الصياد البدائي - الفصل 140
لاتنسو الدعاء لأخوتنا في غزة ❤️
الإعدادات
Size
A- A+Font
لون الخلفية
لن يدعي جيك أبدًا أنه يمتلك معرفة عميقة بالأحداث التي تجري في السماء. ولم يكن ليزعم أنه خبير في الأرصاد الجوية أو التنبؤ بالطقس. صحيح أنه حقق درجات جيدة في الفيزياء والكيمياء، لكنه لم يكن خبيرًا بأي حال من الأحوال. ومع ذلك، وبرغم افتقاره إلى المعرفة المتخصصة، كان متأكدًا تمامًا أن الأشجار لا تنمو على السحب، ولا يُفترض أن يكون الإنسان قادرًا على المشي فوقها. وهذا ما جعل وضعه الحالي مربكًا إلى حد ما.
فهو الآن يقف على سحابة، ناظرًا إلى السماء الشاسعة. وخلفه كان الصقر يستقر على غصن شجرة عاجية نمت على تلك السحابة. كانت أوراق الشجرة ذات لون أزرق فاتح، متخللة بعروق زرقاء داكنة تملأ الجذع. السحابة التي يقف عليها لم تكن كبيرة جدًا؛ كان عرضها بالكاد خمسة أمتار، وتحتوي فقط على تلك الشجرة الواحدة. ركع جيك، وجمع بين يديه جزءًا من السحابة. شعرت السحابة بين كفيه بنعومة غريبة؛ لم تكن تشبه الصوف تمامًا، بل أشبه ببالون ماء ناعم. وعندما أطلق تلك القطعة من السحابة، بدأت بالانجراف في الهواء، مشكّلة سحابة صغيرة منفصلة عن السحابة الأصلية. كان هذا ربما هو نفس الآلية التي تشكلت بها السحابة التي وقف عليها.
جيك والصقر كانا قد حلقا لفترة طويلة حتى وصلا إلى ارتفاع نحو 25 كيلومترًا. في العالم القديم، كانت هذه المسافة تضعهما في طبقة الستراتوسفير. الطائرات التجارية لم تكن تتجاوز ارتفاع 12 كيلومترًا، ومع ذلك لم يكن الهواء حولهما أكثر نحافة. بل كانت كثافة المانا ثابتة كما لو كانا بالقرب من سطح الأرض، والاختلاف الوحيد الذي لاحظه جيك هو التحول في الانتماءات؛ فقد زادت هيمنة عنصر الرياح بينما كان تقارب الأرض شبه معدوم.
نظر جيك إلى الأعلى، ورأى السماء تتسع بلا نهاية. لم يكن واضحًا له إلى أي مدى يمكن للمرء أن يصل قبل الوصول إلى الفضاء الخارجي، أو على الأقل إلى الحواف العليا من الغلاف الجوي. لكن ما عاد إليه تركيزه هو السحابة الغامضة. كما توقع جيك، كانت السحابة جزءًا من تشكيل أكبر بكثير. وقد استند إلى ذلك في ملاحظته للسحابة الهائلة التي طفت تحتهم ببضع مئات من الأمتار – سحابة ضخمة تشبه تلك التي وقف عليها. وكانت ضخمة لدرجة أن جيك لم يتمكن من رؤية بدايتها أو نهايتها. كان من الممكن أن تكون بحجم دولة بأكملها قبل ظهور النظام، تطفو هناك، بعيدًا عن المدينة التي افترض جيك أنها قابعة تحتها. حسنًا، ربما ليس مباشرة فوقها، بل على بعد حوالي 100 كيلومتر شمالًا و25 كيلومترًا في السماء.
لسوء الحظ، المنطقة التي يؤثر فيها الصرح لم تمتد لأعلى بشكل كبير، وربما بلغت بضع مئات من الأمتار فقط في أحسن الأحوال. وهذا يعني أنه حتى لو بدأ الصرح في التمدد لأعلى، فإنه سيستغرق وقتًا طويلاً قبل أن يصل إلى مدينة السحب. إن حدث ذلك من الأساس. مع ذلك، جيك كان شبه متأكد أن السحابة كانت تتحرك قليلاً… وربما تطفو بعيدًا.
