الصياد البدائي - الفصل 8
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
كان الليل هادئًا، أكثر هدوءًا مما قد يتوقعه المرء من غابة مليئة بالوحوش المتوحشة التي لا تسعى إلا لالتهام لحم البشر. لم يكن هناك زئير، ولا عواء الذئاب أو نعيق البوم. لم تكن هناك أي أصوات على الإطلاق، باستثناء حفيف الرياح بين الأشجار والشجيرات، وفرقعة النار الهادئة.
كانت مسؤولية الشخص الذي كان يراقب بسيطة إلى حد كبير: راقب أي شيء يحاول قتلهم، وأبقِ النار مشتعلة. فحص جيك مستوى تحمله، فوجده يصل إلى 135/140. اقترب مستواه من الحد الأقصى مرة أخرى بعد نحو ثلاث ساعات من النوم. كان مستوى تحمله في المنتصف تقريبًا عندما غفا، وتجدد بسرعة أكبر مما كان يتوقع.
ربما تقل الحاجة إلى النوم مع ارتفاع مستوياته، أو ربما كان دخول النظام قد غيّر شيئًا جوهريًا جعل النوم أقل أهمية. على سبيل المثال، كان جيك يتساءل عما سيحدث إذا تناول المرء جرعات تعزز التحمل كلما انخفض مستواه، هل يعني ذلك أنه يستطيع البقاء مستيقظًا إلى الأبد؟
هز جيك رأسه لينفض هذه الأفكار، ثم نهض ليقوم بجولة قصيرة حول المخيم، مسحًا محيط المنطقة المفتوحة الصغيرة. الآن وقد أدرك أن موقع المخيم كان سيئ الاختيار على أقل تقدير. فقد كانت الأشجار والشجيرات الكثيفة تحيط بهم من كل جانب، مما جعلها أماكن اختباء مثالية لأي حيوانات مفترسة، ولم يكن هناك أي اتجاه يوفّر غطاءً قوياً ضد أي هجمات محتملة.
فكر جيك في البحث عن كهف أو شيء من هذا القبيل في الصباح، لكنه تذكر أن للكهوف عيوبها أيضًا؛ فمدخل واحد فقط قد يعني أن وحشًا كبيرًا، مثل خنزير هائج، يمكنه الاندفاع عبر الأنفاق الضيقة بسهولة، يسحق كل شيء في طريقه. نعم، لم تكن تلك الصورة جميلة.
نظر جيك إلى الأشجار الضخمة وتساءل عما إذا كان يمكن إقامة مخيم في إحداها، لكن هذا سيجعل إشعال النار أمرًا مستحيلاً، ولم يكن واثقًا تمامًا من قدرة الجميع على تسلق تلك الأشجار.
فكر جيك في مدى قلة النشاط في الغابة خلال هذا الوقت من الليل، وبدأ يعتقد أن النظام – أو الشخص الذي صمم هذا البرنامج التدريبي – لم يكن قاسيًا بالكامل. إن غياب الوحوش الليلية جعل البقاء أسهل بكثير، مما منحهم وقتًا للنوم والتعافي. حتى الحيوانات الليلية مثل الغرير، التي عادة ما تكون نشطة في الظلام، بدت وكأنها تصطاد فقط في وضح النهار.
ومع ذلك، كان على جيك أن يظل يقظًا؛ لم يكن هناك دليل قاطع على عدم وجود وحوش ما زالت تصطاد. كما لم يكن بوسعه نسيان البشر الآخرين في هذا البرنامج التدريبي. لقد رآهم على الأعمدة العملاقة في البداية، منتشرين على جميع الجوانب. ولكن عند التفكير في الأمر، كانوا على اليمين واليسار فقط، ولم يكن هناك أحد أمامه أو خلفه. ولا يمكنه أن ينسى الجدار العملاق الذي كان خلفهم.
كانت المسافات بين الأعمدة تقاس بالكيلومترات، لذا لم يكن من المستغرب أنهم لم يلتقوا ببقية الناجين بعد. لقد مر نصف يوم أو نحو ذلك فقط، ورغم أنهم كانوا يتحركون لبعض الوقت، إلا أنهم لم يقطعوا مسافة كبيرة، ربما بضعة كيلومترات على الأكثر. كانت الوتيرة بطيئة، والجميع كانوا متوترين وحذرين للغاية. في بعض الأحيان، كانوا يتخذون طرقًا التفافية لتجنب المناطق الخطرة المحتملة. وكان الاتجاه الذي سلكوه بعيدًا مباشرة عن الجدار.
