلة جدًا لإشباع شهيته.

لقد جاء أمامه شخص ما فرفع نظره عن تفكيره، قبل أن ينظر بعيدًا ويستمر في الأكل والشرب، ولكن هذه المرة بشكل أبطأ.

“لماذا يحدث هذا؟” سأل، وكانت كلماته مليئة بالفضول والعجز الطفيف.

“الكون أصبح صغيراً جداً بالنسبة لك، فهو يسحقك تحت ثقله، وإما أن تكسره أو تختنق في دمك.”

توقف روان وأشار إلى نفسه ، “لا أستطيع الاختناق كما تعلمين.”

تنهدت الشخصية، “نعم، وهنا تكمن المشكلة، يجب أن يحدث شيء ما.”

تنهد روان بانزعاج، ثم تابع الأكل: “هل تنضمين إليّ يا إيفا؟ لا أعتقد أنكِ تناولتِ أي طعام بشري من قبل.”

“لم أفعل ذلك، لكن يبدو الآن وكأنه وقت مناسب اكثر من أي وقت آخر.”

انضمت إليه عندما تغيرت السماء فوقه ونزل ضوء ذهبي مثل النيزك واصطدم بالمحيط، وفي لحظة، انطلقت خيوط ذهبية ضخمة من المحيط وبدأت في تغطية الكوكب بأكمله.

لقد بدأ روان في زرع هذا العالم.

“طعم هذا النبيذ غريب”، قالت إيفا.

“جربي هذا الآخر، أعتقد أنه يتناسب معه بشكل جيد.”

“حسنًا،”

داخل سجله البدائي، تزايد عدد العوالم المصنفة إلى الأمام.

1,254.

الترجمة : كوكبة