بالحديث عن الصرح، كان جيك لا يزال قادرًا على الإحساس بموقعه. كان محظوظًا بوجود هذا الإحساس، فبدونه كان سيضيع تمامًا. لقد تبع الصقر ببساطة أثناء طيرانهما. وبدون مثل هذه المنارة، كان من المرجح أن يجد نفسه يسير في الاتجاه الخاطئ تمامًا.
لقد قضى بضعة أيام بعيدًا فقط، وهانك جاي أشار إلى أن بناء المنزل سيستغرق أسبوعًا. مما أعطى جيك بعض الوقت لاستكشاف القارة السحابية الشاسعة التي تلوح أمامه. كان من الواضح أن الصقر كان مهتمًا بذلك أيضًا، وربما كان هذا هو السبب وراء إحضاره جيك إلى هنا. ربما كان الصقر يريد رفيقًا لمزيد من الأمان، أو أنه كان يبحث عن تسوية نفسه في هذه البيئة.
بعد استراحة قصيرة وجولة من تناول جرعة لكل منهما، انطلق الاثنان مجددًا في السماء. ومع اقترابهما من القارة السحابية العملاقة، شعر جيك بإثارة طفولية. فكرة استكشاف جزيرة سماوية عائمة فوق السحب كانت مثيرة. لقد دغدغت في داخله شغف المغامرة الذي لم يكن قد أشبعه في هذا العالم الجديد، حيث كان يواجه في السابق مشاهد عادية نسبيًا مثل الكهوف والغابات والسهول. لكن هذه السحابة العملاقة… كانت شيئًا آخر.
كانت تلك السحابة كثيفة للغاية. حلق الاثنان بمحاذاة جدار سحابي امتد لمئات الأمتار في السمك. لكن هذا لم يكن شيئًا مقارنة بالمنظر الذي رآه جيك حين صعد فوق الحافة. أمامه امتدت قارة من السحب، مع عدد لا يحصى من الأشجار العاجية المنتشرة هنا وهناك. وكانت هناك شجرة عملاقة في الأفق، لا تظهر إلا بسبب الومضات الكهربائية التي تنبعث منها كل بضع ثوانٍ، لتضيء السماء الليلية مثل مانع صواعق عملاق. كانت تلك الشجرة المركز الذي يجمع الطاقة البرقية من جميع الأشجار الأخرى في الجزيرة.
هذه الأشجار، كما اعتقد جيك، كانت السبب وراء إمكانية السير على السحب. وبعد الشجرة العملاقة، كان المشهد الأكثر إثارة للدهشة هو الحركة التي رصدها على السحابة. رأى جيك طيورًا عديدة تحلق فوق الجزيرة، لكن ما أثار دهشته هو نوع آخر من المخلوقات – عناصر السحب. كانت هذه الكائنات بيضاء تمامًا وتبدو كما لو كانت جزءًا من السحابة نفسها، لكن الفحص السريع أثبت عكس ذلك.
[عنصر السحابة – المستوى 56]
كان هذا أول لقاء لجيك مع عنصر. كان يعرف بوجود هذه الكائنات من الكتب التي قرأها عن الكيمياء. كانت تلك العناصر مصادر ممتازة لمكونات متعددة في الإبداعات الكيميائية. وعندما يُقتل العنصر، يتحول إلى كرة صغيرة من عنصرة، مثل كرة سحابة سماوية، تحتوي على مانا مركزة. هذه المواد كانت مفيدة للكيميائيين، رغم أن جيك لم يكن يعرف كيفية استخدامها بعد، لأن مجاله لم يتطلب مثل هذه المواد.