لم يكن جيك متأكدًا حتى مما إذا كان المشاركون الآخرون في البرنامج التدريبي بشريين حقًا. لقد رأى صورًا ظلية تشير إلى مخلوقات ثنائية الأرجل، لكنه لم يكن لديه طريقة لمعرفة ما إذا كان لديهم الشكل البشري نفسه، أو ما إذا كانوا من جنس آخر. وبصراحة، لم يكن متأكدًا مما إذا كان يفضّل أن يكونوا بشرًا أم كائنات غريبة، فقد ينتهي الأمر بهم إلى صراع في مرحلة ما.
ومع مرور الدقائق ببطء، بدأت الرتابة تأخذ مأخذها. فرغم أن الجلوس ساكنًا والمراقبة يبدو أمرًا بسيطًا، إلا أن أي شخص عمل في وظيفة ليلية يعرف جيدًا مدى الملل الذي يسببه ذلك. ومع ذلك، لم يكن قراءة كتاب أو اللعب على الهاتف خيارًا متاحًا له.
ربما كان دينيس ولينا يستمتعان بالحديث مع بعضهما البعض لإبقاء كل منهما مستيقظًا ومنتبهًا. لكن بالنسبة لجيك، كان الملل، إلى جانب عدم وجود أي تحفيز بيئي على الإطلاق، قد جعله يفقد التركيز تدريجيًا.
لكن كل هذا تغير عندما سمع حفيفًا قادمًا من إحدى الشجيرات عند الطرف البعيد من المقاصة، الأبعد عن النار. ركز جيك على الشجيرة بينما استمر الحفيف. لم يشعر بأي خطر مباشر وهو يركز عليها، لكن غريزته أخبرته مع ذلك أن هناك شيئًا ما ليس على ما يرام. عليه أن يبقى حذرًا.
أمسك قوسه ونهض من جذع الشجرة، متحققًا من أن الجميع لا يزالون نائمين. كان الجميع متعبين جدًا في الليلة السابقة بسبب الإرهاق الذهني الذي تسببت فيه هذه المحنة برمتها، لذلك لم يكن راغبًا في إيقاظهم بسبب إنذار كاذب.
بدأ جيك في التقدم نحو الشجيرة، التي ما زالت تصدر أصوات حفيف خفيف مرة كل بضع ثوانٍ مع اقترابه. فحص الشجيرة ولم ير شيئًا في البداية، لكنه ظل مترددًا في الاقتراب أكثر. بدأ في سحب قوسه وتوجيهه نحو الشجيرة، متقدماً ببطء شديد، مستعدًا لأي مفاجأة قد تقفز نحوه.
وفجأة، خرج شيء من الشجيرة بسرعة، فأطلق جيك سهمه على الفور، فأصاب الهدف بسهولة. وقبل أن يتمكن من تحديد ما أصابه بالضبط، اندفعت صورة ظلية من بين الشجيرات. كان الظلام يعيق رؤيته بشكل صحيح، لكن الصورة الظلية البشرية كانت واضحة. وقد تأكد من ذلك أكثر عندما رأى ضوء القمر ينعكس على نصل سيف.
تراجع جيك بسرعة وصرخ لإيقاظ الآخرين، لكن الصوت لم يكد يخرج من فمه حتى رفع قوسه بشكل عشوائي ليحاول صد الضربة.
تمكن جيك من صد الهجوم، لكنه دفعه بقوة إلى الوراء ليسقط على الأرض، ممسكًا بقوسه بكلتا يديه. نظر إلى مهاجمه لأول مرة بوضوح، فرأى رجلاً ملتحيًا في الثلاثينيات من عمره تقريبًا، يرتدي زيًا مشابهًا لما كان يرتديه يعقوب وثيودور، مما يعني أنه كان من فئة المحاربين المتوسطين.
حاول المحارب الهجوم مرة أخرى بسيفه، لكن السيف اخترق خشب قوس جيك وعلق، مما أدى إلى إيقاف الهجوم مؤقتًا. حاول جيك استعادة قوسه والتراجع، بينما كان المحارب يسعى جاهداً لقطع جسده.
ولم يدم هذا الموقف طويلاً، إذ ظهر شخص آخر من شجيرة قريبة وهو يحمل فأسًا ضخمة بيديه الاثنتين.
رأى جيك ذلك المحارب الثاني ولم يتطلب الأمر منه الكثير ليعلم أن الوضع كان سيئًا للغاية. كان المحارب المتوسط قويًا، وربما أقوى بقليل من جيك. الآن وقد أُجبر جيك على خوض قتال متلاحم، لم يكن لديه وسيلة لاستخدام قوسه بفاعلية. في هذه الأثناء، كان الآخرون في المخيم قد استيقظوا، لكنهم كانوا في حالة من الفوضى والارتباك، ولم يكن لدى أي منهم فكرة عما يجري. كان جيك ومهاجموه بعيدين عن النار بحوالي 25 مترًا، مختبئين في الظلام.
تردد جيك حول ما يجب فعله، بينما كان المحارب حامل الفأس يقترب منه. لم يكن لديه وقت للتفكير، لذا بدلاً من التردد، استجاب بسرعة.
قبل أقل من ثانية من أن يحطم الفأس رأسه، سحب جيك قوسه بشكل مفاجئ وأطلق سهمًا باتجاه المحارب حامل الفأس، مما جعله يتراجع للخلف من شدة الزخم. استغل جيك الفرصة للتراجع بينما تحطم الفأس على الأرض حيث كان يقف للتو. الآن علق السلاح في الأرض، مما جعل المحارب الثقيل هدفه التالي.
اندفع جيك إلى الأمام، محاولاً طعن المحارب الثقيل بسكينه، لكنه اصطدم بذراع مدرعة. دون تردد، سحب جيك سهمًا آخر من جعبته واستخدمه لطعن عين حامل الفأس من أعلى، مما جعل السهم يصل بالكاد إلى درعه. بالكاد اخترق السهم، لكنه كان كافيًا لإيقاف المحارب مؤقتًا.
استدار جيك، فهاجمه المحارب المتوسط مرة أخرى، لكنه تمكن من صد الضربة الأولى بسكينه. تراجع المحارب خطوة إلى الوراء ولوّح بسيفه مرة أخرى، لكن هذه المرة كان هناك وميض أحمر خفيف حوله، حيث تحرك بسرعة أكبر وكان أقوى بكثير. قوبلت محاولة جيك لصد الضربة بألم شديد في معصمه، حيث طار السكين من يده.
في تلك اللحظة، شعر بإحساس واضح بالخطر من خلفه. لا… لم يكن شعورًا بالخطر فقط، بل شعورًا بالموت الحتمي. بدا أن الزمن أصبح أبطأ، حيث تحفّزت حواس جيك بشكل لم يسبق له مثيل. لقد رأى، بل شعر بكل ساحة المعركة. نهض المحارب حامل الفأس مرة أخرى، رغم النزيف الشديد من عينه، وتمكن من التقاط فأسه مجددًا، مستعدًا للهجوم.
كان المحارب المتوسط قد هاجمه مرة أخرى، ورفع سيفه ليقوم بضربة أخرى. لكن الأهم من ذلك، كان هناك سهم يطير نحو رأس جيك من الخلف. للمرة الأولى، احتضن جيك بشكل كامل هذه الحواس الجديدة والغريبة عليه. ولكن أكثر من ذلك، فقد اتبع تمامًا ودون تردد ما أخبرته غريزته بفعله. لقد انكشفت له الحقيقة، وقبلها عن طيب خاطر.
تمايل جيك قليلاً إلى الجانب، ورفع يده اليسرى خلف ظهره ليمسك بالسهم الطائر. في نفس الحركة، تفادى بسهولة الضربة العلوية للمحارب المتوسط، وضرب السهم بيده مما جعل المحارب يصرخ من الألم ويسقط سيفه. حاول المحارب حامل الفأس خلفه الهجوم مرة أخرى، لكن جيك انحنى تحت الضربة كما لو كان لديه عيون في مؤخرة رأسه. بنفس الحركة، أمسك بالسيف الذي أسقطه المحارب المتوسط.