شاهد جيك مجموعة من الطيور تهاجم عنصر سحابة قريبًا. رغم أن هجمات الطيور المادية لم تؤثر عليه، إلا أن السحر كان يضر به. وبعد أقل من دقيقة، تلاشى العنصر وتحول إلى كرة بيضاء صغيرة. أسرع أحد الطيور بأكلها، ثم طار هو ورفاقه مجددًا.
تكرر هذا المشهد عدة مرات أمام عينيه. كانت العناصر تموت باستمرار، لكن أعدادها لم تتأثر؛ فكلما قتل واحد، خرج آخر من السحابة السفلية، كما لو أن الجزيرة نفسها تولدهم.
قطع الصقر أفكار جيك بحركة مفاجئة خلفه. كان الصقر قد مل من الانتظار وأراد التحرك. فهم جيك الرسالة، ولم يستطع أن يتفق معه أكثر. مشاهدة صيد الطيور كانت مسلية، لكن لم يكن هناك ما يضاهي القيام بذلك بنفسه.
انقض الاثنان نحو الأسفل، وكل منهما يختار هدفًا. الصقر اتجه نحو طائر آخر في المستوى 93، بينما ركز جيك على عنصر سحابي كبير، كان قد قتل لتوه مجموعة من الطيور. كان جيك واثقًا من قدرته على مواجهته.
ابتسم جيك لنفسه وهو يهبط بثبات على السحابة أمامه. لم يكن ساذجًا لدرجة أن يحاول القتال في الهواء. كان يعرف حدوده جيدًا، وعلى الأرض كان أكثر قوة وراحة.
العنصر السحابي الذي واجهه كان يلوح فوقه، بارتفاع حوالي عشرة أمتار. شكله كان يشبه البشر، لكنه كان ضخمًا جدًا لدرجة تجعل المقارنة غير منطقية. ذراعاه كانتا سميكتين كجذعه، وبدلًا من الأرجل، كان لديه دوامة من السحب تطفو قليلاً فوق الجزيرة السحابية.
بنظرة سريعة، استخدم جيك “علامة الصياد الطموح”، وأخرج قوسه، وأطلق سهم طاقة مشبع بلا تردد. العنصر لم يتحرك حتى اخترق السهم جسده، تاركًا فجوة كبيرة.
ولكن لم تمضِ لحظات حتى أدرك جيك أن الهجوم بالكاد أضر بالعنصر. بقايا المانا فقط كانت قادرة على اختراقه، والأذى الذي لحق به كان طفيفًا جدًا. في المقابل، بدأ العنصر السحابي ببطء في مد ذراعه، مطلقًا شعاعًا مضغوطًا من البخار باتجاهه. كانت حركاته بطيئة، لكن قوة الشعاع كانت أكبر مما توقعه جيك، فأجبره على التراجع.
تحرك العنصر نحوه ببطء، مطلقًا المزيد من تيارات البخار. ردًا على ذلك، استخدم جيك مهارته “خطوة ميل” ليبتعد مسافة قصيرة، وأطلق سهمًا مقسمًا نحو العنصر على أمل أن تعتبر الأسهم الناتجة هجمات سحرية.
ومع ذلك، كانت النتيجة مخيبة للآمال. الأسهم مرت عبر جسد العنصر دون أن تحدث أي ضرر يُذكر.
بعد عدة محاولات أخرى باءت بالفشل، حتى باستخدام سهم مغلف بدمه المسموم، أدرك جيك أن السم لن يكون فعّالًا ضد عنصر سحابي ليس له جسد مادي واضح. بدأ يتساءل إن كانت هناك ثغرة خطيرة في مهاراته، خصوصًا في التعامل مع الكائنات العنصرية التي لا تتأثر بالهجمات الجسدية أو السموم.
ثم خطرت له فكرة جديدة: استخدم جناحيه وأحرق الدم داخلها، متيحًا للضباب السام أن ينتشر حوله. أطلق سحابة من الضباب باتجاه العنصر، لكنه تفاجأ عندما تشتت الضباب حوله، مثلما لو كان هناك تيار هوائي غير مرئي يحيط بالعنصر، مما جعل السحابة السامة غير فعّالة تمامًا.
أدرك جيك أن استخدام أسلحته الجسدية لن يُجدي نفعًا، ولكن ذلك لم يمنعه من مواصلة التفكير في حيلة أخرى. رأى أن الطيور المحلقة استخدمت السحر والمانا لهزيمة العناصر، ما يعني أن سحر الرياح والمانا النقية كانتا مؤثرتين للغاية.
المشكلة أن جيك لم يكن يمتلك أي نوع من السحر الهجومي، باستثناء مهارة “لمسة الأفعى الخبيثة”، التي تعتمد على السموم.
مع ذلك، لم يكن العنصر قادرًا على مهاجمته بكفاءة أيضًا، بسبب بطء حركته وبخار الهجمات التي يمكن تفاديها بسهولة. كانت المواجهة أشبه بمعركة عقيمة، حيث لم يكن أي طرف قادرًا على إحراز تقدم.
فكر جيك في حل جديد؛ استخدام المانا بشكل مباشر. ركز مانا في يديه وبدأ بتشكيل أجرام سماوية صغيرة، وهي مهارة كان قد مارسها طويلاً في أوقات سابقة. بعد أن تراكمت المانا، تحولت الأجرام إلى اللون الأسود، مشيرة إلى تركيز المانا المظلم الذي استخدمه سابقًا في مغامرته. ألقى تلك الأجرام نحو العنصر على أمل أن تفعل شيئًا.
لكن للأسف، عندما اخترقت الأجرام السماوية جسد العنصر، تلاشت المانا على الفور، وكأنها قد امتصت أو تم قمعها من قبل العنصر. كان هذا محبطًا، رغم أن الهجوم أحدث بعض الضرر الطفيف، لكنه لم يكن كافيًا.
واصل جيك تجربته مع أشكال مختلفة من المانا، محاولًا تكثيفها أو تحويلها إلى تقاربات أخرى، مثل تقارب الأرض، ولكن دون جدوى. حتى عندما نجح في تحويل المانا، كانت النتائج محدودة ولم تؤثر على العنصر بشكل ملحوظ.
أخيرًا، قرر جيك الاقتراب منه وتجربة “لمسة الأفعى الخبيثة” مباشرة. كان هذا القرار محفوفًا بالمخاطر، خاصة بعد أن رأى كيف التهم العنصر طائرًا سابقًا. لكنه شعر أنه لا يوجد خيار آخر سوى المحاولة.
ببطء وحذر، اقترب جيك من العنصر، متفاديًا تيارات البخار الساخنة. كانت ذراعي العنصر العملاقة تتدلى بشكل مخيف، لكن جيك تجنبها بحذر حتى اقترب بما يكفي لاستخدام مهارته. عندما أغرق يده المتوهجة بلمعان أخضر في جسد العنصر، شعر وكأنه قد وضع يده في الماء المغلي، مما اضطره لاستخدام موازينه لحماية جسده من الحرارة.
وبمجرد أن بدأت أجزاء من العنصر تتحول إلى اللون الأخضر تحت تأثير السم، شعر جيك بلحظة انتصار، لكن هذا لم يدم طويلاً. بسرعة، انفجرت أجزاء من ذراع العنصر، دافعةً جيك بعيدًا بقوة هائلة. تحطم جسده لمسافة خمسمائة متر تقريبًا، وأصيب بحروق شديدة في الجزء العلوي من جسده وذراعيه.
يده التي كانت داخل العنصر تضررت بشكل خاص، مع عظام مكشوفة وجروح عميقة. كان جيك على وشك الاعتراف بالهزيمة، إذ لم يعد يعرف كيف يتعامل مع هذا العدو الذي يبدو لا يُقهر.
لكن قبل أن يستسلم تمامًا، انشقت شفرة رياح هائلة عبر العنصر. هبط الصقر بين جيك والعنصر، حيث وقف لحمايته.
في خضم القتال، كاد جيك ينسى شيئًا مهمًا: لم يكن وحيدًا في هذه المعركة.
χ_χ✌🏻️