بحركة سريعة وسلسة، حطم السيف في ركبة حامل الفأس، مما جعله ينحني صارخًا من الألم. بدلاً من محاولة قتله، توجه جيك نحو المحارب المتوسط بنية القضاء عليه وهو الآن أعزل. ركض نحوه وضربه ضربة قوية عبر ذراعيه حين حاول صده، ثم ضربه ضربة أخرى شقت عنقه، فاندفع الدم من رقبته مغمورًا جيك من رأسه إلى أخمص قدميه.
انطلق سهم آخر نحو جيك، لكنه تمايل قليلاً ليجعله يفوته، بينما ركض نحو حامل الفأس الذي كان يحاول التقاط سلاحه مرة أخرى. ومع ذلك، لم يمنحه جيك الوقت للقيام بذلك، فركله بقوة في رأسه بينما كان يركض بأقصى سرعته. قبل أن يتمكن المحارب من استعادة توازنه، رفع جيك السيف وطعنه في جمجمته. ومع كل ثقله خلف الضربة، اخترق السيف بضعة سنتيمترات فقط، لكنه كان كافياً لاختراق الدماغ وقتل المحارب على الفور.
لكن السيف علق في الجمجمة، مما جعل جيك يخرج سهمين من جعبته، ممسكًا بكل سهم في يد بينما كان يتفادى سهمًا آخر أطلقه رامي العدو. بدا الرامي المهاجم مرتبكًا بوضوح، والخوف جليًا في عينيه عندما رأى جيك المغطى بالدماء يهاجمه. كان الرامي مختبئًا بين بعض الشجيرات، لكن تحديد موقعه من خلال اتجاه السهم كان سهلاً.
ألقى الرامي قوسه على الأرض عندما أدرك أنه لا يملك الوقت الكافي لإطلاق سهم آخر، وسحب سكينه بدلاً من ذلك. كان هذا الاختيار حكيمًا، حيث بدا أن مهاراته في الرماية ضعيفة للغاية، وهو ما جعل جيك يتأكد من أن الرجل لم يكن أفضل بكثير في استخدام أسلحة المشاجرة.
ابتسم جيك بسخرية وهو يتفادى بسهولة أول ضربة للسكين، ثم انحنى وطعنه بسهم في ذراعه التي كانت تحمل السكين. لحسن حظ الرامي، لم يسقط السكين، لكن ذلك لم يساعده كثيرًا، إذ طعنه جيك بسهم آخر في بطنه، مما أجبره على إسقاط سلاحه من شدة الصدمة.
حاول الرامي الدفاع عن نفسه، لكن جيك أخرج سهمًا آخر من جعبته وضرب به صدر الرامي، ثم أتبعه بسهم آخر، وسهم آخر. ولم يكن بوسع الرامي المسكين إلا أن يلوح بذراعيه في محاولة بائسة لصد الهجمات.
بعد تسعة سهام، توقف الرامي أخيرًا عن المقاومة ولفظ أنفاسه الأخيرة، والآن أصبحت هناك 12 سهمًا تخرج من جثته. نهض جيك ونظر إلى السماء، ولا تزال ابتسامة صغيرة ترتسم على شفتيه. اختفى شعور الخطر، وهدأت غريزة القتل التي كانت تستحوذ عليه. لقد نجا.
كان الآخرون في المخيم مستيقظين الآن وركضوا نحوه، وكان من الواضح أنهم ما زالوا في حالة من الارتباك. وما إن رأوا المشهد أمامهم حتى أصيبوا بالرعب. رجل ميت مستلقٍ في بركة من الدماء، بجوار محارب آخر ما زال في وضع الركوع والدم يقطر من عينه، والسيف بارز من جمجمته. زاد هذا المنظر رهبة عندما رأوا جيك مبتسمًا، مغطى بالدماء من رأسه إلى قدميه، يقف فوق جثة أخرى تخرج منها عشرات السهام.
“ماذا… ماذا حدث؟” تلعثم يعقوب، وقد بدا واضحًا أنه منزعج بشدة من هذا المشهد المروع. كان عقله في حالة من الفوضى وهو ينظر إلى جيك برعب.
التفت إليه جيك بابتسامة، وهو لا يزال يشعر بالنشوة التي كانت تغمره في تلك اللحظة. توسعت ابتسامته وهو يجيب:
“لقد فزت.”
χ_χ